نعلم يقيناً، أن ما تمارسه الجماعات الراديكالية ليس احتجاجاً بقدر ما هو إرهاب وترهيب، لا يمكن التغاضي عن وصفه بعدوانية سافرة، حسب مؤشرات التحليل النفسي والسياسي كذلك. وجميعنا يعلم أن العدوانية هي نزعة فطرية -حسبما ذهب إليه فرويد- بمنأى عن التناقضات الاجتماعية أو الطبيعية.
يرى فرويد أن نظام الدولة والذي يقتضي العقاب للعدوان، يعد واحداً من أبرز العوامل التي تكبح تلك النزعة في مرحلةٍ ما، ومتى ما تيقن أو استشعر المرء إمكانية إظهار نزعاته العدائية مع أمن العقاب، لن يردعه عن ذلك شيء، خصوصاً إن لم يترسخ فيه العنصر الحضاري بدرجة كافية. ولعل هذا ما يفسر الخطابات المبهرجة لإرهابيي الوطن والمنددة بالعنف تمثيلاً لوجهها الحضاري من جهة، وممارسته من جهة أخرى، تسقط الأقنعة في الخفاء إن غاب الرقيب لبرهة أو تغافل.!! لذلك؛ رغم ابتداء أزمة البحرين بالسلمية، ما لبثت أن تحولت لعداء سافر وإرهاب متصاعد.
وجهة نظر سيكولوجية أخرى تعلل العدوان كحتمية بيولوجية، هي المسؤولة عن إنتاج الوجدان بما يتضمنه من عواطف مختلفة كالحب والكره والغضب والحقد والخوف وغيرها، ولكني أميل أكثر لحتمية أخرى أيديولوجية، بدافع جينات الانتماء لفئة أو طائفة أو لقبيلة، وإرهاب الأجانب عنها. فنظرية كهذه -حسب ما عبرت عنها «جيانا كردي» في كتاباتها- يمكن أن تصبح سلاحاً قوياً في أيدي واضعي الأيديولوجيات ممن يحمون نظاماً اجتماعياً، ما يقود البعض أحياناً إلى لجوء سلوك إنسان الكهوف!!
فيما تبعد المدرسة السلوكية من وجهة نظر فرويد بغريزية النزعة، باعتبارها تصرفات مكتسبة ترسخ بالتعزيز والاعتياد، لاسيما إن حققت فائدة ما للمرء عبر تجاربه الأولى، ما يترتب عليه ثبات السلوك بقوة؛ ليتجلى في إحدى صوره أقرب شكلاً للسلوك الغريزي. فالمدرسة السلوكية رسخت فكرة سريان العنف في العروق عبر الإرادة الإنسانية المعززة بالتلقين والاقتباس والقياس، وإذا ما استفاد الإنسان من تلك السلوكيات العدائية، يحترفها بغرض التكسب بشكل أو بآخر. وهذا ما يبرر كون أغلب إرهابيي البحرين مأجورين وعملاء لدول خارجية، تحت غطاء وطني رثّ.
لقد خرج إرهابيو البحرين في بادئ الأمر كمعارضة سلمية مشروعة، وسرعان ما انقلبت لأعمالٍ من العنف والإرهاب والعدوان، وبمجرد ردعهم بإعلان حالة السلامة الوطنية في المرة الأولى وإنهاء سيطرة الراديكاليين على الدوار، أصاب هؤلاء شعور بخسارة فاضحة لقضيتهم وكشف ألاعيبهم، وتمخض عن ذلك الشعور بالخسارة نوع من القلق والإحباط، لعدم مواتاة الفرص لتحقيق غاياتهم الانتهاكية الانقلابية. ما يُفسر بمنظور علم النفس بعدم إشباع الدوافع، وبقدر قوة السلوك المحبط من قبل الواقع الرادع يكون العدوان قوياً وعنيفاً، لاسيما مع تكرار الإحباطات وتراكمها. وهذا ما حدث.
ورجوعاً لفكرة العقاب التي تحدث عنها فرويد، وأكدتها عدد من المدارس، وأثر توقع العقاب في الكف عن العدوان بتناسب طردي مع شدة العقاب، يضع هذا التحليل اعتبارات اجتماعية وانتمائية بحيث يفترض تمثل العقاب في النبذ أو الطرد من الجماعة أو الحجز والحرمان من الخيرات، الأمر الذي يفسر جلياً «تراجع الثعالب» المتمثل في توقيع الجماعات الراديكالية على «إعلان مبادئ اللاعنف»، فضلاً عن خطاب عيسى قاسم المغلف؛ بغية التنصل من مسؤولية ما يحدث في البحرين وتدارك ما أمكن من الجرم؛ لضمان النأي عن العقاب المتوقع، بدءاً بالمقاضاة والاعتقال وما شاكلهما، وانتهاءً بإسقاط الجنسية التي يتطلع الشعب لأن تكون بداية العقاب لا آخره.
يظن عيسى قاسم أن خطاب الجمعة الأخيرة كفارة لإرهابه الماضي، وقد خاب ظنه؛ فكل ما تضمنته خطبته من ملامح للسلام وإدانة للإرهاب لا تعادل في تاريخه كلمة «اسحقوهم». وإن أدان قاسم وجمعياته الست استهداف الأنفس والممتلكات الخاصة والعامة بزعمه أن هذا رأيه المتكرر، ومن خالفه يكون قد ارتكب أكبر الكبائر وأنكر المنكرات، فمن عساه يكون المدبر لمجريات الأحداث والإرهاب طيلة الفترة الماضية؟!
يستطرد قاسم ما سبق بقوله: «لا أظنُّ بأحدٍ من أبناء الشعب مِمَّن يأخذ برأي العلماء يمكن أنْ يعتدي على نفسٍ أو مالٍ عامٍّ أو خاصّ، أمس أو اليومَ أو غداً). أوليس السحق اعتداء؟ أم أن للسحق معنى آخر لم تتوصل إليه معاجمي ولم تدركه قدراتي اللغوية بعد؟ على هذا يبدو أنني وكثير من الشعب بحاجة ماسة لتعلم أبجديات اللغة العربية ومعانيها من أستاذها عيسى قاسم، لنفقه قوله في ما بعد، ولكي لا نظلمه بسوء الظنون مراراً وتكراراً.
يقول قاسم في خطابه: «على الشعب ألَّا يستجيب لهذه التطلُّعات الشيطانيَّة التي تضاعف من مأساة هذا الوطن وتغرقه في ويلاتٍ أشدَّ وأفتك». ولا أدري ما التطلعات الشيطانية التي يشير إليها قاسم، ربما عنى تطلعات شياطين الفرس سادته، ولكنه بأي حالٍ من الأحوال انقلب على شعبه «زمرة أتباعه» متبرئاً منهم خوفاً من العقاب ودهاءً، وليبقى الأتباع مغمضي العيون كما هم عليه وأكثر إلى أن يدفعوا ثمن تبعيتهم غالياً جداً.
^ اضبطوا نبضكم..
هل يجرؤ قاسم وأتباعه على تقديم اعتذار رسمي للحكومة والشعب على ما بدر منهم طيلة السنتين الماضيتين؟ مشفوعاً بتعهد صريح بعدم التحريض لزعزعة أمن البحرين وقبولاً بأشد أنواع العقاب ما لم يلتزم بتعهده؟!