يلمح المراقب للمشهد اليوم أن هناك بوادر انعقاد حوار وطني، والبعض يقول إن هناك أمراً ما ربما أتفق عليه قبل حوار المنامة، أفضى إلى ترخيص الداخلية لتجمع الجمعة الماضية، الذي خرجت به وقاحات مست وزارة الداخلية ووزير الداخلية من بعض النكرات.
إن كان هناك من رصد لمجمل مواقف الدولة منذ الأزمة فإن المواقف متقاربة وتكاد تكون واحدة من مسألة الحوار، وهذا ما ذهب إليه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد حفظه الله في خطابه الذي شدد فيه على نبذ العنف وإدانته ومطالبة (الآيات) بوقفه، وهذا مطلب بحريني شعبي، عبر عنه سمو ولي العهد بشكل قوي وواضح وصريح، كما شدد على العدالة التي هي مطلب جماعي بحريني.
إن كانت الوفاق رحبت بخطاب سمو ولي العهد، فإنها هي التي نزلت عن مراهقتها السياسية، وتراجعت عن ما كانت تضعه من شروط للحوار، تستبق الحوار، وهنا أيضاً يظهر أن ذلك لم يكن ليحدث لولا تحولات في الموقف الإقليمي، وتحولات في الموقف البريطاني تحديداً، وقرب سقوط سوريا، فما تملكه بريطانيا من تأثير عالمي وتأثير على الموقف الأمريكي كان يجب أن تدركه الدولة منذ زمن بعيد، فالقوة الجامحة مهمة، لكن الدهاء أكثر أهمية أحياناً.
كما إن تطبيق القانون على صبيانية الوفاق وأتباعها من يسيرون بعيون مغمضة، وإيقاف العبث كل جمعة بأمن العاصمة، ووقف المسيرات، أو بمعنى آخر سحب مساحات كبيرة من أمام أرجل الوفاق، وقطع أدوات الضغط على الدولة والمجتمع ساهم في أن تفقد أدوات الضغط التي كانت تقدمها الدولة لها.
هناك مأزق آخر قد تعاني منه الوفاق ظهر في الفوضى التي صاحبت مطالبة علي سلمان ألا يقولوا شعارات التسقيط والترحيل، والمأزق هو سبق وأن طرحته فعاليات كثيرة ويقول كيف هبط سقف الوفاق إلى الحضيض، كنا نطالب بدولة إسلامية ودستور جديد، وحكومة منتخبة، فأين أصبحنا اليوم، وأين هي ثمرات ما أسموه الثورة؟
هذا الخطاب وهذا الصوت له من يؤمن، وبعدد ليس محدوداً، لذلك فإن ما ستعاني منه الوفاق أو عانت منه فعلاً هو انشقاقات داخل الوفاق، وانشقاقات من الحلفاء، وبالتالي قد نشتم بوادر صدام شيعي شيعي، بعد أن قبلت الوفاق بدعوة سمو ولي العهد للحوار على أسس نبذ العنف وإدانته وإصدار الآيات خطاب يطالب بمنع العنف.
على الجانب الآخر، فإن من المهم أن نعرف ما هي مطالب القوى السياسية على الجانب الآخر التي ستجلس وجهاً لوجه أمام الطرف الآخر؟
ما هي أجندتهم في الحوار؟ ما هي قضاياهم المصيرية والهامة والتي تعبر عن شارعهم؟ إنه سؤال مهم للغاية، فليس المطلوب مواجهة الآخر فقط، إنما أن يكون لك مشروعك، وقوة المبادرة ومطالب تمس حياة ومعيشة الناس، وممارستهم السياسية.
بعيداً عن الطرفين، أذهب إلى أن أطرح سؤالاً مهماً على الدولة، وهو إن أثمر حوار وطني عن توصيات تلتزم بها الدولة، فكم سيدوم هذا الاتفاق، كم عمره الافتراضي؟
منذ الثمانينيات وهناك طرف يجنح للعنف كل عشر سنوات، أو أقل، ويقول إن هذه مطالبنا، إن لم تعطونا إياها سنحرق البلد، وهذا يتطلب من الدولة أن تخبرنا نحن كمواطنين عن ما هو مستقبل هذا الوطن تحت هذا التهديد الذي يستمر منذ الثمانينيات وحتى اليوم؟
هل ما سيفضي عنه اتفاق الحوار هو (مرحلة عشر أو خمس سنوات) إلى أن ينقض طرف العهد ويقول مرة أخرى، إما هذا المطلب وإما حرق للبلد أو حرب أهلية؟
من واجبنا أن نسأل الدولة عن ديمومة أي اتفاق، عن تاريخ انتهائه، حتى وإن كان متوافقاً عليه من أطراف الحوار، لكن نحن كشعب نسأل الدولة المسؤولة عن أمن الوطن واقتصاد ومعيشة الناس، ما هي استراتيجياتكم لقطع أذرع العنف التي تهدد الدولة والمجتمع تحت ذرائع عدة؟
من يطرح حلاً توافقياً من جميع أطراف الحوار يجب أن يخبرنا عن عمر هذا الاتفاق، وإلا فإن كل عام أو اثنين ستخرج لنا جماعة تفعل ما فعلته الوفاق لتقول إن لها مطالباً (بغطاء ديمقراطي) إلى أن نصل إلى مرحلة تذهب معها الدولة ويحكمنا الولي الفقيه.
إن من يقول إن الدولة هي المستفيدة من دعوة الحوار بعد أن ألقت الوفاق بكل شروطها، ربما يكون على حق، موقف الدولة لم يتغير، الوفاق هي التي أدركت الواقع اليوم، فعلى طاولة الحوار وحين يتواجه الفرقاء وجهاً لوجه لن يتمكن طرف من إملاء مطالب غير متوافق عليها، الدولة في تقديري لم تتراجع، إنما الوفاق أفاقت من نشوة الجو الجميل في فبراير 2011 وهذا يجعل البعض يقول إن هذا التوقيت أفضل توقيت لحوار لن يخرج معه أحد فائز مادام الحوار توافقياً.

** رذاذ
بعيداً عن الحوار (حدث أم لم يحدث) يجب على الدولة أن تضع استراتيجياتها المستقبلية في مواجهة العنف، والإرهاب، ما يحدث لنا منذ الثمانينيات وحتى اليوم يظهر أن الدولة لم تملك مشروعاً لوضع حد لهذا الاستبداد بالإرهاب.
ضياع الاقتصاد وهروب المستثمرين كان بسبب الإرهاب، وحتى الساعة لا يبدو أن هناك استراتيجية مستقبلية.
يصبح حالنا كما حال سائق الأجرة البحريني، لا تأمين ولا تقاعد، ولا يعرف ماذا يكسب اليوم، ولا غداً.

** علي سلمان يريد أن يعطينا دروساً في الوطنية، نعم المواطن يخدم وطنه صغر أو كبر، هذا المواطن هذا ما نؤمن به، لكن السؤال إليك يا علي سلمان، أنت خادم لمن..؟
هل من إجابة؟