مباشرة بعد إعلان الوفاق والجمعيات السياسية الواقعة تحت سيطرتها قبولها دعوة ولي العهد للحوار ومن غير شروط؛ بدأ هجوم بعض الذين اختاروا العيش في الخارج عليها ولم يتردد بعضهم عن وصفها بالفضولي والخائن، وقال بصريح العبارة إنها لا تمثل «المعارضة» ولا قيمة لها وإن أحداً لم يفوضها للدخول في حوار، وإن كل ما قد يسفر عنه أي حوار لن يؤثر على «الحراك الثوري» ولن يلزم «المعارضة».
يكفي في هذا الصدد الإشارة إلى بعض تغريدات كريم المحروس، التي جاءت صريحة ومؤكدة لما يرمي إليه ذلك البعض الذي لايزال أسير أحلامه وغير قادر على قراءة الواقع بالشكل الذي ينفعه وينفع الناس الذين يغامر بمستقبلهم ومستقبل أبنائهم.
يقول المحروس «المعارضة الميدانية في بلدنا ثابتة على منهج الثورة، وزادها صمود المناطق قوة، ولن تفلح مسيرة الحوار الفضولي بقيادة الجمعيات»، ويقول أيضاً «في البحرين الجمعيات السياسية تقدم تنازلات بـ(الجكية) لتفرض ذاتها ممثلاً فضولياً عن الشعب فتشغل الشعب بجدل الاستفتاء» (في إشارة واضحة إلى ما قاله الشيخ علي سلمان عن إخضاع ما سوف يتم الاتفاق عليه للاستفتاء)، ويقول «دعاة الحوار يحدثون الشعب وكأنما اكتسبوا التفويض منه بالأصالة وإن من حقهم التصديق على نتائج الحوار بمعزل عن إرادة الشعب».. وصولًا إلى رفع العصا في وجه الوفاق والجمعيات السياسية التي بدأت تنتبه، ولو متأخراً، أن البلاد تغرق بسبب ما اعتراها وأولئك من مراهقة فكرية ما كان ينبغي أن يقعوا فريستها، حيث قال المحروس في تغريدة أخرى «صمود المعارضة الميدانية زادها قدرة على فهم مقاصد السياسيين الفضوليين.. وصد أثر اللعبة لن يستجاب سياسياً.. بل ميدانياً»، وهذا تهديد صريح ومباشر يفهم منه أن على جمعية الوفاق وغيرها من الجمعيات السياسية التي وقفت ضد السلطة في الفترة السابقة «أن تعود إلى رشدها» قبل أن يلفظها «الشعب»، فالجواب على «تهورها وفضوليتها وتقدمها للتحدث باسم الشعب من دون تفويض» هو العمل الميداني (حجز الشوارع وإشعال إطارات السيارات وتعطيل حياة الناس) الذي لن يتوقف.. والذي قد يشملها هي هذه المرة! وهو تهديد للوفاق وبيان مفاده أن كل ما لا يؤدي إلى إسقاط النظام فهو مرفوض وباطل!
لنسأل بوضوح، أيهما الذي يعبر عن الشارع؛ الجمعيات السياسية أم أولئك الذين يقيمون في الخارج ويعملون تحت راية ائتلاف فبراير؟ أم أن الفريقين وجهان لعملة واحدة كما يعتقد البعض، هذا يرفض وذاك يتظاهر بالقبول؟ فهذا الأمر لا بد أن يحسم، على الأقل ليكون للجمعيات السياسية التي أعلنت ترحيبها بالحوار مصداقية عندما تجلس مع المتحاورين الآخرين، وكذلك كي لا يتبيــن للآخرين في اللحظــة الأخيـــرة أنهم أضاعــوا وقتهم مع جمعيات سياسيــة «لم يفوضهــا أحد» ولن تتمكن مــن فــرض مـا تم التوصل إليه على الشارع.
أي طرف من الطرفين له دالة على الشارع ويقوده؛ الجمعيات السياسية أم ائتلاف فبراير؟ إذا كان الأول فإن عليه أن يقف بحزم في وجه الثاني الذي من الواضح أنه يريد دخول مرحلة كسر العظم، وإن كان الثاني فهذا يعني أنه لا قيمة للحوار وما قد ينتج عنه لأنه لن يتمكن من ترجمة قراراته إلى واقع والمساهمة في إخراج الناس مما صاروا فيه بسبب تلك المراهقة الفكرية.
إن لم يكن الطرفان وجهين لعملة واحدة فإن على الجمعيات السياسية، وعلى رأسها الوفاق، أن تجلس أيضاً مع الرافضين للحوار من الذين اعتبروها فضولية وتقدم تنازلات بـ»الجكية» لتبين لهم أن العقل زينة وأن مسألة إسقاط النظام غير واردة حتى في الأحلام.