من الكويت نصدر النفط للغرب والدعم للعرب والارتباك لدول الجوار؛ فمنذ ستينيات القرن الماضي وقبل أن تتبلور في الأذهان فكرة المجتمع المدني وهذا البلد يؤسس لخطاب ديمقراطي متفتح؛ قافزاً من مجرد المناداة بمفردات ديمقراطية جوفاء إلى الفعل الديمقراطي عبر إيقاف «بحارة» و»بدو» في صفوف أمام صناديق الاقتراع لاختيار من يمثلهم، وهم الذين لم يعرفوا حينها الوقوف في صف إلا للصلاة. لا شك أنه كان للجذور الصحراوية ولمفهوم «لا يقدم من القوم إلا خيارها» وللجذور المالحة بتراتبية النوخذة والغيص والتباب دور في تشكيل فكر السلطة والشعب على حد سواء.
إلا أن المغذي الرئيس لتكوُّن الأطر الخلافية التي قيدت انطلاق الديمقراطية الكويتية إلى أفق أرحب كان الانعكاس لما يجري في الجوار الإقليمي. لقد وقع الساسة في الكويت من كلا الطرفين الموالي للحكومة والمعارض لها في أخطاء جعلت نوافذنا مشرعة، ورغم أن الكويت بلد ليست ذاكرته طائفية إلا أن فوز كتلة شيعية وغياب القبائل والأحزاب عن المشهد السياسي مثل المنبر الديمقراطي، وكتلة العمل الشعبي، والحركة الدستورية الإسلامية، والتحالف الوطني الديمقراطي أظهرت ردود فعل متنوعة من دول الجوار أخذت المسارات التالية:
- افتتحت أطراف إيرانية ما جرى في الكويت على أنه نقلة نوعية إيجابية في العلاقات بين الكويت وإيران، وكتبت صحيفة كيهان المحافظة التي يرأس تحريرها حسين شريعة مداري مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي والمتطرف في آرائه تجاه دول الخليج «أن الأزمة السياسية التي عصفت بالكويت قد زالت بزوال المعارضة ذات الأجندة الخارجية الخليجية»، مشيرة إلى أن «الحكومة الكويتية اتخذت مواقف متعقلة وموزونة من أحداث البحرين وسوريا، ومتعاطفة مع إيران مما دفع المعارضة السلفية لإيصال الوضع إلى حافة الهاوية». ثم ذهبت «كيهان» للاحتفاء بنجاح 17 نائباً شيعيا يمثلون %34 من جملة عدد أعضاء مجلس الأمة الخمسين بأن التوازن سيسيطر على المجلس، وأن حالة التشنج والتأزيم قد ولت.
- أما في العراق فقد وصف نواب في البرلمان تركيبة مجلس الأمة الكويتي الجديدة بأنها تصب في مصلحة التعاون المشترك، ولم يخفوا طمعهم في أن تقوم الحكومة الكويتية بإغلاق الملفات العالقة، وإخراج العراق من طائلة الفصل السابع. وهو أمر يقتضي أن تتنازل الكويت عن أرشيفها الوطني ورفات أسراها وديونها على العراق وعدم إتمام عملية صيانة العلامات الحدودية حتى يتمدد العراق حين يشاء وكما يشاء. وقد ألقى النائب عن التحالف الوطني العراقي الجواد البزوني باللائمة على التيار السلفي المتشدد في مجلس الأمة الكويتي وبأنه «كان يعيق كل المحاولات ويغلق الباب أمام الحلول البناءة!». أما النائب عن لجنة العلاقات الخارجية عماد يوحنا ياقو فتمنى أن تفتح تشكيلة مجلس الأمة الكويتي آفاقاً جديدة من التعاون، مشيراً إلى أن هناك أطرافاً تحاول تعميق الخلاف.
- في مقاربتها للمشهد الكويتي حاولت الرياض جادة أن تلتزم الحياد، وقد علق وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل على احتجاجات الكويت والأردن «أنه من دون التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول، أن الحس الوطني فيها هو الضمان لاستقرارها واستقلالها، والشعوب ستنال حقوقها، والحكومات المجاورة في الأردن والكويت قادرة برجالاتها أن تحل ما يظهر لها من مشاكل داخلية». ولم يكن بحاجة ليقول إن المملكة ودول الخليج هي العمق الاستراتيجي للكويت، وإن نبض القلب الكويتي له صدى في المملكة عبر شرايين اجتماعية واقتصادية وسياسية. وقد كان بعض من ذلك الصدى استعانة أطراف من الموالاة والمعارضة في الكويت على حد سواء بالرأي الشرعي من علماء دين سعوديين وبفتاوى حول طاعة ولي الأمر وحول شرعية المظاهرات.
- لا يخفى على أحد ارتياح دول خليجية لعدم خوض الحركة الدستورية الإسلامية للانتخابات، وإن كان يقلقهم دور»الإخوان المسلمين» في الحراك الشعبي المضاد لنتائج الانتخابات، في الوقت الذي تدور بينهم وبين «الإخوان» حرب باردة. كما لن يكون وصول 17 مشرعاً شيعياً لمجلسي الأمة الكويتي محل ارتياح في دول خليجية أخرى لما لذلك من تبعات حول آلية صنع القرار الكويتي حيال قضايا التعاون الخليجي.
- لم تسلم دول خليجية عدة من شرر الحرب الانتخابية الكويتية، فطالها شيء من شظايا المهاترات الانتخابية، كما تصدى نواب آخرون لمن حاول التطاول على دول الخليج، فقد قال النائب السابق د. وليد الطبطبائي «نحن من تصدى لمن تطاول على قادة الخليج وعارضوا دعم البحرين ضد الخطر الإيراني وأيدنا الاتحاد الخليجي. ونحن من دعم الإمارات في مواجهة احتلال إيران للجزر».
- بل إن هياكل التعاون الخليجي نفسها كانت جزءاً من الأسئلة التي طرحت على كل مرشح في أغلب الدواوين، وقد رفض البعض بقوة الاتفاقية الأمنية الخليجية واعتبرها من مسببات حل المجلس السابق الذي كان رئيسه أقوى المناوئين للاتفاقية، كما أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة وصول كتل برلمانية سترفض دون تردد الوحدة الخليجية.
ونحمد الله على أنه عند حصر التصريحات حول الانتخابات الكويتية ضمن إطارها الصحيح نجد أن المداخلات من دول الجوار ومن المرشحين الكويتيين أنفسهم لا تتعدى أن تكون آراء نواب وكتاب لا ترقى مناصبهم لدرجة صناع القرار، متمنين انحيازاً واعياً من قبل أهلنا في الخليج، فالحياة السياسية في الكويت تمر بعملية تحديث مؤلمة نتمنى ألاَّ تربكهم كما أربكتنا وآلمتنا.
إلا أن المغذي الرئيس لتكوُّن الأطر الخلافية التي قيدت انطلاق الديمقراطية الكويتية إلى أفق أرحب كان الانعكاس لما يجري في الجوار الإقليمي. لقد وقع الساسة في الكويت من كلا الطرفين الموالي للحكومة والمعارض لها في أخطاء جعلت نوافذنا مشرعة، ورغم أن الكويت بلد ليست ذاكرته طائفية إلا أن فوز كتلة شيعية وغياب القبائل والأحزاب عن المشهد السياسي مثل المنبر الديمقراطي، وكتلة العمل الشعبي، والحركة الدستورية الإسلامية، والتحالف الوطني الديمقراطي أظهرت ردود فعل متنوعة من دول الجوار أخذت المسارات التالية:
- افتتحت أطراف إيرانية ما جرى في الكويت على أنه نقلة نوعية إيجابية في العلاقات بين الكويت وإيران، وكتبت صحيفة كيهان المحافظة التي يرأس تحريرها حسين شريعة مداري مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي والمتطرف في آرائه تجاه دول الخليج «أن الأزمة السياسية التي عصفت بالكويت قد زالت بزوال المعارضة ذات الأجندة الخارجية الخليجية»، مشيرة إلى أن «الحكومة الكويتية اتخذت مواقف متعقلة وموزونة من أحداث البحرين وسوريا، ومتعاطفة مع إيران مما دفع المعارضة السلفية لإيصال الوضع إلى حافة الهاوية». ثم ذهبت «كيهان» للاحتفاء بنجاح 17 نائباً شيعيا يمثلون %34 من جملة عدد أعضاء مجلس الأمة الخمسين بأن التوازن سيسيطر على المجلس، وأن حالة التشنج والتأزيم قد ولت.
- أما في العراق فقد وصف نواب في البرلمان تركيبة مجلس الأمة الكويتي الجديدة بأنها تصب في مصلحة التعاون المشترك، ولم يخفوا طمعهم في أن تقوم الحكومة الكويتية بإغلاق الملفات العالقة، وإخراج العراق من طائلة الفصل السابع. وهو أمر يقتضي أن تتنازل الكويت عن أرشيفها الوطني ورفات أسراها وديونها على العراق وعدم إتمام عملية صيانة العلامات الحدودية حتى يتمدد العراق حين يشاء وكما يشاء. وقد ألقى النائب عن التحالف الوطني العراقي الجواد البزوني باللائمة على التيار السلفي المتشدد في مجلس الأمة الكويتي وبأنه «كان يعيق كل المحاولات ويغلق الباب أمام الحلول البناءة!». أما النائب عن لجنة العلاقات الخارجية عماد يوحنا ياقو فتمنى أن تفتح تشكيلة مجلس الأمة الكويتي آفاقاً جديدة من التعاون، مشيراً إلى أن هناك أطرافاً تحاول تعميق الخلاف.
- في مقاربتها للمشهد الكويتي حاولت الرياض جادة أن تلتزم الحياد، وقد علق وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل على احتجاجات الكويت والأردن «أنه من دون التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول، أن الحس الوطني فيها هو الضمان لاستقرارها واستقلالها، والشعوب ستنال حقوقها، والحكومات المجاورة في الأردن والكويت قادرة برجالاتها أن تحل ما يظهر لها من مشاكل داخلية». ولم يكن بحاجة ليقول إن المملكة ودول الخليج هي العمق الاستراتيجي للكويت، وإن نبض القلب الكويتي له صدى في المملكة عبر شرايين اجتماعية واقتصادية وسياسية. وقد كان بعض من ذلك الصدى استعانة أطراف من الموالاة والمعارضة في الكويت على حد سواء بالرأي الشرعي من علماء دين سعوديين وبفتاوى حول طاعة ولي الأمر وحول شرعية المظاهرات.
- لا يخفى على أحد ارتياح دول خليجية لعدم خوض الحركة الدستورية الإسلامية للانتخابات، وإن كان يقلقهم دور»الإخوان المسلمين» في الحراك الشعبي المضاد لنتائج الانتخابات، في الوقت الذي تدور بينهم وبين «الإخوان» حرب باردة. كما لن يكون وصول 17 مشرعاً شيعياً لمجلسي الأمة الكويتي محل ارتياح في دول خليجية أخرى لما لذلك من تبعات حول آلية صنع القرار الكويتي حيال قضايا التعاون الخليجي.
- لم تسلم دول خليجية عدة من شرر الحرب الانتخابية الكويتية، فطالها شيء من شظايا المهاترات الانتخابية، كما تصدى نواب آخرون لمن حاول التطاول على دول الخليج، فقد قال النائب السابق د. وليد الطبطبائي «نحن من تصدى لمن تطاول على قادة الخليج وعارضوا دعم البحرين ضد الخطر الإيراني وأيدنا الاتحاد الخليجي. ونحن من دعم الإمارات في مواجهة احتلال إيران للجزر».
- بل إن هياكل التعاون الخليجي نفسها كانت جزءاً من الأسئلة التي طرحت على كل مرشح في أغلب الدواوين، وقد رفض البعض بقوة الاتفاقية الأمنية الخليجية واعتبرها من مسببات حل المجلس السابق الذي كان رئيسه أقوى المناوئين للاتفاقية، كما أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة وصول كتل برلمانية سترفض دون تردد الوحدة الخليجية.
ونحمد الله على أنه عند حصر التصريحات حول الانتخابات الكويتية ضمن إطارها الصحيح نجد أن المداخلات من دول الجوار ومن المرشحين الكويتيين أنفسهم لا تتعدى أن تكون آراء نواب وكتاب لا ترقى مناصبهم لدرجة صناع القرار، متمنين انحيازاً واعياً من قبل أهلنا في الخليج، فالحياة السياسية في الكويت تمر بعملية تحديث مؤلمة نتمنى ألاَّ تربكهم كما أربكتنا وآلمتنا.