على الفئات المخلصة لهذا الوطن أن تنتبه وتحذر - بالأخص في هذه المرحلة - من محاولات استمالة «غير مباشرة» يمارسها الانقلابيون وأتباعهم عبر حراكهم على الأرض، وظهورهم على القنوات، أو حتى على شبكات الفضاء الإلكتروني، هدفها الأوحد هو البحث عن «شرعنة» أفعالهم وتوجهاتهم عبر استصدار «صكوك تأييد» باستغلال هذه الطرق، تصدر ممن يقفون من مطامعهم موقف الضد، ونعني هنا أنتم يا من أخلصتم لهذا الوطن ووقفتم للدفاع عنه.
هذه مشكلة ستبقى أزلية للانقلابيين طالما ظل الناس المخلصون واعين لها، لا يجرهم الحماس أو تأخذهم الحمية لمنحهم ما يريدون على طبق من ذهب، فقط في محاولة لإثبات وجود قناعات الصواب والخطأ لدى المخلصين، إذ لا تحتاجون إثبات أي شيء لهم.
لاحظوا معي هنا، إنه في كل نقاش يدور بشأن ما حصل في البحرين، فإن الانقلابيين والساعين لاختطاف البحرين دائماً ما يحرفون اتجاه النقاش، حينما تخاطبهم عن أفعال الإرهاب والعنف لا يجيبون بل يردون بسؤال يهدف لإدارة الدفة باتجاه موضوع آخر، مثل المشاكل المعيشية، وخلافها.
هنا الحذر من هذه الأساليب التي تركز على قضايا يشترك في حمل همها جميع المواطنين، لكن الهدف من التركيز عليها ضرب الدولة في جانب آخر، أسلوب تعرفون جميعكم التوصيف الدقيق له، كلمة حق يراد بها باطل.
حتى جماهيرهم ومن ينشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء بالشتم والتسقيط واستخدام أقذع الألفاظ التي تعبر تماماً عن مستوى ثقافتهم وكذب ادعاء احترامهم للرأي الآخر، ودرجة غليانهم تجاه كل من فضح زيف شعاراتهم ووقف شوكة في حلوقهم، تجدهم يجتهدون لاستنطاق الموالين لهذا الوطن بأي شيء يمكن استغلاله ضد الوطن ونظامه.
كلنا نتفق على رفضنا للفساد ووجوب محاربته، وحينما نكتب ذلك ونعبر عنه، هناك من الانقلابيين من يحاول استغلال ذلك، ويصوره على أنه اتفاق شعبي ضد الدولة، وبعضهم يدخل بين الناس ويبدأ بالتحاور بعقلانية وهدوء انتقالاً لدس السم في العسل، وللأسف هناك من يقع في هذا الشرك، ويظن بأن مقاربته كلامهم بترديد الأمور والهموم المشتركة المتعارف عليها بين الناس هو ما سيجعله مؤثراً فيهم، وسيكسب به احترامهم، دون إدراك بأنهم يبحثون اليوم عن شخصيات من غير جلدتهم المذهبية أو رقعتهم السياسية، ليعيدوا رفع شعار «إخوان سنة وشيعة» بنيته السيئة.
انظروا لبعض الأمثلة على أشخاص تم احتواؤهم وإحاطتهم بهالة من القدسية تشابه قدسية مرجعهم المعمد من إيران. شخصيات رفعوها فوق رؤوسهم ومجدوها فقط لأنهم من المذهب الآخر، فقط لأنهم نطقوا بما يتماشى معهم، فقط لأن هؤلاء سقطوا ضحية لعملية التبجيل ورغبة للبروز والظهور. رغم أن ما يقولونه يقوله أي إنسان مخلص صريح محب لوطنه يريد محاربة الفساد ومحاسبة المفسدين وتحسين أوضاع الناس وحل همومهم ومشاكلهم، لكن بخلاف أن انتقاد الوضع ووضع اليد على الجروح لا يعني مسايرة هؤلاء الانقلابيين في مسعاهم لإسقاط الدولة.
من راح ضحية لعملية الاستقطاب هذه وغرته هالتهم وترحيبهم وتكريمهم له، ليجرب فقط أن يخالفهم الرأي، فقط لينتقد مثلاً أفعال الإجرام المدعومة إيرانياً الحاصلة في سوريا، فقط لينتقد إيران، ولينتقد التخريب والإرهاب والمولوتوف، ولينظر إن كانوا مايزالون يضعونه فوق رؤوسهم.
علي سلمان وهو أمين «الوفاق» يتعرض اليوم لشتم وسباب لا يتوقف من أنصار الشهابي و»خلاص» و»حق» و»الوفاء»، فقط لأن لديه تصريحات تختلف مع حراكهم، وطريقة تعاملهم مع الوضع الحالي، ولست أبرر هنا له أو للوفاق ببيان أنهم اليوم ضحية لمراهقي التخريب ورامي المولوتوفات المؤججين من قبل منافسي «الوفاق» على اختطاف الكعكة البحرينية، بل لبيان للناس الذين غرهم رفع الانقلابيين لشأنهم وتبجيلهم واحترامهم، إنهم لو خالفوهم في الرأي فإن التسقيط والسباب والشتم والتخوين كلها أمور جاهزة لهم.
هؤلاء مشكلتهم الاستماتة في استنطاق المكونات التي تقف منهم موقف الضد بما يخدم موقفهم، بما يسهل لهم عملية إشراك هذه المكونات معهم في حراكهم البغيض. لو لم يكن من المكونات الأخرى أناس ضعاف يمكن استغلالهم، لما تجرأ هؤلاء الانقلابيون للقول بأن «الشعب يريد»، وأن يدعوا كذباً وبهتاناً بأن «كل» شيعة أو سنة البحرين معهم في الجريمة التي ارتكبوها بحق هذا الوطن.
نصيحة للمخلصين، لا تنجروا في سجالات عقيمة مع أناس هم أصلاً لا يقيمون للعقل والمنطق وزناً، لأناس يحركهم بشريون، ويتحكمون في مصائرهم واعتقاداتهم باستغلال الدين، مهما شتموا ومهما أساؤوا ومهما استخدموا وسائل للاستفزاز، فالهدف كله دفعكم للحديث بما يتماشى معهم، ولاستنطاقكم بما يخدم سعيهم لتشويه الصورة البحرينية أكثر في الخارج.
نحن لسنا مثلهم لدينا أطماع وأهداف خبيثة تجاه هذا الوطن. حينما ننتقد الأخطاء في الدولة ننتقد بصدق وإخلاص لأننا نريد الإصلاح، لا ننتقد لأننا نريد إسقاط النظام واختطاف الدولة وتحويلها لفرع تابع لإيران، أو لنظام نتحكم فيه بحسب ما يأمرنا الولي الفقيه، أو إقامة دولة قائمة على المذهبية والطائفية، تتعامل مع المكونات الأخرى بدوافع الانتقام والغل والحقد، وهذه التصرفات كلها رأيناها رأي العين حينما سادت فوضى الدوار، ثلاثة أسابيع عثتم في الأرض الفساد، وبان كيف تعاملتم مع المكونات الأخرى التي تتوسلون اليوم لهم ليصدقوا أنهم «أحبتكم»، ومن سايرهم منكم هللتم له ورفعتوه فوق رؤوسكم وناديتموهم بـ «أستاذنا» و»الناشط السني» و»النائب الوطني»، والذين لو اختلفوا معكم لمرة ستنزلونهم أسفل سافلين.
احذروا يا مخلصين، عبروا عن آرائكم بصراحة، انتقدوا الأخطاء، وادعوا للمحاسبة وطالبوا بالإصلاح، لكن لا تكونوا لقمة سائغة لمن يريد استغلال مواقفكم هذه، اجعلوا ولاءكم للبحرين واضحاً، ومن يريد العبث معكم فله منكم كلمة «هيهات» لأهدافه الخبيثة التي إن طال الزمن لن نشارككم فيها، فالبحرين ستبقى خليجية عربية، ولن تكون يوماً ولاية إيرانية، يحكمها عبيد لمرشد أعلى أو فقيه طائفي.