من المفترض أن يكون دور الانعقاد الثالث من الفصل التشريعي الثالث الذي سيفتتحه جلالة الملك الأحد القادم دوراً مختلفاً من حيث الأداء والتوقعات، وذلك لأسباب عدة أهمها ضرورة توظيف الصلاحيات الواسعة التي منحتها له التعديلات الدستورية الأخيرة لتأسيس أعراف وممارسات برلمانية جديدة، خصوصاً كون الميزانية العامة للدولة للعامين 2013-2014 سيتم رفعها إليه في النصف الثاني من السهر الحالي المقبل، إلى جانب أن البحرين ستستلم أولى دفعات الدعم الاقتصادي الخليجي المعروف بـ (المارشال الخليجي) قبل نهاية العام الحالي، وهي عبارة عن ملياري دولار تمثل دفعتي الأعوام 2011 و2012.
إذاً أمام المجلس النيابي تحدٍ تاريخي لا سابق له وهو يكمل عامه العاشر منذ انتخابات العام 2002، وللمصادفة فإن آمال المواطنين معلقة أيضاً على برامج وعمل السلطتين التنفيذية والتشريعية في المرحلة القادمة بشكل لا نظير له، لكننا نخص المجلس النيابي بالحديث لأن الصلاحيات التي أعطتها له التعديلات الدستورية تجعله قادراً -لو أجاد توظيفها- على توجيه دفة برامج ومشاريع الحكومة وبشكل حاسم، إذ أعطت تلك التعديلات لمجلس النواب تحديداً حق طلب المناقشة العامة، ووضعت قواعد خاصة لإعداد الميزانية والعمل بها في بداية السنة المالية، وبما لا يسمح بإصدار الميزانية لأكثر من سنتين ماليتين، إضافة إلى انفراد المجلس المنتخب بالرقابة على الحكومة، كذلك حق توجيه الأسئلة إلى الوزراء وحق مناقشة البرنامج الذي تقدمه الحكومة لمجلس النواب عقب أدائها اليمين الدستورية وإقرار البرنامج أو عدم إقراره.. وغيرها من الصلاحيات التي جعلت من المجلس التشريعي أكثر تمثيلاً للإرادة الشعبية وأعطت النواب إمكانيات وأدوات واسعة، لكنها مشروطة بحسن استغلالها لمصلحة الوطن والشعب في المقام الأول، وبما يتوافق مع رؤية المشروع الإصلاحي لجلالة الملك.
يتزامن هذا التحدي مع تحدٍّ آخر أمام الوطن بأكمله؛ وهو عدم وجود رؤية وطنية متوافق عليها حول أولويات صرف أموال المارشال الخليجي، ففي الوقت الذي يرى فيه أعضاء في المجلس النيابي ضرورة صرفها على المرافق والبنى التحتية وفي مشروعات جديدة بما يساهم في خلق حراك اقتصادي جديد ومشاريع أكبر بميزانيات أوسع، ترى الحكومة، كما صرح وزير المالية، توجيه الدفعة الأولى إلى مشاريع شبه جاهزة من حيث التخطيط وتحتاج إلى التمويل للبدء فيها بسرعة، حتى يتمكن المواطن من رؤية نتائجها على أرض الواقع، وأبرزها المشاريع الإسكانية التي سيكون لها نصيب الأسد، بحسب ما أعلن وزير الإسكان، الذي أوضح أن الوزارة ستعمل على تنفيذ خطتها بتقليص قوائم الانتظار إلى أقل من 5 سنوات بحلول العام 2016، حيث إن إجمالي الطلبات الإسكانية يصل إلى نحو 53 ألف طلب، فيما يبلغ عدد الطلبات الجديدة نحو 4500 طلب سنوياً، وهو ما يفسر حصول الإسكان على نحو 46% من حجم المنحة في مرحلتها الأولى وقد تصل إلى 60%.
وهناك وجهة نظر مختلفة تتحدث عن ضرورة تدوير الأموال في مشاريع صغيرة ومتوسطة ومناقصات وعقود تطال أطراف عدة بعيداً عن لعبة الاحتكار التي أوصلتنا لأزمات عديدة، لذلك لا يجب صرف أموال المارشال الخليجي -بحسب تلك النظرة- على مشاريع الإسكان والبنية التحتية فقط، لأن ذلك يقلل من الاستفادة المستدامة في تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي، فلابد من دورانها في أوجه الاقتصاد القائمة على الصناعات الإنتاجية واستفادة الجميع من حركة الأموال في السوق. هكذا كانت وجهة النظر التي عبر عنها على الأقل بعض ممثلي العمال الذين تفاءلوا برفع مستوى الأجور وتحسين أوضاعهم الوظيفية في القطاعين العام والخاص، لكن ذلك أيضا -بحسب وزير المالية- غير مرجح لأنه سيزيد من الدين العام للدولة على المدى البعيد، في حين أن بعض النواب والكتل طالبت أن ينال رواتب الموظفين جزءاً من أموال المارشال!!
الواضح أنه لا يوجد اتفاق على أولويات صرف أموال المارشال، لكننا نطالب الجميع، والنواب على وجه الخصوص بما يملكون من صلاحيات؛ ضرورة وضع مصلحة الوطن والمواطن أولاً نصب أعينهم، وأن تتم مراقبة صرف هذه الأموال بالتعاون مع ديوان الرقابة المالية، ويمكن تشكيل لجان تشارك في الرقابة من فعاليات مجتمعية واقتصادية موضع ثقة وأمانة.
ومن المهم أيضاً وضع الأمن الغذائي في قائمة الأولويات من خلال إيجاد قوانين تمنع الاحتكار (اللحوم وغيرها) وإيحاد البدائل، ودراسة مشاريع عملاقة كمزارع الأسماك والبيوت البلاستيكية لإنتاج الخضر والفواكه، واستملاك أراضٍ للإنتاج الحيواني والنباتي في الخارج وغيرها.