في عام 2008 –لو تذكرون لأن عيبنا النسيان- أقام النواب القيامة ولم يقعدوها بشأن تغيب بعض الوزراء عن حضور الجلسات للرد على أسئلة النواب.
لم يقبل النواب بالردود الكتابية من الوزراء وأصروا على حضورهم شخصياً، واعتبروا غيابهم استهانة بالمجلس وأعضائه، بل استهانة بالناس الذين انتخبوا أعضاء البرلمان، وفي نفس العام وعلى خلفية نفس المسألة رفع النواب إحدى الجلسات احتجاجاً على عدم حضور الوزراء.
طيب، هنا فقط نقول: «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم»؟!
النواب الذين طالبوا الوزراء بالحضور يعجزون اليوم عن عقد جلسة نيابية واحدة بنصاب كامل العدد، الغيابات واضحة، وهي التي يمكننا أن نصفها كمواطنين وشعب انتخب هؤلاء النواب بأنه قمة في «الاستهانة» بالبشر الذين صوتوا لهم.
في الأعمال، يمتلك الموظف حق الحصول على إجازة رسمية، أو في إجازة مرضية في حالة الغياب لطارئ صحي، وإذا تكرر غياب الموظف بدون عذر فإن هناك إجراءات إدارية وقانونية تتخذ بحقه كونه يخل بالالتزام المهني، والإجراءات تتدرج من الخصم من رصيد الإجازات إلى خصم مالي من الراتب وصولاً إلى الإنذارات التي تؤدي في النهاية إلى الفصل من الخدمة.
لكن حرصاً على التزام الموظفين بالأعمال فإن هناك «نظاماً» لتقييد الانصراف والحضور –يعرفه بالتأكيد سعادة النواب- سواء من خلال البصمة الإلكترونية أو توقيع الحضور وغيرها من آليات من خلالها يتم ضبط عملية الالتزام بالدوام، باعتبار أن العمل ليس «لعبة» ولا يمكن السماح بالاستهتار فيه خاصة وأن الموظف يتقاضى نظيره أجراً مالياً، ومن وحي ديني هنا فإن المال المتحصل عليه دون أي مقابل أو إخلال بالواجبات الوظيفية ليس سوى «مال حرام» ليس من حق الموظف إن لم يقم بواجباته تجاهه.
تخيلوا أن يتحصل موظف على راتبه كاملاً دون أن يداوم، أو أن تتم بحقه إجراءات أقلها لفت نظر أو إنذارات أولية ونهائية!
إذ كنا في السابق نعيب على بعض أعضاء مجلس الشورى عدم التزامهم بحضور جلسات المجلس، مع الإدراك بأن آلية تعيين أعضاء الشورى (وهي الآلية التي يجب تعديلها) كانت لا تلتفت لمسألة هامة تتمثل بأن كثيراً من الشوريين إما رؤساء تنفيذيين في شركات أو رؤساء بنوك أو أصحاب وظائف في القطاع الخاص، وبعضهم عمله يتطلب منه التواجد في اجتماعات وسفرات عمل وغيرها، ما يعني أن عملية الغياب في جلسات الشورى واردة، وهي مسألة تفرض إعادة النظر في تعيين من لا يمكنه تفريغ نفسه للتركيز في العمل التشريعي.
عموماً، نعود إلى النواب والذين من المفترض أنهم متفرغون تماماً للعمل التشريعي، وألا مبررات تستدعي غيابهم إلا لوجودهم في مشاركات خارجية رسمية فقط، إذ عدم اكتمال النصاب وإقامة الجلسات بنصاب معوق مسألة تستوجب استياء الناس بالضرورة، خاصة وأن النواب بعد عشر سنوات من العمل النيابي أصبحوا أكبر شريحة من المواطنين استفادت من وجود البرلمان، من خلال الرواتب والتقاعد والبدلات وغيرها، بالتالي يفترض ببعضهم ممن لا يحرص على الحضور ويتغيب لأدنى سبب أن يتقي الله في هؤلاء البشر الذين انتخبوه وأن «يحلل راتبه» على الأقل.
كيف تريدون للبرلمان أن يحقق للناس تطلعاتهم ويحل مشاكلهم وهمومهم، وأن يحارب الفساد ويحاسب مسؤولي الدولة، ونصابه لا يكتمل وفيه أعضاء لا يهمهم إن حضروا أو لا، لكن يهمهم «الترزز» في المناسبات الرسمية، ويهمهم نزول الراتب آخر الشهر، و»سيرفس» السيارات الفارهة!
نعم «سيعايركم» الناس على كل شيء حصلتموه من وراء البرلمان لأنه باختصار جاء بفضل أصوات الناس، وعليه فإن كل مستهتر بثقة الناس لا يستحق أن يتم التعامل معه بحلم وصبر بل لابد من نقده وبقسوة، بل حتى المطالبة بإبداله.
هنا نسأله عن الإجراءات المنصوص عليها في لائحة النواب بشأن هذه التغيبات، إذ طوال عشرة أعوام لم نسمع عن إجراءات إدارية تتمثل بخصم في الراتب النيابي أو توجيه إنذارات للنواب الذين يتكرر غيابهم، ندرك بأن هناك لائحة تضبط هذه الأمور، لكن السؤال عن حجم التطبيق؟!
إن لم تكن هناك حالات للتطبيق فإنها كارثة، خاصة وأن النواب في وقت سابق أقاموا القيامة على ديوان الرقابة المالية وحولوه إلى «شماعة» تحمل وزر تفشي الفساد باعتبار أن الديوان لم يطبق ما تنص عليه لوائحه بإحالة المخالفات للنيابة، بنفس أسلوب التعامل إن كان النواب لا يحاسبون على استهتارهم وتغيبهم عن الجلسات رغم وجود إجراءات معنية بذلك فإن الديوان عليه أن يرد عليهم بأن طبقوا لائحتكم أولاً ثم تعالوا لتحاسبونا بذريعة اللائحة!
بعيداً عن كل هذا الكلام، فقط نقول للمواطنين إنه يتضح بأن لدينا اليوم وظائف شاغرة نظير مقابل مادي مجزٍ وسيارات وبرستيج وحصانة، فقط شريطة أن يتعهد المتقدمون لها بالالتزام بحضور جلسات النواب الأسبوعية التي لا تتجاوز الساعات الثلاث في الأحوال العادية.
اتجاه معاكس..
المنطق يقول بأن النائب الذي يتكرر غيابه عن جلسات البرلمان هو نائب مستهتر بثقة الناس وغير جدير بحملها، بالتالي ألا يفترض بأن يتخذ أقسى إجراء بشأنه مثل إسقاط عضويته وإبداله من جاء بعده في نتيجة الانتخابات السابقة!
الإنصاف والعدالة يقولان ذلك، لكن الواقع يقول «عمك أصمخ»!