بعض التحليلات الجديدة التي بدأت في الصدور عبر مراكز الأبحاث تشير إلى أن أبرز تحديات الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما هو التعامل مع الشرق الأوسط باعتبارها منطقة ساخنة وتعيش في حالة من الفوضى الخلاقة نتيجة سياسات المحافظين الجدد قبل سنوات عدة. لنتخيل البحرين في إطار هذا التحدي، كيف يمكن قراءة وضعها؟السفير الأمريكي يحمل قناعة بضرورة تغيير الأنظمة السياسية الحاكمة في بلدان مجلس التعاون الخليجي، وأنه حان وقت التغيير، ولا يمكن الانتظار أكثر بعد تغيير النظام السياسي في العراق بالغزو الشهير، ثم الثورات الشعبية باسم (الربيع العربي). طبعاً هذه القناعة التي يحملها السفير توماس جراكيسكي قائمة على الإيمان بأن التغيير الذي مقتنع به وساهم به بشكل كبير في العراق هو الخيار الأنسب لحماية المصالح الاستراتيجية الأمريكية على المدى الطويل، بعد أن عانت العلاقات الأمريكية ـ الخليجية كثيراً بسبب اعتمادها على أنظمة أوتوقراطية حان الوقت لإزالتها. السفير لا يكترث كثيراً للتغييرات السياسية المحتملة خلال الولاية الثانية للرئيس أوباما، لأنه يدرك أن التغيير السياسي في الشرق الأوسط صار من الثوابت والمسلمات بها في السياسة الخارجية الأمريكية. لذلك تتحدث أوساط دبلوماسية عن قيام السفير بإرسال تقارير مضللة لوزارة الخارجية الأمريكية بشأن الأوضاع في المنامة، وعن هذه التقارير تصدر التصريحات الرسمية باسم البيت الأبيض أو حتى وزارة الخارجية نفسها بشأن تطورات الأوضاع في المنامة والتي تكرر مصطلح (قلق) دائماً في بياناتها، بالتالي فإن القلق الأمريكي دائماً ما يكون مصدره السفير الأمريكي بالعاصمة البحرينية. من المشاكل التي أثارها السفير الأمريكي خلال لقاءاته المتكررة مع ممثلي مؤسسات المجتمع المدني أنه يدعم كافة محاولات التغيير السياسي عبر الوسائل التي يعتبرها «سلمية»، وعندما ينتقل في زياراته المكوكية إلى عاصمة بلاده واشنطن ينقل للمسؤولين وجهات نظر بالتأكيد مغلوطة تتعلق بأن الأوضاع في البحرين «صناعة محلية»، وأنها تمثل «حراكاً سلمياً»، لأنه يقوم على «المطالبة بالحقوق والحريات». السفير مقيم في البحرين ومقر سفارته بالقرب من جمعية الوفاق، ويمكن لأي شخص أن يمر في هذا الشارع رؤية «الحراك السلمي» الذي يقصده السفير عندما يصعد (الكوبري) المواجه لمبنى السفارة، فهو إن لم يرَ أعمالاً إرهابية في الجوار، فإن ارتفاع الشارع سيساعده على رؤية دخان الحراك السلمي في عدد من قرى العاصمة، والمحافظة الوسطى، وهو الحراك الذي يحرص دبلوماسيو واشنطن في المنامة على تسميته. بالمقابل لابد من الاعتراف أنه رغم الأزمة الحادة التي مرّت بها الدولة، مازال عدد العاملين في سفارة البحرين في العاصمة الأمريكية واشنطن لا يتجاوز 5 أشخاص، 3 منهم يعملون في الشؤون السياسية. ولا أعتقد أن هذا عدد كافٍ مادامت المسؤولية مضاعفة لتغيير نمط التعامل السياسي والإعلامي مع المؤسسات الأمريكية هناك. بعد هذه الحقائق، من المهم الإشارة إلى أن رؤية السفير الأمريكي ساهمت كثيراً في اختزال العلاقات البحرينية ـ الأمريكية في شخص السفير، ولذلك هناك كثير من المواطنين وحتى المسؤولين ضرورة عدم اختزال هذه العلاقات التي تمتد لأكثر من قرن في شخص السفير نفسه، لأنه إذا اختزلت هذه العلاقات في السفير فإن النتيجة محسومة سلفاً وستضر بالعلاقات بين المنامة وواشنطن.