إن أشد القلوب قساوة هي تلك القلوب المتحجرة المتصلبة، وعندما يبلغ أصحابها مرحلة التجبر والتحجر فلا تنفع معهم العظة ولا تجد للرحمة مسلكاً بين قنوات قلوبهم.
أصحاب الأخدود الذين ذكرهم الله عزوجل في كتابه المجيد في سورة البروج؛ بلغوا من القساوة ما جعلهم يرمون المؤمنين، وهم بالمرتبة الأولى بشر من لحم ودم، في أخاديد من نار بلا رحمة ولا شفقة، هؤلاء ثلة من الكفار لا دين يمنعهم من رمي الشيوخ والنساء والاطفال والشباب وسط النار، ولا رحمة في قلوبهم توقظهم من فعلتهم الشنيعة.
أصحاب الأخدود ليسوا ببعيدين عنا اليوم، فهم أصحاب المولوتوف والمتفجرات وأصحاب النيران، فقول الله عزوجل في الآية الكريمة (النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُود) تبين أوجه الشبه بين أصحاب الأخدود وأصحاب المولوتوف، غير أن أصحاب الأخدود قوم كفار كانوا يحاربون الله عزوجل وكل من يؤمن به لأنهم كانوا يعبدون مخلوق ويتلقون أوامر قتل الأبرياء منه، أما اصحاب المولوتوف فهم، وللأسف الشديد، جماعة يُحسبون من عداد المسلمين.
أصحاب النيران -أصحاب المولوتوف والمتفجرات- مُلئت قلوبهم حقداً على أهلهم وجيرانهم وأصحابهم الذين يعيشون معهم في هذا البلد الطيب، فقد وصلوا لمرحلة تجبرت قلوبهم وأصبحوا قساة، بل وصلوا إلى هاوية اللاإنسانية في رمي النار على الأبرياء وحماة الوطن. فأي إنسانية تبقى وهم يرون إخوانهم يحترقون أمامهم ويتعذبون بالنار وكأنهم يرون أوراقاً تحترق في الهواء! وأي عقيدة تبيح القتل والحرق والتخريب؟
أصحاب النيران ليسوا فقط متمردين على القانون؛ بل هم متمردون على الله سبحانة وتعالى، فالله عز وجل لم يبح قتل الأنفس بغير وجه حق، ولم يبح التعذيب، ولم يبح أن يُبيّت المسلم لأخيه المسلم العداوة والترهيب، ولا يظن أصحاب النيران بأنهم عندما يفرون من القانون بأنهم ليسوا في قبضة الله، بل الله عز وجل أعلم بما يُدبرون، فالله لهم بالمرصاد وهو على ما يفعله أصحاب المولوتوف والمتفجرات لشهيد، فهو محيط بأعمالهم الشنيعة، فلا يُغرنهم بالله الغرور لأن الله شاهد على ما يبيتون في أنفسهم وما يُضمرون في قلوبهم من العداوة والقتل والتعذيب وترهيب الآخرين.
فالقوة ليست بالنار ولا بالعضلات، إن القوة بالعقل وموازنة الأمور، ولا ينادي أصحاب المطالب المشروعة بقوة الترهيب وتخويف الآمنين، فهي دروب مسدودة لا تقود إلا إلى الهاوية وتدمير الوطن ومكتسباته.
فهل تدمير الوطن وحرقه وحرق الآمنين وتقسية قلوب البعض هو ما ينادي به أصحاب الإصلاح وأصحاب عقيدة الإسلام وأصحاب العقول الراجحة؟!