كان بإمكان الوفاق أن تستغل وتوظف فرصة الحوار لترميم الشرخ وإصلاح ما أفسدته والأهم كان بإمكانها أن تساعد الفريق المؤمن بأهمية وضرورة الحوار معها، لكن قصر نظرها –كالعادة- جعلها تغفل حتى عن هذه الفرصة وتضيعها كما ضيعت غيرها.
فخطابها وبياناتها وتصريحاتها لوسائل الإعلام لم تتغير وسلوكها لم يتغير ، كلها مدفوعة تحت تصور أن أزمتها مع السلطة فحسب.
قصر نظر الوفاق جعلها تغفل أنه أياً كانت آليات إقرار مخرجات الحوار فإنها ستحتاج لزيادة عدد حلفائها وزيادة عدد المقتنعين بصيغتها.
إنما أزمة الوفاق تكمن في أنها لا ترى الكيان الذي يجب أن تخاطبه فكيف ستفكر بإقناع أو بمخاطبة من لا تراه؟
ما تقوم به جمعية الوفاق بتخاذل من الجمعيات الخمس الأخرى هو رفع سيف العنف في الشارع والتهديد بتعطيل حياة الناس العادية البسيطة المرتادة للشارع العام وترويعهم معتقدة أنها إنما تضع سيف العنف على السلطة، فتزيد من سمك الجدار العازل بينها وبين من تطالبهم بالاقتناع بصيغتها.
تعتقد أنها حين تقطع الطريق وتشعل النار في الطرق العامة فذلك مناكفة للسلطة وضغط عليها وحق مشروع ووسيلة سلمية للتعبير عن نفسها.
حين تزج بأطفال الأكفان وتدافع عن رماة المولوتوف ورماة سهام القتل، إنما هي تواجه رجال السلطة بهم.
حين تدخل الحوار بالتهديد بهذه الوسائل فإنها لا تبتز السلطة بل تبتز أمن وسلامة الناس العادية الذين تأخذهم الوفاق رهائن وتعدهم بمنحهم الأمن والأمان وبانتهاء دعمها للعنف إن هم ضغطوا على المتحاورين ليقبلوا بصيغتها، وتهددهم باستمرار العنف إن هم رفضوها.
حتى إن أصدقاءها زادوا من العازل بينها وبين الناس، فالدعم الإيراني العلني والمباشر للوفاق وهي الدولة التي أضرت لا بمصالح مملكة البحرين فحسب بل بمصالح دول الخليج كافة، جعل من الوفاق أداة لإيران ولم يجعل إيران داعماً للوفاق، لقد جعلت إيران من الوفاق خصماً للشعب البحريني حين دعمتها، إنها عزلة وراء عزلة، جدار وراءه جدار تبنيه الوفاق بينها وبين الشعب البحريني.
لا تعتقد الوفاق أن شارعها وحده من يضغط لإفشال الحوار وإنهائه؟ أو تعتقد أن الأطراف الأخرى ليس بها من صقور تضغط على المتحاورين للانسحاب وبعدم جدوى الحوار معها، فماذا قدمت الوفاق من مساعدة لتدعم الفريق الذي يرى في الحوار جدوى ويرى في الاستمرارية ضرورة؟ إنها تضعف هذا الفريق ألف مرة في اليوم.
لقد خلقت الوفاق لها جيشاً مضاداً من شعب البحرين بسنتهم وشيعتهم ومسيحييـــهم ويهــودهم وبنســــــائهم وبرجالهم، أوجدت شعوراً غاضباً عليها، لا يأتمنها على نفسه، مشحوناً ضدها، هؤلاء يدفعون المتحاورين معها للخروج من الحوار وعدم الاستمرارية، وهو ما يخدم صقورهم.
إن كان (الوسطاء) يتحدثون عن اعتدالية موجودة عند الطرفين، فأين تلك الاعتدالية عند الوفاق؟ هل في سلوكها ما يوحي بهذه الاعتدالية؟ أم بخطابها؟
ومن السهل جداً أن ترمي بالأسباب على أقرب شماعة لهذه الحالة العدائية بين الشعب البحريني وبين الوفاق والذي امتد مع الأسف ليشمل جماهير الوفاق،
من السهل تصوير نفسك بالبريء المسالم وترمي الآخرين بالوحشية والهمجية، الفيلم الذي تستشهد الوفاق بتقنيته العالية ومشاهديه صور الأمر على أن عائلة مسالمة تتعرض لهجوم من «المرتزقة» على حد وصف الوفاق، لكنه لم يصور المتسببين بوابل النيران والمتسببين بقتل رجال الأمن وزيادة أعداد قتلاهم والمحروقين والمشوهين والمروعين، صانعو الفيلم ومروجوه لا يرون ضحايا عنفهم وإرهابهم، كالعادة لا ترى جرائمك ولا ترى فعلك ولكنك وقفت عند ردة الفعل فقط، هذه أسهل الشماعات لمرضى عقدة الاضطهاد.
استمرارك في هذا التجاهل هذا الكيان الذي بدأ بفعل تجاهه ولم تر إلا ردة فعله وسع دائرة المتضررين والغاضبين منك وزاد من سك الجدار العازل بينك وبينهم حتى دخل الشعب الخليجي مع الشعب البحريني مسانداً له، وها هي الأبواب تغلق في وجه فريقكم وحداً تلو الآخر.. أنت لم تتجاهل شركاءك في الوطن بل تجاهلت معه عمقه الاستراتيجي، واستمرارك في هذا الغي لن يخدم حتى قضيتك التي تريد أن تروجها.
الشعب الخليجي يعيش معنا وبيننا وهو ليس منظمة أمريكية أو بريطانية تلوح لها بمصطلحات و«تتعاون» معها بوضع رتوش التجميل، الشعب البحريني ومعه الخليجي يمشون بين طرقاتنا وأزقتنا ويشيعون معنا شهداءنا.
فكيف يمكن أن تصل إلى التوافق مع شخص لا تراه، ولا تقر بأنك تدوس على جرحه... ولم نسمع ولا مرة واحدة حديثاً عن الفعل، بل في كل حادثة لا ترى الوفاق إلا ردة الفعل... ألم يكن الحوار فرصة لإعادة النظر في هذا الموقف؟
الثقة ليست معدومة بين السلطة وبين الوفاق كما تعتقد الوفاق، بل معدومة بين الشعب البحريني وبين الجمعيات الست (الوفاق وتوابعها الخمس)
هذه أكبر معضلة تواجه الحوار أولاً، وتواجه الوفاق ثانياً، والوفاق لا تفعل شيئاً حيال تذليل هذه العقبة بل بالعكس في كل يوم تزيدها تعقيداً بخطابها وبسلوكها تبني جداراً آخر.
ليست الأزمة في ( حكومة منتخبة وديمقراطية وإرادة شعبية) بل الأزمة أعمق وأخطر بكثير وتبعاتها خطيرة على مستقبل الأجيال القادمة، وها أنتم تلمسون ردود الفعل من الناس الذين تجاهلتموهم لا من السلطة، وفي نهاية المطاف ستحتاج لهؤلاء الناس حتى في إقرار مخرجات حوارك فمن أبقيت منهم؟ وماذا فعلت لترميم علاقتك بهم؟