تداول الناس بالأمس عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمسجات الإلكترونية نصاً أشبه ما يكون بالسيناريو «الخفي» بشأن الوضع البحريني في القادم من الأيام.
ولأن هناك من مارس «الولولة» وبدأت تتصرف وكأن «القيامة قامت» في البحرين، وأن هناك صفقة ستحصل على حساب المواطنين المخلصين «النائمين» حالياً باعتبار أن البلد تعافت وأمورها طيبة، أرى بأن علينا أن نتفحص هذه الرسالة ولو على عجالة لبيان إذا ما كان لمن «ولول» و»هلع» مسوغ ومبرر قوي للقيام بذلك.
السيناريو من طريقة كتابته واضح بأنها مادة يراد لها التسريب خاصة في هذا الوقت الذي يعقب الإشارة مجدداً للحوار وسرعة تفاعل جمعية الوفاق مع كلام سمو ولي العهد وإعلانها الرغبة في دخول الحوار والقبول بنتائجه.
نشر هذا النص يأتي بأسلوب نشر وثائق «الويكيليكس» بخلاف أن ما ينشره الأخير معروف مصدره أقلها، وهنا أعني الموقع الإلكتروني للوثائق، بيد أن ما تم نشره بالأمس بشأن السيناريو القادم لا مصدر له سوى تداولات إلكترونية.
الرسالة المنشورة تفيد بأن الولايات المتحدة الأمريكية أخبرت الوفاق بأن واشنطن لا مجال أمامها لمساعدتهم في محاولة «إسقاط النظام» بسبب عدم توافر الظروف الإقليمية، ولكن يكشف النص بأن واشنطن دعت معارضي النظام والساعين لإسقاطه إلى ضرورة التصالح مع الدولة وفتح باب للحوار والمصالحة.
تقول الرسالة بأن عناصر وفد الوفاق الذي ذهب للالتقاء بالأمريكان في الخارج عاد للبحرين واجتمعوا مع عيسى قاسم والمجلس العلمائي وأوصلوا لهم الرأي الأمريكي بهدف إيصاله للقيادة في طهران. يعني الرسالة تؤكد ارتباط الوفاق وقاسم والعلمائي وغيرهم بإيران!
تمضي الرسالة لتفيد بأنه بعد خمسة أيام عقدت ثلاثة اجتماعات سرية في منزل السفير الأمريكي بحضور عناصر وفاقية وجهة أمريكية وجهة بحرينية عليا، وأن الموقف البريطاني اتجه لتأييد ضغط واشنطن على الوفاق والدولة البحرينية لبدء حوار جديد وتمثل ذلك بالاستفادة من فعالية حوار المنامة.
الرسالة المنشورة تفيد «مشكورة» بنتائج الحوار مسبقاً، حينما تشير إلى أن الضغط الأمريكي على الوفاق سيجبرها للدخول في الحوار بدون أية شروط مسبقة شريطة أن توقف أعمال العنف في الشارع أن تندد بذلك في مقابل وقف الحكومة لإجراءاتها الأمنية والسماح بإقامة المسيرات والفعاليات.
بحسب الرسالة فإن الحوار سيعقد بشكل سري مع الجمعيات المعارضة الست إضافة لـ»وعد» (لا ذكر أبداً لمكونات المجتمع الأخرى هنا)، مع الالتزام بعدم تسريب أية معلومات تطرح، وأن النقاط ستتمثل باستقالة الحكومة وتعيين رئيس وزراء من قبل الملك والموافقة على ست حقائب وزارية للوفاق («شمعنة» فقط الوفاق؟!)، إضافة استخراج فتوى من خامنئي بنبذ العنف والموافقة على بنود الاتفاق لتصحيح بنوده المفروضة على الجانب الشيعي! لحظة دقيقة، قالوا «فتوى من خامنئي؟!» شكلها السالفة «جايدة» يا جماعة.
تذكرني هذه الرسالة بعديد من الرسائل والنصوص التي تم نشرها على نطاق واسع عبر الفضاء الإلكتروني خلال فترات ماضية، كلها ترسم سيناريوهات «مقلقة» لأطراف على حساب أطراف، حينما تشير لوجود صفقات خفية، و»طبخات» تعد في مطابخ أمريكية بين أطراف في السلطة والمعارضة الانقلابية، أو أن هناك وثائق تفيد باختراق جبهات شكلت من مكونات المجتمع التي وقفت في تجمع الفاتح لإضعاف تمثيله، أو وثائق تشير لقرب انتهاء العالم العربي وتقسيمه لدويلات عديدة وبعدها تلعب فيه القوى الأمريكية لعبتها بنفس طريقة «المونوبولي»!
السؤال عن الهدف من تسريب مثل هذه النصوص أو المعلومات أو «الاختراعات»، سموها ما شئتم؟!
التجربة أثبتت أن الشعب البحريني وصل لمرحلة جعلت عملية استثارته واستهداف مشاعره وعواطفه مسألة سهلة جداً، فقط أرسل سطراً واحداً عبر الفيسبوك أو التويتر واكتب فيه بأقل من 140 حرفاً عن أنباء بالإفراج عن محكومين في العيد دون ذكر العيد وأنهم محكومون في قضايا جنائية وليسوا محكومين بما حصل في محاولة الانقلاب حتى يثور الناس ويبدؤوا بإعلان رفضهم العفو عمن خرب البلد وحرقها ومارس الإرهاب!
رغم ذلك، فإننا نعرف تماماً أن هناك تحركات تحصل في الخفاء، وأن هناك مداولات تجري بين أطراف عديدة على رأسها الأمريكان باعتبارهم أفضل الخبراء في «دس أنوفهم» في شؤون الغير، وتذكروا أنه في مطلع هذا العام تعب «مراسلو» الوفاق و»وسطاؤهم» من مشاويرهم للديوان الملكي بهدف «التوسل» لفتح باب للحوار علهم يستعيدون شيئاً مما فقدوه.
كل هذا معروف وواضح، لكن إن كانت المكونات الأخرى تخشى من سيناريوهات مشابهة لهذه الرسالة التي نشك في مصداقيتها وصحتها بشكل كلي بخلاف بعض الأجزاء المعروفة، فإن الرد يكون بالحراك السياسي الصحيح، بإيصال صوت الشعب المخلص بشكل أوضح، بإيقاظ ذاك المارد الذي عاد إلى النوم بفعل فاعل، بالضغط على الدولة والصراخ حتى في وجهها بأننا هنا، وسنظل هنا، لم نكن هنا فقط حينما استدعت الحاجة لينهض الشعب دفاعاً عن أرضه ونظامه ثم يتم نسيانه والاستعاضة بالتفكير بشأن كيفية «تحييد» فوضى المعارضة عبر استرضائهم.
طالما الصوت مخنوق، وطالما من قال للناس سأمثلكم وحصد تأييدهم ثم انقلب عليهم وتنكر لهم وبات يخون كل من ينتقده اليوم، طالما هؤلاء نائمون، فلن تكون هذه الرسالة هي الأولى ولا الأخيرة التي تقلق المخلصين من أبناء هذا الشعب وتقودهم لـ»الولولة» و»الهلع». اصحوا أولاً، حتى تطالبوا الدولة بأن تصحوا وتضع لكم الاعتبار وتحسب لكم ألف حساب.
أخيراً وحتى لا نطيل، لمن «أرعبته» الرسالة وأخذ ينشرها على نطاق واسع وكأنه يرسل مسجات التهنئة بالعيد نقول: يا أخي لم الهلع، أليست الرسالة تقول بأن أمريكا أعلنت للوفاق ومن معها بأن النظام البحريني لا مجال لإسقاطه؟! بالتالي أين المشكلة؟! المشكلة معنية بالوفاق إذ عليها اليوم التراجع عن شعار «إسقاط النظام» وتصوير نفسها لمريديها بأنها من باعتهم وركضت نحو حصد المكاسب والمغانم المرجوة من وراء الحوار.