«هيومان رايتس ووتش» نعرف أجندتها، ولن تتغير ما دام القائمون عليها يقيمون صلات مع شخصيات إرهابية تحمل أفكاراً راديكالية

من المهم الآن وليس لاحقاً أن نتعلم من الدرس الإماراتي فيما يتعلق بعدم المساومة على الأمن والسيادة الوطنية، وضرورة الاستفادة من دروس الفترة الماضية، فلا جدوى من حكومة لا تتعلم، وشعب عاطفي يتجاهل معطيات التاريخ.
تجربة أزمة 2011 علمتنا الكثير، وينبغي أن نتعلم أكثر منها، فهي علمتنا بصدق ماذا يعني تهديد الأمن الإقليمي عندما يتم المساس بالأمن الوطني لإحدى دول منظومة مجلس التعاون الخليجي. فالأمن ـ بمفهومه غير التقليدي ـ يتجاوز الأمن الوطني إلى الأمن الإقليمي، وأعتقد أن دول المنظومة الخليجية أدركت أن ظهور تهديدات لدولة ما يعني ضرورة وسرعة امتدادها للدول الخليجية الأخرى. لنتحدث قليلاً عن تجربة دولة الإمارات عندما أدركت هذه الحقيقة، ماذا فعلت؟
طلبت المنامة من أبوظبي دعمها الأمني فوصلها ما طلبت خلال أقل من ساعتين ضمن قوات درع الجزيرة المشتركة.
أدركت أبوظبي خطورة مؤسسات المجتمع المدني الإقليمية والدولية التي عبثت بالشؤون الداخلية في البحرين، وهي نفس المنظمات التي فتحت فروعاً لها في أراضي الإمارات تحت ستار الديمقراطية وحقوق الإنسان ودعم الحريات العامة. فاتخذت قراراً جريئاً بإغلاق مكاتب هذه المؤسسات فوراً، وأوقفت أنشطتها، وطردت القائمين عليها لأن أنشطتها مشبوهة، وتمثل تدخلاً في الشؤون الداخلية على المدى الطويل.
بالمقابل ماذا فعلت البحرين؟
المنامة أغلقت منذ فترة مكاتب مؤسسات المجتمع المدني الدولية على أراضيها، وقد يكون آخرها مكتب المعهد الوطني الديمقراطي للشؤون الدولية. ورغم ظروف الأزمة وما ترتب عليها من مواقف متشددة ضد الدولة البحرينية، عادت الحكومة من جديد وصارت تتعاطى مرة أخرى مع المنظمات الحقوقية الدولية.
البعض قد يفسّر تعامل الحكومة حالياً مع مؤسسات المجتمع المدني على أنها تأتي في إطار تعميق التعاون والتفاهم المتبادل، ولكنها طبعاً رؤية قاصرة كثيراً، فهذه المنظمات نعرفها جيداً، ونعرف أجندتها، وكذلك القائمين عليها، ونعرف مسبقاً ما ستكون عليه مواقفها وتقاريرها ضد البحرين.
«هيومان رايتس ووتش» نعرف أجندتها، ولن تتغير ما دام القائمون عليها يقيمون صلات مع شخصيات إرهابية تحمل أفكاراً راديكالية، فعلى سبيل المثال لماذا يقيم أحد المسؤولين في المنظمة نفسها كلما زار لندن لدى سعيد الشهابي المتورط في قضايا إرهابية، وأنشطة التحريض من داخل العاصمة البريطانية؟
المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية صارت فجأة تسعى للتعاون مع حكومات دول المنطقة! طبعاً ليس عن رغبة حقيقية، وإنما لتحقيق هدف واحد. فهذه المنظمات تعاني منذ فترة أزمة مصداقية بعد تزايد التشكيك في مواقفها التي تقوم ببنائها اعتماداً على معلومات مغلوطة، وتعكس وجهات نظر أحادية الجانب. وبالتالي هي بحاجة دائمة إلى ما يكسبها المصداقية، وبالتالي؛ هل نتوقع أن يكون تقرير منظمة «هيومان رايتس ووتش» بعد زيارتها للمنامة واطلاعها على أوضاع حقوق الإنسان عن كثب ستصدر تقريراً إيجابياً أو حيادياً عن الأقل؟!
طبعاً هذا ضرب من ضروب الخيال، فالتقرير المرتقب لن يكون كذلك تماماً، بل أكسبناه مزيداً من المصداقية عندما سمحنا لوفد من المنظمة بزيارة البحرين، واطلع على الأوضاع فيها. وعليه لن تكون هناك ثمة مشكلة تتعلق بمصداقية تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش لأن المنامة هي من أعطتها المصداقية سواءً بقصد أو دون قصد أو حتى بغباء.
مجال آخر للمقارنة والاستفادة من السياسة الإماراتية التي ينبغي تقديرها باستمرار، فعندما صدرت تصريحات مسيئة للبحرين من أحد الساسة اللبنانيين لم يصدر موقف رسمي بحريني سريعاً، وإنما كانت المفاجأة صدور موقف إماراتي قبل صدور موقف واضح من حكومة البحرين رغم أنها المعنية بالقضية قبل أي حكومة أخرى!
كذلك الحال عندما تزور شخصيات مسيئة لدولة خليجية البحرين، هل المطلوب التعامل معها بمرونة وترحيب؟ أم اعتبارها شخصيات غير مرغوب فيها؟
شخصيات عديدة أساءت لدول مجلس التعاون الخليجي مازالت تزور البحرين ويتم السماح لها بذلك، أليس منطقياً منعها واتخاذ مواقف واضحة بشأنها. وهذا ما فعلته الإمارات في أقل من أسبوع عندما منعت شخصيات أكاديمية وإعلامية أساءت للبحرين من دخول أراضيها، ليس لسبب سوى أن سياستها ومواقفها واضحة، فمن يسيء للبحرين ببساطة يسيء للإمارات، وبالتالي ليس شخصاً مرغوباً به، هكذا هي المعادلة ببساطة.
الحزم والسرعة والمرونة في الاستجابة للمواقف والتحديات والعمل المشترك، هي دروس نتعلمها من الإمارات، ولا معنى لعدم الاستفادة من دروس أزمة 2011 لنكرر الأخطاء ذاتها بمزيد من السذاجة وما يسمى بـ «حسن النية».