كي تستمر مسيرة الثقافة في البحرين وبطريقـــة الأوانــــي المستطرقــــــة، وبطريقة متوازية بين معارفها وعلومهــا، يجـــب علـــى الوطـــن أن يحتفــي بكل المبدعين من الفنانيــن التشكيلييـــن والكتـــاب والمثقفيــــن وغيرهم، فإذا أردنا للنهضة الثقافية أن تسير بانتظام وبشكل متواز، يجب علينا الاحتفاء بهم ولا شيء سواه، حتى يمكن أن ترتسم الصورة في أذهاننا بشكل بانورامي غير مشوه.
هناك الكثير من المبدعين الكبار في البحرين، خرجوا من رحم الإبداع، منذ نشأة الدولة الحديثة، بل وحتى القديمة كذلك، وهنا ولضيق المساحة والكلمات، لا يمكن لنا استعراض كل أولئك الذين أثروا الثقافة والعلوم والفنون والأدب في البحرين، فالتاريخ أكبر من مقام يكتب في مقال.
إن أكبر ما يوقف عجلة الإبداع في العالم العربي، هو نسيان المثقف وعدم الاحتفاء به، أو في أحسن الأحوال، هو أن تقوم الدولة العربية بتكريمه بعد وفاته، بشهادة اعتزاز باردة، لا تسمن ولا تغني من جوع وإبداع!
عشرات المبدعين العرب، تم تكريمهم بعد مماتهم، وبعضهم مات ولم يكرم في حياته أصلاً وحتى بعد مماته كذلك، بينما لو كان أولئك المبدعون يعيشون في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية «أوروبا وأمريكا»، لأقاموا لهم الاحتفالات وصنعوا لهم التماثيل والمنصات في الميادين والطرقات «طبعاً قبل رحيلهم من الحياة»، بل ستقوم مؤسساتهم التربوية والتعليمية والأكاديمية بوضعهم كأعلام وعظماء في ترجماتهم في مناهج وكتب الطلبة، وستدرسهم الأجيال في حياتهم قبل وفاتهم.
رحل المتنبي وابن سينا والفارابي وابن عربي وأبوحيان وابن خلدون وابن الهيثم وابن النفيس والرازي والخوارزمي وابن رشد وغيرهم المئات من المبدعين العرب، ومازال الغرب يحتفي بهم في مؤتمرات وندوات أكاديمية ورسمية بصورة مذهلة، بينما نحن لا نعرف عنهم سوى أسمائهم فقط!
هذا ما يفعله العرب بمبدعيهم منذ القرن الأول الهجري حتى يومنا هذا، لأننا أبدعنا في قتل ووأد المبدعين، مما اضطر الكثير منهم عبر تاريخنا الحديث، في أن يهاجروا ويغتربوا في دول المهجر والشتات، حتى اكتشفهم الغرب، فاحتضنهم واحترمهم، والأهم من كل ذلك أنه أكرمهم وقدمهم عمن سواهم.
مبدعـــون كبـــروا في الســن والعطاء في البحرين، ومازالوا ينتظرون من الجهات الرسمية المهتمة بالثقافة والمبدعين في أن تقوم بتكريمهم بطريقـــة لائقـــة، وأن تقـــوم وزارة التربية والتعليم عندنا من جهة أخرى، بتخصيص مناهج لإبداعاتهم وحكاياتهــم وتجاربهـــم وسيــرهـــم الذاتية بطريقة منهجية وعلمية.
قامة كبيرة بحجم الفنان البحريني العالمي عبدالكريم العريض، مازال يجلس كل صباح في مرسمه الخاص، يرسم ويكتب ويبدع، فيأتيه الأجانب من الغربيين وغيرهم لشراء لوحاته وإبداعاته، ويسافر عبر العالم يعرض جميل الألوان واللوحات الأخاذة في معارض عالمية، بينما هنا، قد يكون أكبر مستوى للاحتفاء بالعريض، هو أن يكتب في عظمته وإبداعاته مقال عابر، أو يعطى شهادة من قرطاس،... هكذا يكرم المبدعون في البحرين.
اعذرونا أيها المبدعون البحرينيون، فالجميع هنا خذلكم، لكن تيقنوا تماماً لو كنتم في الجهة الأخرى من العالم، لكنتم رواداً وعظماء، وستثبت لنا ولكم الأيام، كم نحن ظلمناكم، ولربما تلعننا الأجيال القادمة، حين يكون الاحتفاء بعمارة إسمنتية غبية، أكبر وهجاً وقدراً من الاحتفاء بإنسان مبدع في قامة العريض وغيره من المبدعين البحرينيين.. العريض نموذجاً، وهناك الكثير الكثير منهم، لم يزالوا تحت أنقاض الإهمال.