ها هو ذا القانون يعود من جديد مُعلناً فجر قصة جديدة يسطرها التاريخ بأحرف من نور لمثالب مملكة السلام، فلطالما طالب الشعب بتطبيق القانون، وتصاعدت آراؤه حول تغييبه، وكان -كما تطرقت إليه في مقال سابق- على شفا جرف من الاحتمال إزاء الضغط الداخلي المتواصل والاستفزاز والتهديد الأمني من قبل إرهابيي الوطن. فيما كانت تكتفي الحكومة بردود فعلٍ حسبها البعض خجولة؛ ما جعل كثيراً من المواطنين في حالة من الإحباط واليأس، فيما كانت الحكومة في مرحلة (صبر الحليم).
لكن بلدي تأبى الانصياع لتلك الظروف، وقد تمخض عن صمتها الطويل إصابة توقعات الإرهابيين في مقتل، والضرب بيد من حديد، وُعدنا به قبل شهور طويلة. ولم يعد مهماً إن تأخر قليلاً لطالما أن شيئاً من تلك الوعود المجلجلة -التي تطلّع إليها الشعب بثقة- قد رأى النور. لم يرَ النور تماماً.. لكن يمكن القول أن قراراً مفاجئاً كإسقاط الجنسية عن خونة الوطن، أثلج صدورٍ لطالما أوقدها الغضب، واستعرت فيها النار على وطن يحترق، فأصبحت اليوم تنظر لاستشرافات المستقبل من زاوية أكثر تفاؤلاً.
أعاد هذا القرار روح الثقة بمقدرات الدولة لجسم الوطن من جديد، واستعاد إلى حد ما مواقف الرأي العام وتأييده، مشكلاً بذلك منظومة وطنية جديدة متماسكة بقيادة حكومية رشيدة تُخرج البحرين من النفق السياسي المظلم التي زُجّ بها فيه.
عودة القانون جاءت من أهم أبوابه وتشريعاته، ومن نقطة محورية تشكل عصب الدولة ومكوناتها، استناداً على نص الدستور في المادة (17) من الباب الثالث في فقرته (أ) على أن (الجنسية البحرينية يحددها القانون، ولا يجوز إسقاطها عمّن يتمتع بها إلاَّ في حالة الخيانة العظمى..)، وما حدث في البحرين على أيدي الإرهابيين الواحد وثلاثين، تجاوز حد الخيانة؛ فكان أقل ما استحقه هؤلاء الطرد من شرف المواطنة منكسي الرأس «لا مرحباً بهم» في وطني. وإن بقي منهم من بقى، فهو بلاشك ضيف ثقيل منزوع الكرامة أو فائض من مكبات البشرية في انحداراتها السفلية.
أن تعود البحرين دولةً للقانون، يترتب عليه كثير من الأمور، يأتي في مقدمتها استعادة رضا الشعب الصابر على مدى سنتين، واستعداده السافر لمواجهة أي ردود فعل محتملة بدعم من الدولة، فلم يعد هناك ما هو أهم من الحفاظ على الوطن والثبات عليه، وإحقاق الحق. وبما أن مطلباً شعبياً كان قد طُرح منذ بدايات تصاعد الوضع الأمني في البلاد قد تحقق وفقاً للقانون والدستور، فإن الشعب سيكون سنداً وسداً منيعاً للحكومة وداعماً لها من جديد؛ من أجل استعادة أمن المملكة والعيش فيها بسلام كما كنا آمنين، فضلاً عن إعادة تشكيل الصورة المشرّفة المشرقة للبحرين والتي دُنست على أيدي العُداة المغتصبين.
كلنا أمل هذه المرة أن يكون الرحيل حقيقياً، وألا يؤخذ لصالح إرهابيي الوطن أي حكم قضائي يعدل عن قرار إسقاط الجنسية لمن أراد الاستئناف، فجريمتهم النكراء فاضحة، وقد شهد عليها ألوف بل ملايين من البشر في أقطار مختلفة، ولم يعد لهم من سبيل سوى لملمة «قشهم» والرحيل، مكتسين بثوب العار.
لطالما آمنتُ -وكذلك غالبية الشعب- أن صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، رجل المهمات الثِقال، وصاحب المجد البحريني الأصيل. ولطالما تحينت الفرص للثناء عليه بما هو حقيق به وجدير، فكيف لا أفعل اليوم عندما يشدد على تصديه للإرهاب دون هوادة، ويؤكد على اجتثاث جذوره من المملكة، ليقود مسيرة سلام جديدة في خطوة حثيثة ليست بمستبعدة ولا بعيدة عن رجل السياسة الأول في البحرين، والقائم على نهضتها لقرابة أربعة عقود من الزمن.
^ اضبطوا نبضكم...
فليكن إسقاط الجنسيات عن إرهابيي وخونة البلاد، خطوة أولى من خطوات الألف بل المليون ميل، بل لخطوات الأميال اللامنتهية، لوطن لن يرضى إلاَّ الصعود للقمة؛ بدءاً من تطهير المملكة -واقتلاع مزيد من الدِّمَن- وانتهاءً بنهضة عامة، تشمل كل الميادين، ينال فيها المواطنون مزيداً من الحقوق «بما صبروا».