الفساد، هذا «الشيء» الذي أعلن الجميع أنه سيحاربه محاربة ضروساً منذ بدء عمل البرلمان، بل رأينا الفساد كيف ترتعد فرائصه حينما تشكل ديوان الرقابة المالية، وبدأت تقاريره في الصدور، بمعنى أن النواب لديهم الآن كل أدلة الإدانة، ويبقى عليهم محاسبة المسؤولين وتطيير السيء منهم والضار بهذا الوطن.
لو رصدنا تصريحات النواب بشأن محاربة الفساد منذ 10 أعوام لوجدنا أن الصحف التي نشرتها تفوق في صفحاتها صفحات تقارير ديوان الرقابة المالية، ما يعني بالمنطق أنه منذ 10 سنوات كان يفترض أن تدخل البحرين موسوعة جينيس للأرقام القياسية في عدد المسؤولين الذين تمت محاسبتهم والوزراء الذين تم «تطييرهم». فالغريب أننا دخلناها بالفعل لكن بوضع مقلوب، إذ رغم كم الفساد والأدلة الموثقة عليه، لم يتمكن النواب من «تطيير» حتى فراش أو سائق أي وزير مسؤول عن فساد مالي أو إداري.
نقرأ تصريحات النواب بعد جرعة من المسكنات الطبية الضرورية تفادياً لارتفاع الضغط، لكنها لا تنفع، لأن الكلام يرفع ضغط الجثث الميتة حتى، إذ آخر ما ينتظره المواطن المستغرب أصلاً من الوضع أن يخرج عليه النواب بتصريحات يعلنون فيها «استغرابهم» من الوضع المعني بمحاربة الفساد! حتى «الاستغراب» سرقتموه من الناس؟!
النواب يطالبون بضرورة أن يحرك المجلس أدواته الرقابية من لجان تحقيق واستجوابات! يا جماعة، تكلمون من؟! قولوا لأنفسكم، إذ هذا ما يقوله الناس منذ 10 سنوات!
المضحك أن النص يقول بأن النواب يطالبون بأن يحرك المجلس –أي مجلس النواب- أدواته، يعني بالبحريني النواب يطالبون أنفسهم بأن يتحركوا! طيب «خلصونا» تحركوا يا جماعة ليش ما تتحركون؟!
الآن سيعود بعضهم إلى جدلية ديوان الرقابة، وصلاحية تحويله القضايا للنيابة، ويعيد لنا سالفة «البيضة أو الدجاجة»! يا جماعة، أنتم أصحاب الحق في المساءلة والاستجواب وطرح الثقة، قوموا بعملكم، دور انعقاد كامل في عام 2002 قضيتموه في تعديل اللائحة الداخلية وتثبيت مخاطبتكم بكلمة «سعادة»، إن كان من تعديل على اللائحة لمنحكم صلاحيات أكبر وأوسع لمحاربة الفساد وإحالة المفسدين للنيابة، فقوموا بهذا التعديل على وجه السرعة وبإجماع 40 نائباً، إذ لا نعتقد أن هناك نائباً واحداً سيعارض ذلك. لكن أن يظل الوضع على ما هو عليه، ونأخذ منكم كلاماً ينشر في الجرائد يفترض أن يقوله المواطنون البسطاء، لا النواب أصحاب الأدوات الدستورية، فهذا استغفال للناس واستخفاف بعقولهم.
أقول لكم، تصريحاتهم صارت «تنرفز»! طيب اتركوا الاستغراب اللي «يبط الكبد»، وتعالوا لنقرأ تصريحاً يدل على أن النواب بالفعل «بلغ سيلهم الزبى»، إذ الخبر يقول إن النواب سيمهلون الحكومة شهراً لتتخذ الإجراءات بحق ما تضمنه تقرير ديوان الرقابة، «طبعاً يقصدون التقرير الحالي، لأن التقارير السابقة عفنت وتآكلت صحائفها، رحمها الله». عموما، شهر واحد وإن لم تقم الحكومة باتخاذ إجراءات فإن النواب سيمارسون حقهم في الاستجواب والتحقيق ورفع قضايا إلى النيابة العامة!
يا جماعة ليش شهر؟! كانت عندكم 10 سنوات كاملة لم تتصرفوا فيها إزاء تقارير الرقابة المالية، والآن تنتظرون من الحكومة أن تتصرف، وفي شهر؟! طيب تصرفوا بموجب أدواتكم الدستورية، ولا تنتظروا أي جهة تقوم بما يجب أن تقوموا به أنتم .
الكارثة أن التصريح يتضمن عزماً نيابياً لزيارة الوزراء في مكاتبهم، وأنها ستكون زيارة «غير رسمية»، وهنا أسأل «شمعنه غير رسمية»؟! وأن النواب سيستمعون لردود الوزراء على المخالفات وإذا اقتنعوا سيغلقون هذا الباب!
لحظة هنا من فضلكم، لم نفهم، ماذا يعني إذا اقتنعتم ستغلقون الباب؟! هل يعني لو كان الوزير متحدثاً جيداً ومحاوراً ذكياً وبرر كل شيء، هل معنى ذلك أنكم ستقولون «عفا الله عما سلف» عن أخطاء ارتكبت، وستتسامحون في «أموال الدولة التي أهدرت»؟!
هذا ما يفهم هنا، إذ إن تكملة التصريح تفيد بأنه إذا لم يقتنع النواب ووجدوا الردود على المخالفات «ضعيفة» سيضطرون لتشكيل لجان تحقيق!
بعدما فهمنا، ردود «ضعيفة»، أهذا التقييم هنا، رد قوي أو ضعيف؟! طيب لو الوزير أشطر منكم وأقوى في الكلام، خلاص يطلع منها؟! وثانياً لماذا إيراد كلمة «الاضطرار» في سياق التصريح؟! أهي نتيجة مؤسفة بالنسبة لكم حتى «تضطروا» لاتخاذها، والاضطرار يدل على وجود الكراهية في فعل الشيء، هيا نواب «شالسالفة»؟!
إن كان بعض النواب سيتعاملون مع ملف الفساد بطريقة «مراعاة شعور المسؤولين والوزراء»، فعليهم من باب أولى أن يتعاملوا بطريقة مراعاة شعور الناس الذين أوصلوهم إلى كراسيهم، حتى لا «يضطر» الناس لوصفكم في النهاية برافعي شعارات كذب وزيف فقط لتسرقوا أصواتهم.
الزبدة، من يريد محاربة الفساد لا ينتظر 10 سنوات، ويكدس عددها من تقارير الرقابة، وبعدها يلف ويدور ويلقي التبعية على جهات أخرى، وهو من يمتلك حق المساءلة وعزل الوزراء.
من يريد محاربة الفساد لا يقول إن 5 نواب فقط يمكنهم تقديم طلب استجواب، ثم لا نجد طلب استجواب واحد إزاء «البلاوي الزرقاء» في التقرير، بل نجد تهديداً في الصحافة للحكومة بأن لديها شهراً، ولا ندري ماذا تريدون من الحكومة أن تفعل خلال هذا الشهر؟ هل تريدون منها أن تقيل الوزراء المخالفين؟! إن كان هذا الهدف، فالأفضل أن نغلق مجلس النواب، لأن تغيير الوزراء سهل لدى الدولة، لكن ما يريده الناس إحقاق الحق ومحاسبة المسؤولين علانية وإدانة من تثبت عليه التهم، ومن ثم عزله، وأن يكون ذلك من خلال النواب.. المفترض أنهم يعبرون عن الشعب. ألم يوجد البرلمان ليكون من ضمن صلاحياته محاسبة الناس للدولة؟!
عموماً، نشوف مهلة الشهر، ونرى هل سيعقبها استخدام النواب لأدواتهم في المساءلة والتحقيق وطرح الثقة ورفع القضايا؟!
هذا الشهر بدأ، ونحن معكم «قاعدين» ونحسب، وكلنا أمل ألا تفعل الحكومة شيئاً لأننا نريد أن نرى «عضلات» النواب أخيراً.