نشرت منذ فترة صحيفة نيويورك تايمـــــــــز، مقالة للكاتب الأمريكي المعروف توماس فريدمان يقترح فيها على العرب صراحة «أن ينشغلوا بالتعددية والتسامح، قبل الدخول في الديمقراطية»، حيث إن هنالك العديد من العوائق في العقل والثقافة والتربية العربية والثقافة الإسلاميـــــــــــــة يجب تجاوزها قبل طرح موضوع الديمقراطية للتداول والممارسة العملية.. ملخص هذا الاقتراح يفضي للقول إن العرب غير مؤهلين لخوض الديمقراطية، ليس لعامل زمني يمكن تداركه، وإنما لقصور في الثقافة والتكوين، حيث إن العوائق الثقافية القيمية تحول دون التحول الديمقراطي.
لسنا في حاجة هنا للرد على مثل هذا الادعاء لتهافته وسوء النية من ورائه، لكن الأهم من ذلك أن بعض السياسيين العرب -بل وبعض المشتغلين بالفكر والكتابة وتوجيه الرأي العام عندنا- يكررون نفس الأفكار، مع اختلاف في الصياغة، يقولون تقريباً كلاماً ليس ببعيد عن هذا القول، حيث كرر مثل هذا الكلام العديد من المفكرين العرب منذ القرن الماضي، ولكن لكل واحد من هؤلاء أسبابه ودوافعه ومبرراته وتحليلاته.
فرغم وجود العديد من المعوقات الثقافية والفكرية والتربوية التي تعيق التطور الديمقراطي عندنا، فإنها جميعاً معوقات قابلة للتجاوز، من خلال وجود إرادة وفعل على الأرض، من الدولة ومــــن النخـــب ومؤسسـات المجتمع المدني، والدليل على ذلك أن البنية الثقافية الإسلامية لم تؤد إلى إعاقة التحول الديمقراطي في بعض البلدان الإسلامية التي اختطت لنفسها طريقاً مهماً من الممارسة الديمقراطية الحقيقية، مثل ماليزيا، وتركيا وغيرها من البلدان التي استفادت من الفكر الديمقراطي واستلهمت من ثقافتها ما يعزز هذه التجربة على صعيد التثقيف والتوعية والتوجيه..
من المؤسف إتباع طريق التحليل المخادع والموهم والذي يدعونا إلى التوقف عن أي جهد ديمقراطي، وفتح ورش عمل ثقافية لغسل أدمغة المجتمع لتصبح أوعية قابلة للامتلاء بالمفهوم الأمريكاني للديمقراطية، لان هذه الوصفة تعلق آمالنا على ضرب من الانتظار المستحيل، فضلا عن كونها تحيل إلى نوع من الخداع في التحليل يجعل التوازي والتعاضد بين تكريس الممارسة الديمقراطية على الصعيد السياسي والتشريعي، وبين التكريس الفكري والثقافي، مستحيلا، أو متعذرا..
إن هذا النوع من الأفكار البائسة -المتسترة وراء منطق النصائح الصديقة- تستغلّ فقرنا وإحباطنا المتكرّر المستدام، وتجرّنا إلى الاستســــــلام في حقنـــــا بالحريــــة والديمقراطية والتقدم.
إن المدخل الممل للخداع المباشر هنا يكمن في هذا الخلط ما بين تعددية التي تُعنى بالتنوع الثقافي، والتعددية السياسية التي هي احد أوجه تكريس الديمقراطية -وليس كلها- والتي تشمل أيضا حرية الرأي والتعبير والتنظيم، وتنتهي إلى مسألة تنظيم سبل التداول على السلطة في ظل القانون الذي يتوافق عليه الناس.
إن الديمقراطية في نهاية المطاف، هي تكريس أساس ولا غنى عنه لمطالبنا المشروعة في الحرية والعدالة والشفافية، وذلك لان الحرية -بوجه خاص- هي القيمة الأسمى والأكثر إسهاماً في نقل الإنسان نحو مواطنيته حسب المعايير المعاصرة التي أنجزتها البشرية التي لابدّ أن نقرّ أولاً بانتمائنا إليها، كما يبدو، لكنّها ليست نهاية المطاف بالتأكيد، بل هي محطة أولى ولكنها دائمة.. كما أن حقل التعددية السياسية هو المناخ الذي من شأنه تكريس التعددية ببعديها الثقافي والسياسي، حيث تنشأ الأحزاب وتجد الاتجاهات طريقها إلى تحقيق برامجها، ومن خلالها يستطيع المواطن أن يتنفس حريته في الاختيار أو الالتزام والانتخاب والاتحاد أو الائتلاف تحت سقف القانون وحكمه في إطار العقد الاجتماعي.
إننا لسنا في حاجة إذن إلى من يعلمنا دروساً في الديمقراطية لأننا لم نعد تلاميذ في مدارسهم ، ولم نعد في حاجة إلى من يكرّس «خصوصيّتنا» التي يتذرّع بها بعض الساسة وبعض المشتغلين بالفكر المستبد من أجل تبرير حبس الحرية عنا، وتأجيل التحول الديمقراطي حماية التخلف والاستبداد.
{{ article.visit_count }}
لسنا في حاجة هنا للرد على مثل هذا الادعاء لتهافته وسوء النية من ورائه، لكن الأهم من ذلك أن بعض السياسيين العرب -بل وبعض المشتغلين بالفكر والكتابة وتوجيه الرأي العام عندنا- يكررون نفس الأفكار، مع اختلاف في الصياغة، يقولون تقريباً كلاماً ليس ببعيد عن هذا القول، حيث كرر مثل هذا الكلام العديد من المفكرين العرب منذ القرن الماضي، ولكن لكل واحد من هؤلاء أسبابه ودوافعه ومبرراته وتحليلاته.
فرغم وجود العديد من المعوقات الثقافية والفكرية والتربوية التي تعيق التطور الديمقراطي عندنا، فإنها جميعاً معوقات قابلة للتجاوز، من خلال وجود إرادة وفعل على الأرض، من الدولة ومــــن النخـــب ومؤسسـات المجتمع المدني، والدليل على ذلك أن البنية الثقافية الإسلامية لم تؤد إلى إعاقة التحول الديمقراطي في بعض البلدان الإسلامية التي اختطت لنفسها طريقاً مهماً من الممارسة الديمقراطية الحقيقية، مثل ماليزيا، وتركيا وغيرها من البلدان التي استفادت من الفكر الديمقراطي واستلهمت من ثقافتها ما يعزز هذه التجربة على صعيد التثقيف والتوعية والتوجيه..
من المؤسف إتباع طريق التحليل المخادع والموهم والذي يدعونا إلى التوقف عن أي جهد ديمقراطي، وفتح ورش عمل ثقافية لغسل أدمغة المجتمع لتصبح أوعية قابلة للامتلاء بالمفهوم الأمريكاني للديمقراطية، لان هذه الوصفة تعلق آمالنا على ضرب من الانتظار المستحيل، فضلا عن كونها تحيل إلى نوع من الخداع في التحليل يجعل التوازي والتعاضد بين تكريس الممارسة الديمقراطية على الصعيد السياسي والتشريعي، وبين التكريس الفكري والثقافي، مستحيلا، أو متعذرا..
إن هذا النوع من الأفكار البائسة -المتسترة وراء منطق النصائح الصديقة- تستغلّ فقرنا وإحباطنا المتكرّر المستدام، وتجرّنا إلى الاستســــــلام في حقنـــــا بالحريــــة والديمقراطية والتقدم.
إن المدخل الممل للخداع المباشر هنا يكمن في هذا الخلط ما بين تعددية التي تُعنى بالتنوع الثقافي، والتعددية السياسية التي هي احد أوجه تكريس الديمقراطية -وليس كلها- والتي تشمل أيضا حرية الرأي والتعبير والتنظيم، وتنتهي إلى مسألة تنظيم سبل التداول على السلطة في ظل القانون الذي يتوافق عليه الناس.
إن الديمقراطية في نهاية المطاف، هي تكريس أساس ولا غنى عنه لمطالبنا المشروعة في الحرية والعدالة والشفافية، وذلك لان الحرية -بوجه خاص- هي القيمة الأسمى والأكثر إسهاماً في نقل الإنسان نحو مواطنيته حسب المعايير المعاصرة التي أنجزتها البشرية التي لابدّ أن نقرّ أولاً بانتمائنا إليها، كما يبدو، لكنّها ليست نهاية المطاف بالتأكيد، بل هي محطة أولى ولكنها دائمة.. كما أن حقل التعددية السياسية هو المناخ الذي من شأنه تكريس التعددية ببعديها الثقافي والسياسي، حيث تنشأ الأحزاب وتجد الاتجاهات طريقها إلى تحقيق برامجها، ومن خلالها يستطيع المواطن أن يتنفس حريته في الاختيار أو الالتزام والانتخاب والاتحاد أو الائتلاف تحت سقف القانون وحكمه في إطار العقد الاجتماعي.
إننا لسنا في حاجة إذن إلى من يعلمنا دروساً في الديمقراطية لأننا لم نعد تلاميذ في مدارسهم ، ولم نعد في حاجة إلى من يكرّس «خصوصيّتنا» التي يتذرّع بها بعض الساسة وبعض المشتغلين بالفكر المستبد من أجل تبرير حبس الحرية عنا، وتأجيل التحول الديمقراطي حماية التخلف والاستبداد.