استجاب الرئيس الرئيس الأمريكي باراك أوباما لطلب مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ديفيد بتريوس بإعفائه من منصبه نزولاً عند رغبته التي أبداها في رسالة الاستقالة، وقال فيها «بعد زواج لأكثر من 37 عاماً.. أبديت سوء تقدير بالغاً بإقامتي علاقة خارج نطاق الزواج. مثل هذا السلوك غير مقبول.. سواء كزوج أو كزعيم لمؤسسة مثل مؤسستنا». بهذه الاستقالة يسدل الستار على حياة مهنية لرجل يوصف بأنه «لعب دوراً بارزاً في حرب العراق، وقاد القيادة المركزية الأمريكية والقوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان». بعض المصادر أرجعت سبب الاستقالة إلى ماهو أبعد من القضية «الأخلاقية» عندما ربطت بينها وبين ذلك «الهجوم الذي أسفر عن مقتل السفير الأمريكي كريس ستيفنز في بنغازي في شرق ليبيا». والبعض الآخر رأى فيها تهدئة للرأي العام الأمريكي التي بدأ يطالب بفتح ملف الوكالة التي تستنزف نسبة عالية من الموازنة الأمريكية، رغم النتائج الوخيمة التي ترافق عملياتها، وهو ما دعا الرئيس أوباما إلى التشديد وهو يقبل استقالة بتريوس على أنه يثق «تماماً في أن وكالة المخابرات المركزية ستواصل النجاح وتنفيذ مهمتها الأساسية.. ولدي ثقة كاملة في مايكل موريل القائم بأعمال مدير الوكالة».
تستحضر هذه الحادثة في أذهان البعض منا شريط الفضائح الأخلاقية، والقائمة على علاقات غير شرعية يبنيها مسؤول سياسي تدمر مستقبله وتحرج الحزب السياسي الذي ينتمي إليه والحكومة التي ينتسب لها، لعل أقدمها تلك التي كشف عنها الستار في مطلع الستينات من القرن الماضي بين الشابة كريستسن كيللر ووزير الدفاع البريطانية في حكومة المحافظين برئاسة هارولد مكميلان، جون بروفيومو، واضطر بموجبها بروفيومو إلى الاستقالة بعد أن «كشفت كيلر عن أنها كانت ترتبط بعلاقة غرامية مع ضابط مخابرات روسي يدعى أفغيني إيفانوف الذي كان يعمل مساعداً للملحق البحري السوفييتي في لندن». بطبيعة الحال، وكما تكشف سيرة كلير الذاتية «لم تكن كلير فتاة عادية، بل كانت تتمتع بمهارات ومميزات كثيرة، منها الذكاء والجمال الشديدين، اللذين كانا سبباً في تجنيدها كجاسوسة من قبل المخابرات السوفيتية للإيقاع ببروفيومو عندما كان وزيراً للدفاع عام 1963 وإقامة علاقة غير شرعية معه، نجحت من خلالها في نقل معلومات هامة إلى المخابرات السوفيتية».
سبقت تلك العلاقة، وبعشرات السنين العلاقة التي قامت بين الملك السويدي غوستاف الخامس ومواطنته كورت هايبي في عقد الثلاثينيات من القرن العشرين.
وللوزراء البريطانيين سجل حافل بمثل تلك الغراميات؛ ففي عام 1983 «أجبر وزير التجارة في حكومة مارغريت ثاتشر سيسل باركنسون على الاستقالة، بعد أن كشفت سكرتيرته عن أنها تحمل طفلاً غير شرعي منه بعد علاقة استمرت 12 عاماً. وحصل السياسى البريطاني فيما بعد على حكم قضائي يمنع أي شخص حتى سارة نفسها من الحديث مع ابنته فلورا علانية، أو فعل أي شيء قد يؤدى إلى أن يتم الكشف عن هويته».
وفي بريطانيا أيضاً لم تمح من الذاكرة قصة زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار البريطاني بادي آشدون من 1988 إلى عام 1999، الذي اشتهر حينها باسم «بادى بانتس داون»، وكان ذلك بعد «الكشف عن العلاقة التي استمرت بينه وبين سكرتيرته ترشيا لمدة خمسة أشهر». وقد باءت محاولات آشدون لحظر «نشر قصة هذه العلاقة من قبل صحيفة نيوز أوف ذا وورلد بالفشل».
بين بروفيومو وبتريوس هناك مسافة زمنية طويلة لكنها كانت أيضاً مليئة بالعلاقات الغرامية غير المشروعة التي لم يكف زعماء سياسيين عن إقامتها، رغم احتمال انكشاف أمرها. فعلى الصعيد الأمريكي هناك فضيحة الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون مع المتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، والتي افتضح أمرها وتداولتها الألسن ومؤسسات الإعلام عندما تبرعت صديقة هذه الأخيرة بالإفصاح عن تسجيلات صوتية احتفظت بها تلك الصديقة للمتدربة تؤكد وجود مثل تلك العلاقة، أدت في نهاية المطاف، وبعد أن استغلها «المحقق الخاص كينيث ستار إلى اعتراف كلينتون بتلك العلاقة دون أن يقدم استقالته من منصبه».
وسبق كلينتون إلى مثل تلك العلاقات رئيس أمريكي آخر هو جون كينيدى مع ملكة أفلام الإغراء الأمريكية الشهيرة مارلين مونرو، والتي انتهت بحادثة انتحار مونرو الغامضة التي لم تفك ألغازها حتى يومنا هذا.
ولم يكن هؤلاء الزعماء الوحيدون الذين انغمسوا في مثل تلك العلاقات غير الأخلاقية، فقد تبعهم وسبقهم، وفي سنوات مختلفة، قادة آخرون من أمثال نائب رئيس الوزراء البريطاني السابق جون برسكوت، الذي اعترف بإقامة «علاقة غير شرعية لمدة عامين مع إحدى سكرتيراته وتدعى تريسى تامبل. وقد بدأت هذه العلاقة عام 2002 وتم الكشف عنها في وسائل الإعلام البريطانية عام 2006».
وعلى المستوى الأوروبي أيضاً هناك العلاقة المثيرة للجدل بين أحد أهم الرؤساء الاشتراكيين لفرنسا فرانسوا ميتران، الذي كانت تربطه علاقة مع عشيقته التاريخية آن بينجو، وأثمرت ابنتهما التي أسمياها مازرين. ولم يتردد الرئيس الفرنسي الذي خلف ميتران وهو جاك شيراك، أن يكتب في مذكراته عن علاقاته الغرامية التي دون فيها «كانت هناك نساء أحببتهن، بتكتم وسرية قدر الإمكان».
ويعتبر رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني، صاحب أكبر فضيحة جنسية هزت أوروبا، والتي عرفت باسم «روبي غيت»، نسبة إلى القاصر المغربية الأصل كريمة المحروقي والتي لم يتردد برسكوني عن إقامة علاقة محرمة معها.
كانت تلك القائمة في الدول الغربية، أما في الشرق الأوسط فمن أبرز الشخصيات التي أرغمتها علاقاتها الغرامية على الاستقالة الرئيس الإسرائيلي السابق موشيه كاتساف، عندما دانت «محكمة إسرائيلية كاتساف في 30 ديسمبر 2010 بتهمتي اغتصاب إلى جانب تهم أخرى».
قائمة الفضائح شملت ما عرفته الحكومات والدول، لكن لم تسلم منها أيضاً بعض المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي عندما واجه رئيسه دومنيك ستراوس تهمة «التحرش الجنسي ومحاولته اغتصاب عاملة في فندق أمريكي وترتب على محاكمته في أمريكا فتح ملفات سابقة لدومينيك ستراس كان، ومن بينها قضية أخرى في فرنسا»، مما أجبره على الاستقالة من منصبه وضاعت من أمامه فرصه ترشحه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية».
الملف هنا أن الساحة العربية تخلو من مثل تلك الفضائح، رغم كثير من الشائعات التي حامت حول العديد من القادة العرب، فكلنا يذكر حادثة في مطلع ثورة تموز العراقية وصراعه مع المخابرات المصرية التي نشرت وثائق تتحدث عن انغماسه في علاقات غير شرعية. وفي التاريخ العربي المعاصر كان هناك لغط حول علاقات غرامية مشبوهة أقامها الرئيس الليبي السابق معمر القذافي وأبنائه.
وإذا كان الثمن الذي يدفعه من يكشف الغطاء عن فضائحه في الغرب باهظاً، فهو في الشرق لا يتعدى حدود اللغط والإشارات من بعيد، وفي أحيان كثيرة لا يخلو الأمر من مكافأة.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}