على مدى الأسبوعين الماضيين تم عبر مختلف وسائل الإعلام وعلى الخصوص المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات الداعمة وعلى رأسها السوسة العودة (فضائية العالم الإيرانية) شحن الناس لضمان مشاركة أعداد كبيرة في تظاهرة ما سمي بـ «عيد الشهداء» الذي يصادف اليوم السابع عشر من ديسمبر واختاروا لها العاصمة مكاناً، كما تم «التمهيد» لهذه الفعالية عبر تنظيم عشرات المسيرات والتجمعيات الليلية والنهارية في مختلف القرى وفي العاصمة لبيان حجم التحدي والإصرار على إفساد الاحتفالات بالعيد الوطني وذكرى تولي جلالة الملك مقاليد الحكم والتنغيص على المواطنين فرحتهم بهذه المناسبة التي تزينت لها البلاد من أقصاها إلى أقصاها.
الغريب في موضوع يوم الشهداء هذا هو أن «المعارضة» نفسها مختلفة بشأنه أو على الأقل بشأن توقيته لأنه يشعر بعض التيارات بأنه لا قيمة لها ولا مكانة ولا رأي ولا قرار، ويشعرها أن الذي يقرر أولاً وآخراً هو ما صار يعرف بائتلاف فبراير الذي من الواضح أنه وحده الذي يحكم الشارع وليس الجمعيات السياسية التي واقعاً صارت تابعة له.
إصرار الائتلاف على الاحتفال بذكرى الشهداء في هذا اليوم أجبر الجمعيات السياسية الملتصقة بالوفاق والوفاق نفسها على اعتباره تاريخاً مقدساً ليس مقبولاً أبداً المساس به.. «فإذا حكى الائتلاف الجمعيات السياسية جميعها تاكل تبن»! ولهذا لم تجرؤ جمعية واحدة أن تقف ضد هذه الرغبة القرار، ولم يجرؤ سياسي واحد من الذين يعني لهم (مارس) الشيء الكثير أن يبدي رأياً مخالفاً.
خطورة هذا الأمر تتمثل في ضياع الجهود التي تبذلها الدولة وأطراف أخرى عديدة في محاولة الخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد منذ نحو سنتين والتي وصفها مستشار الملك للشؤون الدبلوماسية رئيس مجلس أمناء «دراسات» بـ (فاتحة خير) عندما تم قبل أيام جمع تسعة عشر جمعية سياسية وحقوقية في الجلسة التي نظمها مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، فعندما يكون «الخيط والمخيط» بيد ائتلاف فبراير فهذا يعني أنه لا قيمة لمشاركة الجمعيات السياسية في هذا اللقاء لأنها لن تتمكن من إلزام الشارع المسيطر عليه من قبل أولئك الشباب المتحمس ولكن غير المدرك لما يدور حوله وتنقصه الخبرة والحنكة السياسية. فإذا لم تتمكن الجمعيات السياسية من منع الائتلاف فرض رأيه في موضوع تحديد يوم الشهداء ليكون في نفس يوم الاحتفالات بالعيد الوطني فإنها من دون شك لن تتمكن من إلزام الإئتلاف ومن يتبعه و»يتشدد» له بما سيتم التوصل إليه في تلك اللقاءات التي يفترض أن تكون البوابة نحو الخروج من هذه الحال التي صرنا فيها.
هذا الكلام أو الرأي ليس جديدا ولكنه للأسف واقع مشهود وملموس، فالجمعيات السياسية اليوم -سواء الوفاق أو الجمعيات اللصيقة بها- لا حول لها ولا قوة ولا وزن لها في الشارع يعادل وزن ائتلاف فبراير، أما الأدلة على هذا فكثيرة لعل أبرزها تصريح الشيخ علي سلمان في التجمع الأخير في المقشع وقوله إن عبارات التسقيط والتمويت غير مرحب بها في التجمعات التي تنظمها الجمعيات السياسية، حيث تمت مهاجمته بشراسة واعتبروه فضولياً وخائناً ويريد أن يشغل الشارع بما سيخدم في خاتمة المطاف السلطة، وليس بعيداً اتهامه ومن معه أنهم إنما يسعون للحصول على مناصب في الدولة وأنهم إنما يعملون لأنفسهم ومستعدون لبيع مبادئهم والتضحية بالناس الذين ظلوا يقولون إنهم إنما يسعون إلى خدمتهم والارتقاء بهم ورفع شأنهم.
للأسف لم تعد لجمعية الوفاق والجمعيات السياسية المتوافقة معها أي قدرة على ضبط الشارع أو حتى التأثير فيه، وللأسف أنها جميعها لا تستطيع أن «ترفع خشمها» في حضور ائتلاف فبراير الذي إذا حكى.. تأكل تبنا!.