توجد عندنا مسافة تفضل العمل الصحفي عن العمل الإبداعي، فليس كل ما ينتجه المبدعون من إبداعات قابلاً للنشر، فلا النقد المسرحي والروائي أو القصة والرواية والقصيدة يمكن أن تجد طريقها إلى الصحافة في حدودها الحالية ولكن الإنتاج الصحفي يجد الطريق ممهداً للنشر حتى وإن كان مجرد هراء، ولذلك يهرب بعض المبدعين في رحلاتهم الإبداعية الخاصة تاركين فجوات شاسعة في الصفحات الثقافية التي عهدت أفلاماً من مراحل سابقة لاعتبارات متعددة ولظروف خاصة، ولذلك يصعب اعتبار الصفحات الثقافية معياراً يعكس النهضة الثقافية والإبداعية.
فهنالك أسباب عديدة تفسر غياب الأقلام المبدعة عن صفحات الثقافة اليومية أو الأسبوعية، مثل الحساسية الصحفية العامة المضادة للثقافة، وضعف التقدير المادي، فضلاً عن صعوبة التوفيق في كثير من الأحيان بين جوانب من العمل الأكاديمي والإبداعي والصحفي، لأن المبدع مقيد بطاقات جسدية محدودة في نهاية المطاف يشق عليه كثيراً أن يصارع على أكثر من جبهة في نفس الوقت، خاصة إذا كان من النوع الصادق في إبداعه والذي لا يسف ولا يستعجل الظهور بأي ثمن.
وإذا نظرنا بعيداً عن هذا الجانب إلى علاقة (الصحافي) بـ(الإبداعي) في الصحافة المحلية وجدنا في سياق التحولات المشهودة تراجعاً واضحاً في حضور المبدع في الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية على حد سواء، وظهور (طبقة) جديدة من محترفي الكتابة الصحفية، وتراجع المبدع في الصحافة والإعلام عامة، لا تبرره التحولات المجتمعية والثقافية فقط، بل قد يبرره نوع من الإحباط واليأس من فاعلية دور الثقافة في البناء والتغيير، بل قد تبرره اعتبارات بعيدة عن دائرة الثقافي والإبداعي. ويأتي انعكاس ذلك -وبشكل مؤلم- على ما يسمى بالصفحات الثقافية التي شهدت تقلصاً مفجعاً خلال السنوات الأخيرة حتى على مستوى الكم، بحيث أصبحت الصفحات الثقافية شبه معدومة في الصحف المحلية، واختفت الملاحق الثقافية اختفاء غريباً ومدهشاً، في حين تقدمت صفحات الرياضة وملاحقها العديدة والملونة، ولم نعد نجد ما يتعلق بالنشاط أو الحياة الثقافية في الصحافة المحلية إلا بعض الأخبار التي تنشر على خجل وفي مساحات ضيقة، تقتصر في غالبيتها العظمى على النشاط الثقافي الرسمي.
هذا على مستوى الكم فقط، فما بالك مستوى النوع فيما يثار ويطرح من قضايا، فنلاحظ أن حجم الحضور الإبداعي شبه معدوم، فلا نجد للمفكرين والمثقفين البحرينيين مساهمات أو مقالات أو أي حضور يتسق مع قاماتهم أو مساهماتهم الإبداعية أو الفكرية، بل إن حضور بعضهم في الخارج إعلامياً أكبر بكثير مما هو عليه في الداخل، وهذا خلل غير مسبوق يعود في تقديري إلى أن الكائن الثقافي عندنا منبوذ مطارد بل هو مرفوض أو يكاد في صحافتنا المحلية، بوجه خاص.
أما في الإعلام المرئي فحدث ولا حرج، فحتى النشرة الثقافية الوحيدة التي تمت إضافتها قبل سنوات قليلة (أيام إشراف الشيخة مي على وزارة الإعلام) إلى النشرات الإخبارية فقد تم إيقافها لسبب مجهول وغير مفهوم، في حين نجد في التلفزيون كل شيء تقريباً (السياسة والدين والاقتصاد والرياضة والطبخ والسياحة.. والصور المتحركة..) إلا الثقافة فإنها كائن منبوذ ومرفوض، بل إن هذا الكائن قد يكون أقل أهمية وتوهجاً مما كان عليه في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي مثلاً.
إن الإشكالية الأساسية هنا أن الظاهرة الثقافية يعوزها كل شيء تقريباً، وذلك لأن الكائن الثقافي مايزال منبوذاً من كل الفئات، لأنه الكائن الوحيد الذي يبحث عن الحقيقة التي لا يريد أحد الحديث عنها، فلا غرابة إذن أن تكون الثقافة والبرامج الثقافية والصفحات الثقافية أقل أهمية من كل شيء تقريباً.
إن هذا الوضع جعل من الثقافة والصفحات الثقافية في الصحف والمجلات -رغم أهمية الجهود التي يبذلها العاملون فيها- تعيش حالة من الهلامية، مرهونة بالظروف والإمكانيات والميزانيات، ولذلك فإنه قبل أن تصبح الثقافة ضرورة فلن تنمو لها عظام ولن تتحول إلى مشروع، وهكذا هو أمر الصفحات الثقافية والبرامج الثقافية في الحياة العربية، فهي بلا مشروع وبلا رؤية في أغلب الأحيان، ولذلك نقول إنه وإذا ما أريد للثقافة أن تكون مشروعاً وطنياً وقوميات ترتبط بالهوية الوطنية والقومية وبالأفق الإنساني، فإنها يجب أن تكون جزءاً من هذا المشروع المفقود حالياً، خصوصاً في ظل غياب شبه كامل للمثقفين وإبعادهم عن مركز القرار الثقافي، كما سوف يبقى الإشكال قائماً في غياب رأس المال الثقافي الذي يغدق على الثقافة إيماناً بدورها في بناء الهوية وفي صهر مكونات المجتمع في الذاكرة والتطلع الحي في بناء الوطن وتنميته.
فهنالك أسباب عديدة تفسر غياب الأقلام المبدعة عن صفحات الثقافة اليومية أو الأسبوعية، مثل الحساسية الصحفية العامة المضادة للثقافة، وضعف التقدير المادي، فضلاً عن صعوبة التوفيق في كثير من الأحيان بين جوانب من العمل الأكاديمي والإبداعي والصحفي، لأن المبدع مقيد بطاقات جسدية محدودة في نهاية المطاف يشق عليه كثيراً أن يصارع على أكثر من جبهة في نفس الوقت، خاصة إذا كان من النوع الصادق في إبداعه والذي لا يسف ولا يستعجل الظهور بأي ثمن.
وإذا نظرنا بعيداً عن هذا الجانب إلى علاقة (الصحافي) بـ(الإبداعي) في الصحافة المحلية وجدنا في سياق التحولات المشهودة تراجعاً واضحاً في حضور المبدع في الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية على حد سواء، وظهور (طبقة) جديدة من محترفي الكتابة الصحفية، وتراجع المبدع في الصحافة والإعلام عامة، لا تبرره التحولات المجتمعية والثقافية فقط، بل قد يبرره نوع من الإحباط واليأس من فاعلية دور الثقافة في البناء والتغيير، بل قد تبرره اعتبارات بعيدة عن دائرة الثقافي والإبداعي. ويأتي انعكاس ذلك -وبشكل مؤلم- على ما يسمى بالصفحات الثقافية التي شهدت تقلصاً مفجعاً خلال السنوات الأخيرة حتى على مستوى الكم، بحيث أصبحت الصفحات الثقافية شبه معدومة في الصحف المحلية، واختفت الملاحق الثقافية اختفاء غريباً ومدهشاً، في حين تقدمت صفحات الرياضة وملاحقها العديدة والملونة، ولم نعد نجد ما يتعلق بالنشاط أو الحياة الثقافية في الصحافة المحلية إلا بعض الأخبار التي تنشر على خجل وفي مساحات ضيقة، تقتصر في غالبيتها العظمى على النشاط الثقافي الرسمي.
هذا على مستوى الكم فقط، فما بالك مستوى النوع فيما يثار ويطرح من قضايا، فنلاحظ أن حجم الحضور الإبداعي شبه معدوم، فلا نجد للمفكرين والمثقفين البحرينيين مساهمات أو مقالات أو أي حضور يتسق مع قاماتهم أو مساهماتهم الإبداعية أو الفكرية، بل إن حضور بعضهم في الخارج إعلامياً أكبر بكثير مما هو عليه في الداخل، وهذا خلل غير مسبوق يعود في تقديري إلى أن الكائن الثقافي عندنا منبوذ مطارد بل هو مرفوض أو يكاد في صحافتنا المحلية، بوجه خاص.
أما في الإعلام المرئي فحدث ولا حرج، فحتى النشرة الثقافية الوحيدة التي تمت إضافتها قبل سنوات قليلة (أيام إشراف الشيخة مي على وزارة الإعلام) إلى النشرات الإخبارية فقد تم إيقافها لسبب مجهول وغير مفهوم، في حين نجد في التلفزيون كل شيء تقريباً (السياسة والدين والاقتصاد والرياضة والطبخ والسياحة.. والصور المتحركة..) إلا الثقافة فإنها كائن منبوذ ومرفوض، بل إن هذا الكائن قد يكون أقل أهمية وتوهجاً مما كان عليه في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي مثلاً.
إن الإشكالية الأساسية هنا أن الظاهرة الثقافية يعوزها كل شيء تقريباً، وذلك لأن الكائن الثقافي مايزال منبوذاً من كل الفئات، لأنه الكائن الوحيد الذي يبحث عن الحقيقة التي لا يريد أحد الحديث عنها، فلا غرابة إذن أن تكون الثقافة والبرامج الثقافية والصفحات الثقافية أقل أهمية من كل شيء تقريباً.
إن هذا الوضع جعل من الثقافة والصفحات الثقافية في الصحف والمجلات -رغم أهمية الجهود التي يبذلها العاملون فيها- تعيش حالة من الهلامية، مرهونة بالظروف والإمكانيات والميزانيات، ولذلك فإنه قبل أن تصبح الثقافة ضرورة فلن تنمو لها عظام ولن تتحول إلى مشروع، وهكذا هو أمر الصفحات الثقافية والبرامج الثقافية في الحياة العربية، فهي بلا مشروع وبلا رؤية في أغلب الأحيان، ولذلك نقول إنه وإذا ما أريد للثقافة أن تكون مشروعاً وطنياً وقوميات ترتبط بالهوية الوطنية والقومية وبالأفق الإنساني، فإنها يجب أن تكون جزءاً من هذا المشروع المفقود حالياً، خصوصاً في ظل غياب شبه كامل للمثقفين وإبعادهم عن مركز القرار الثقافي، كما سوف يبقى الإشكال قائماً في غياب رأس المال الثقافي الذي يغدق على الثقافة إيماناً بدورها في بناء الهوية وفي صهر مكونات المجتمع في الذاكرة والتطلع الحي في بناء الوطن وتنميته.