تميّز القرن السابع الهجري بصحوةٍ فكريةٍ عارمةٍ في الأقطار العربية، والتي تمثّلت في بروز العديد من العلماء والمفكرين والفلاسفة الذين امتهنوا التأليف العلمي؛ وقد تأثّرت حركة الكتابة والتأليف في البحرين بمثيلتها في العراق وشبه الجزيرة العربية ومصر، وأثّرت فيها. ففي تلك الفترة تحديداً نبغ العديد من الشعراء والكتّاب الذين نذروا أنفسهم لكتابة أمور اللغة والأدب والبلاغة والفقه، كما تألقّت كوكبة من العلماء الذين اتخذت توجّهاتهم نمطاً مغايراً لمن سبقهم، ومن بينهم الشيخ جمال الدين بن سلمان الستراوي الذي اشتغل بالفلسفة حتى لُقِّب بالفيلسوف الحكيم، والعلامّة الشيخ ميثم بن علي البحراني، وهو أغزرهم إنتاجاً، حيث اطلع على أمور الأدب وعلم الكلام، واشتهر بسعة العلم وقوة اللغة، وقد تجسّد ذلك في كتابه «شرح نهج البلاغة».
وضمن هذا السياق، يشير المؤرخ الدكتور منصور محمد سرحان إلى أن علماء آل عصفور بدؤوا في الظهور منذ القرن الحادي عشر الهجري، وقد تزامن ظهورهم مع بروز الشاعر أبي البحر جعفر بن محمّد الخطِّي، الذي ترك أثراً كبيراً في الحياة الأدبيّة بالبحرين، غير أن تصدّر علماء آل عصفور مجال الكتابة والتأليف حدث في القرون الثلاثة الهجرية الأخيرة، ولا يزال أبناء هذه الأسرة يرفدون الساحة الفكرية والدينية بمؤلِّفات مهمة، وقيِّمة في مادتها وجوهرها، حيث تتميّز هذه المؤلّفات بالرؤية الفكرية الثاقبة، والطرح الرصين، والعقلانية في أسلوب التفكير.
ويشير المؤرِّخون إلى أن علماء أسرة آل عصفور عكفوا، بدءاً من القرن الحادي عشر الهجري، وحتى يومنا هذا، على تأليف المئات من الرسائل العلميّة، والموسوعات، والكتب المختلفة التي غطّت مجالات معرفيّة متعدِّدة، كاللغة والأدب والتاريخ والعلوم والفلسفة، وبقيت تلك المؤلّفات على شكل مخطوطات، بعضها لا يزال يُحتفظ به في مكتبات علماء البحرين الخاصة، وبعضها الآخر متوافر في مكتبات بعض الدول العربية والإسلامية كإيران والعراق، والقليل منها تم طبعها، غير أن نشاط أسرة آل عصفور لم يقتصر على المجال العلمي والديني فقط، بل كان لها أيضاً نفوذها السياسي البارز في منطقة الخليج والجزيرة العربية.
.. وللحديث بقية