يصادف اليوم ذكرى العيد الوطني المجيد والذكرى الثالثة عشر لتولي صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى عاهل البلاد المفدى مقاليد الحكم، وهو من الأيام العزيزة على قلوبنا جميعاً حكاماً ومحكومين؛ لأننا في هذا اليوم نستذكر فيه دور الآباء والأجداد والرواد الأوائل الذين وضعوا اللبنات الأولى في بناء صروح هذا الوطن. نعم إنه بحق من الأيام الخالدة في تاريخ البحرين الحديث شاء من شاء وأبى من أبى.
ونحن إذ نتحدث عن هذه الذكرى؛ فإننا في الواقع نستدعي الذاكرة الوطنية الجمعية التي تحكي لنا فصول من تاريخ البحرين الحديث والمعاصر. كما إن هذه الذكرى تحيي فينا الروح الوطنية التي أراد البعض إطفاء جذوتها لكن خاب ظنهم لأنها هي التي تدفعنا اليوم وكل في موقعه إلى مضاعفة الجهود من أجل استمرار حركة التنمية التي بدأها الآباء والأجداد في بناء نهضة البحرين الحديثة حيث استطاعت هذه المملكة الصغيرة في حجمها، الكبيرة في طموحاتها منذ حصولها على الاستقلال وحتى الآن أن تخطو خطوات كبيرة على طريق بناء الدولة العصرية بفضل الله ثم بفضل قوة عزيمة القيادة السياسية التي عملت -ولا تزال- على توفير كل السبل التي من شأنها بناء هذا الوطن وتقدمه ورفعته مستندة في ذلك بعد الله على شعب البحرين الوفي الذي كان لها خير معين على تأدية رسالتها ودورها في النهوض بالبحرين وتطورها وتقدمها.
إن المراقب والمتابع للمشهد التنموي في البحرين، سيلاحظ بسهولة ومن دون صعوبة تذكر الفرق الشاسع بين بحرين الأمس أي ما قبل الاستقلال وبحرين اليوم أي ما بعد الاستقلال وسيكتشف إن البنية التحتية في البلاد قد تطورت عشرات المرات، وأن التطور قد طال كل المجالات وهذا ليس من قبيل المبالغة في القول ولكنها هي الحقيقة التي يتعمد البعض نكرانها. أقول هذا الكلام كشاهد على العصر وأحد المواطنين الذي شاء القدر أن يدرك هاتين المرحلتين ويشهد بأم عينيه مدى التطوير الذي طرأ على البحرين في مختلف المجالات.
إن من يشكك في ما نذهب إليه ، فإننا ندعوه فقط إلى إجراء عملية إحصائية بسيطة حول الخدمات التي تقدمها الدولة للموطنين وأن يقوم بإحصاء عدد المدارس والمراكز الصحية والوحدات السكنية التي تم بنائها في مرحلة ما بعد الاستقلال ويقارنها بمرحلة ما قبل الاستقلال. لا شك أنه سيلمس أن الفرق كبير بين المرحلتين.
إن حصول البحرين على مراكز متقدمة في التنمية على المستويين الإقليمي والدولي ووفقاً للمعايير العالمية لهو خير دليل على أن البحرين قد حققت العديد من الإنجازات في مرحلة ما بعد الاستقلال وأنها ماضية على هذا الطريق على الرغم من المحاولات الأخيرة من بعض الجماعات الراديكالية التي تريد وقف هذه المسيرة وتعطيلها بهدف تحقيق مكاسب سياسية تسعى للوصول إليها منذ أمد بعيد.هذه الجماعات هي نفسها التي أغضبها نزول المواطنين إلى الشارع بعفوية للتعبير عن فرحتهم وسرورهم بهذا اليوم ولذا أرادت نزع الفرحة من قلوبهم عبر سلسلة من الأعمال الإرهابية في محاولة منها لترويعهم وإرهابهم لدفعهم نحو التراجع عن قراراتهم حول المشاركة في الفعاليات التي تنظمها الجهات الرسمية والشعبية إلا أن جميع محاولاتهم باءت بالفشل؛ لأنها لم تثن المواطنين ولا المقيمين الذين أحبوا البحرين وعشقوا ترابها عن المشاركة في تلك الفعاليات بل الذي حدث هو العكس حيث ساهمت تلك الأعمال على إصرار هؤلاء على المشاركة في جميع الفعاليات وهو ما يعبر بحق عن وطنيتهم وانتمائهم الصادق للوطن النابع من فطرتهم السليمة ومن دينهم، «فالناس مجبولون على حب أوطانهم» حتى ولو بخلت عليهم وكما قال الشاعر في هذا السياق: بلادي وإن جارت عليّ عزيزة ... وأهلي وأن ضنوا عليّ كرام.
فما بالك إذا كان الوطن كريماً معهم إلى أبعد الحدود فهل جزاؤه الجحود. فهؤلاء في نظري هم الوطنيون الحقيقيون وليس أولئك الذين يمارسون الأعمال الإرهابية باسم الوطن والوطنية، وليس أولئك الذين أدخلوا البحرين في دوامة العنف وتعاونوا مع الأجنبي من أجل تحقيق أهدافهم فمثل هؤلاء يصدق عليهم قول جمال الدين الأفغاني في توصيفه لخائن الوطن ففي رأيه أن «خائن الوطن ليس هو من يبيع بلاده بثمن بخس بل خائن الوطن من يكون سبباً في خطوة يخطوها العدو في أرض الوطن، بل من يدع قدمي العدو تستقر على تراب الوطن وهو قادر على زلزلتها، فهو خائن، وفي أي لباس ظهر، وعلى أي وجه انقلب».
خلاصة القول إن الاحتفال بذكرى العيد الوطني لها معان كثيرة لعل أهمها وأبرزها في رأيي هي أن يدرك المواطنون بأن الاحتفال الحقيقي بهذه المناسبة هو شعورهم بأنهم شركاء في عملية بناء الوطن ومتى تملكهم هذا الإحساس فهذا يعني أن عليهم واجبات ينبغي أن يقوموا بها إزاء الوطن. وهي عملية تراكمية بمعنى أن كل جيل يسلم الراية إلى الجيل الذي بعده وهكذا يستمر مشوار البناء والعطاء.