في قناعتي أن الولاء لهذه الأرض وللنظام لا يقاس أبداً بحجم المديح والتغزل وذكر المناقب وإلقاء الأشعار ونشر إعلانات التأييد، بل الولاء لهذه الأرض ونظامها يفرض التعامل بإخلاص وأمانة وصدق في كل شيء، ويفرض قول الحقيقة المرة قبل أي شيء آخر.
أكتب هذه القناعة وأنا مازلت أفكر في سؤال سمعته مرات ومرات من مواطنين مخلصين لهذا البلد، يكررونه ويرددونه لا احتجاجاً واستنكاراً بقدر ما هو استغراب وعدم فهم، سؤال يبحث عن إجابة صريحة، إذ كيف يقاس الولاء في البحرين؟!
للأسف الشديد صرنا نرى قياس الولاء وفق المعايير التي ذكرناها أعلاه، نافق وامدح وطبل قد تصبح في يوم ما وجيهاً أو وزيراً. قل الحقيقة المرة، ولا تجامل وضع يدك على الجرح تصبح «راعي مشاكل».
مشكلة الدولة -كما نراها بمنظور شخصي وقد نكون مخطئين- كانت ومازالت وستظل في فهمها لمعنى الولاء، في تفسيرها لتفاعل بعض الناس معها، وفي ردة فعلها مع كل ذلك.
قبل أن أستطرد فيما أقول هنا أشدد على أننا قلناها مراراً أمام حكام البلاد؛ إن المخلصين «الحقيقيين» لا يريدون أي شيء مقابل كلامهم وكتاباتهم ونصحهم للدولة، لا يريدون مزايا ولا عطايا، بل ما يريدون هو تصحيح الأخطاء، عدم القبول بتمكين العناصر الفاسدة أو المتزلفة حتى لو ارتدت رداء الوطنية والفضيلة لأجل غرض في نفس يعقوب.
رأينا ما حصل خلال الأزمة، وكيف انقلب عشرات ممن أعزتهم الدولة، وممن منحوا مناصب وعطايا ومزايا نظير «تمثيلهم» الوطنية والولاء المطلق، وممن كانوا «نكرات» في المجتمع فتحولوا لوجهاء وأعيان، رأينا كيف انقلبوا لخناجر ضربت الدولة في ظهرها.
وعليه نقول للدولة هنا من منطلق نصح ومحبة لا ننتظر منها شيئاً في المقابل، بأن حال البلد لن ينصلح إلا حينما تنصلح معايير قياس الولاء، الولاء للأرض أولاً، لهذا الوطن، بحيث يتكلم الناس بالحق والصدق حتى وإن كان يؤلم، أن يناصحوا الدولة ويقولوا بأن هنا أخطاء، وهناك معاناة، وفي تلك البقعة فساد، وأن ينبهوا الدولة لمسؤوليتها تجاه هذا الوطن وشعبه.
للأسف لن ينصلح حالنا إن كانت معايير الولاء بتقريب من يطربنا بكلامه ويسمعنا حلو الكلام ومنظوم الشعر، لن ينصلح الحال إن كانت البطانة من نوع «هازي الرؤوس» الموافقين على كل شيء دون أن ينبسوا بكلمة نصح وكلمة حق، ودون أن يشيروا لمواقع الخلل.
لسنا نعمم هنا، إذ في البلد رجال أخلصوا نواياهم مع الله، ووضعوا بلدهم نصب أعينهم، وهؤلاء من السهل بيانهم، سهل جداً تمييز الخبيث من الطيب، ولكن يبقى مربط الفرس بيد من يمكنه التمييز.
ما أضاع الدول وأنهى الحضارات إلا الاعتماد على من معيار ولائه لشخصه لا لبلده، إلا الاعتماد على من يرى أين يتجه التيار فيسايره، حتى لو كان الاتجاه معوجاً وخاطئاً.
بلدي يعاني والسبب أن فيه أناس رأوا أن أسهل طريقة للوصول إلى مآربهم تتمثل بممارسة النفاق والكذب، في مقابل أناس رأوا أن أسهل طريقة لتنفيذ أجنداتهم باختطاف البلد يتمثل باستغلال بواطن الضعف ومكامن الخلل.
في معرض النقاش، يقول لي أحدهم بناء على رأيي في الموضوع أعلاه، بأنك في الوقت الذي تعيب فيه على من يمدحون وينافقون، لا تتوان عن كيل المديح للأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء، لا تتردد في بيان إنجازاته ومناقبه، أليس في ذلك تناقض صريح؟!
ردي واضح جداً ولن يتغير؛ كمواطن بسيط في هذا الوطن لا أخفي حبي وتقديري لرجل بقامة خليفة بن سلمان، لا أقول ذلك لأنني أريد من رئيس الوزراء شيئاً، ولا رغبة في أن أكون مدعواً دوماً لمجلسه الكريم جالساً في الصفوف الأمامية، بل لثقة في الرجل، لإيمان بأنه رجل مواقف وطنية ثابتة بها حفظ الله البلد. منذ الأزمة وحتى اليوم خطابه لم يتغير قيد أنملة، لم يساوم في البحرين مثقال ذرة، عرفناه عن قرب، فعرفنا فيه حبه لمن يواجهه بالصدق لا المراء والنفاق.
أحب الرجل لأنني وفي مرات عديدة تحدثت أمامه دون أن أفكر كيف ستخرج كلماتي وكيف سأقولها، تحدثت بعفوية وبلسان المواطن، تحدثت عن الفساد وعن معاناة الناس، وعن استهتار الوزراء بهموم البشر، وعن أخطاء الدولة. يذكر زملاء مهنة عديدون حينما قلت وأنا جالس على بعد نصف متر من سموه بأن ما حصل في البحرين درس للدولة وليس للشعب، درس للدولة حينما قربت الخائن ووثقت في مشكوكي الولاء، لم أتحرج من قول ذلك ولم أخف، ولماذا نخاف حينما نتحدث بصراحة عن الحبيبة البحرين وكيف أنها أكبر المتضررين حينما يمارس -من يفترض أن يقول الصدق- النفاق وحينما نبدل المصارحة والمكاشفة بالمجاملات؟!
لا نريد منكم شيئاً، بل نطلب من الله أن يوفقكم في إصلاح البلد وفي التعويل على المخلصين من أبنائها، إذ يكفي ما أكله كثير من «الأفاقين» من «خير» هذا البلد ثم بعدها شتموه وباعوه برخص التراب.
ليس المخلص مَنْ مدحكم ونافقكم، بل المخلص من قال كلمة حق وصدق حباً في هذا الوطن وولاء للنظام.
ربي احفظ هذا البلد من كيد كل كائد، ووفق حكامه للصواب والإصلاح.