تصريح قوي ومهم أدلى به قبل نحو أسبوعين رئيس المؤسسة البحرينية للمصالحة والحوار الوطني سهيل القصيبي لإحدى الصحف، لم ينل حقه من الاهتمام رغم خطورته. يقول القصيبي «إن المتضرر الأكبر من الشرخ الطائفي هم الأجيال المقبلة الذين سيتربون على الكراهية والتطرف، على عكس التسامح والتعايش الذي تربينا عليه» مقارناً بذلك بين ما تربينا عليه نحن، وأساسه التسامح والتعايش وقبول الآخر، وما سيتربى عليه أبناؤنا من كراهية وتطرف، يمنعان التسامح والتعايش، ويعتمدان مفاهيماً وقيماً غريبة على مجتمعنا، ولا صلة لها بديننا وأخلاقنا، لافتاً إلى أن ما يقوم به بعضنا اليوم يصنف على أنه محاولة اغتيال للأجيال المقبلة «وإن لم يستخدم هذا اللفظ».
الأكيد هو أنه كلما تأخرنا في الوصول إلى حل للملفات العالقة، ازداد الشرخ واتسعت الهوة فيما بيننا، وتسببنا في إلقاء الأجيال المقبلة في أتون حرب لا علاقة لهم بها، سوى أنهم «الورثة الشرعيون» لنا، فتأخرنا عن الوصول إلى تسوية مرضية لكل الأطراف فيه ظلم لأبنائنا وأحفادنا، الذين لن يتمكنوا من الوصول إلى فك طلاسم المشكلة وخيوطها، التي تكون قد «تشربكت» وصارت عصية على الحل، فالمشكلة التي يمكن حلها اليوم بتنازلات ينبغي أن تقدمها الأطراف ذات العلاقة كافة، لن تتمكن الأجيال المقبلة من حلها، مهما كانت التنازلات التي قد تقدمها لأنها تكون قد كبرت وتعقدت، وقد صار لكل طرف الكثير مما يمنعه، من قبول أية تسوية، بل صار في حال لم يعد معه بالإمكان قبول الآخر أو حتى مجرد الاستماع لما يقول.
ليس منا إلا وتضرر من هذا الذي جرى علينا، ولايزال يجري وليس منا أحد إلا و«صاده الراش»، ولا حل أمامنا سوى الجلوس معاً، والتحاور وتقديم التنازلات التي هي في كل الأحوال، لا تعتبر كذلك لأن التنازل للوطن ليس فيه خسارة، فالرابح هو الوطن، الذي هو نحن جميعاً ويجمعنا، بينما استمرار الأوضاع الحالية فيه خسارة للجميع من دون استثناء، لكن الخسارة الأكبر ستكون من نصيب الأجيال المقبلة التي سترث الحقد والكراهية والعداوة والتطرف.
ما جرى على هذا الوطن وعلى أبنائه حتى الآن ليس بقليل، لكن الاستمرار في هذا الوضع سيجلب ما هو أشد وأنكى، وسينقل كل الملوثات للأجيال المقبلة، التي إضافة إلى أنه سيصعب عليها قبول بعضها البعض، فإنها لن تعرف الاستقرار الذي أساسه المحبة والتفاهم.
ما نقوم به اليوم هو عملية اغتيال مع سبق الإصرار والترصد للأجيال المقبلة، التي لن تعيش مرتاحة ولن تستمتع بحياتها، ولعلها لم ولن تتردد في لومنا وربما «سبنا»، فما أورثناها كفيل بأن تنظر إلينا بالشكل الذي لا نحبه ولا نرتضيه.
إذا كنا نحن الذين تربينا في ظروف أفضل أساسها القبول بالآخر والتسامح والتعايش وصلنا إلى هذه الحال التي لم نعد نستوعب فيها بعضنا البعض، ونقترب من مرحلة التقاتل، فكيف بالأجيال المقبلة التي سنسلمها الملف الرديء كاملاً؟ علينا أن نغير من تفكيرنا، وألا ننظر إلى الأمور، وكأننا آخر العنقود، فهناك أجيال مقبلة ينبغي التفكير فيها وتصور أحوالها، إن لم نتمكن من حل مشكلاتنا وأورثناها إياها.
لسنا وحدنا في الساحة، وكل ما نقوم به ينبغي أن يسبقه تفكير في «الآخر» الذي هو أبناؤنا وأحفادنا وورثتنا، وإذا كان بالإمكان معالجة الإصابات وترميم الأجساد، وإعادة بناء ما تضرر من مبانٍ وشوارع ومدارس وجدران وحتى اقتصاد فإن معالجة النفوس أمر صعب، يصل في بعض الأحيان إلى حد المستحيل، حتى مع توفر أبرع الأطباء النفسيين. ولعل دراسة خاطفة تقوم بها وزارة الصحة كفيلة باستكشاف عدد الذين «تهردقوا» نفسياً اليوم .. فكيف بالغد؟
{{ article.visit_count }}
الأكيد هو أنه كلما تأخرنا في الوصول إلى حل للملفات العالقة، ازداد الشرخ واتسعت الهوة فيما بيننا، وتسببنا في إلقاء الأجيال المقبلة في أتون حرب لا علاقة لهم بها، سوى أنهم «الورثة الشرعيون» لنا، فتأخرنا عن الوصول إلى تسوية مرضية لكل الأطراف فيه ظلم لأبنائنا وأحفادنا، الذين لن يتمكنوا من الوصول إلى فك طلاسم المشكلة وخيوطها، التي تكون قد «تشربكت» وصارت عصية على الحل، فالمشكلة التي يمكن حلها اليوم بتنازلات ينبغي أن تقدمها الأطراف ذات العلاقة كافة، لن تتمكن الأجيال المقبلة من حلها، مهما كانت التنازلات التي قد تقدمها لأنها تكون قد كبرت وتعقدت، وقد صار لكل طرف الكثير مما يمنعه، من قبول أية تسوية، بل صار في حال لم يعد معه بالإمكان قبول الآخر أو حتى مجرد الاستماع لما يقول.
ليس منا إلا وتضرر من هذا الذي جرى علينا، ولايزال يجري وليس منا أحد إلا و«صاده الراش»، ولا حل أمامنا سوى الجلوس معاً، والتحاور وتقديم التنازلات التي هي في كل الأحوال، لا تعتبر كذلك لأن التنازل للوطن ليس فيه خسارة، فالرابح هو الوطن، الذي هو نحن جميعاً ويجمعنا، بينما استمرار الأوضاع الحالية فيه خسارة للجميع من دون استثناء، لكن الخسارة الأكبر ستكون من نصيب الأجيال المقبلة التي سترث الحقد والكراهية والعداوة والتطرف.
ما جرى على هذا الوطن وعلى أبنائه حتى الآن ليس بقليل، لكن الاستمرار في هذا الوضع سيجلب ما هو أشد وأنكى، وسينقل كل الملوثات للأجيال المقبلة، التي إضافة إلى أنه سيصعب عليها قبول بعضها البعض، فإنها لن تعرف الاستقرار الذي أساسه المحبة والتفاهم.
ما نقوم به اليوم هو عملية اغتيال مع سبق الإصرار والترصد للأجيال المقبلة، التي لن تعيش مرتاحة ولن تستمتع بحياتها، ولعلها لم ولن تتردد في لومنا وربما «سبنا»، فما أورثناها كفيل بأن تنظر إلينا بالشكل الذي لا نحبه ولا نرتضيه.
إذا كنا نحن الذين تربينا في ظروف أفضل أساسها القبول بالآخر والتسامح والتعايش وصلنا إلى هذه الحال التي لم نعد نستوعب فيها بعضنا البعض، ونقترب من مرحلة التقاتل، فكيف بالأجيال المقبلة التي سنسلمها الملف الرديء كاملاً؟ علينا أن نغير من تفكيرنا، وألا ننظر إلى الأمور، وكأننا آخر العنقود، فهناك أجيال مقبلة ينبغي التفكير فيها وتصور أحوالها، إن لم نتمكن من حل مشكلاتنا وأورثناها إياها.
لسنا وحدنا في الساحة، وكل ما نقوم به ينبغي أن يسبقه تفكير في «الآخر» الذي هو أبناؤنا وأحفادنا وورثتنا، وإذا كان بالإمكان معالجة الإصابات وترميم الأجساد، وإعادة بناء ما تضرر من مبانٍ وشوارع ومدارس وجدران وحتى اقتصاد فإن معالجة النفوس أمر صعب، يصل في بعض الأحيان إلى حد المستحيل، حتى مع توفر أبرع الأطباء النفسيين. ولعل دراسة خاطفة تقوم بها وزارة الصحة كفيلة باستكشاف عدد الذين «تهردقوا» نفسياً اليوم .. فكيف بالغد؟