وزير سابق احترف الحديث عن مخاطر العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون الخليجي، وكانت له تصريحات نارية بهذا الشأن، فتارة يؤكد أن دول المنطقة مهددة باحتلال أجنبي عبر هذه العمالة، وتارة أخرى يصرح أن هذه العمالة خطرة على الثقافة الخليجية ويجب معالجتها وتقليل أعدادها!
تصريحات هذا الوزير كانت مقنعة ومنطقية دائماً، ولكن لم يكن متوقعاً أن تكون لها أبعاد سياسية تقوم على نزعة شوفينية لدى التيار الراديكالي الذي يؤمن به هذا الوزير ويدعم أفكاره.
فما أن انتهت أحداث الأزمة الأخيرة، إلا وتعرضت العمالة الأجنبية في البحرين لهجمة شرسة من الجماعات الراديكالية التي استهدفت أمنهم الشخصي، واستهدفت منشآت عملهم، ولم تخجل أبداً من تنفيذ سلسلة من العمليات الإرهابية بالعبوات الناسفة في عدد من المناطق.
في مثل هذه الحالة يمكن تقديم قراءتين لاستهداف العمالة الأجنبية، الأولى تتعلق بأن الاستهداف يمكن أن يولد ضغطاً أمنياً على الجاليات الأجنبية في المملكة، ويدفعها للرحيل، وهو إحراج للدولة. والقراءة الثانية تقوم على أن هذا الاستهداف يؤدي إلى الضغط الخارجي من الحكومات الأجنبية على حكومة البحرين، وتكون النتيجة لصالح الجماعات الراديكالية نفسها!
مثل هذه الخطوات باءت بالفشل، لأنها انتهجت سيناريو أحداث التسعينات عندما تم حرق أسرة داخل منزلها، أو أعدم عمال أجانب داخل مطعم حرقاً أيضاً. وهو سيناريو لا يدر سوى التعاطف الإنساني مع الآخرين، وإن اختلفت الأجندة والمصالح.
مؤخراً تكررت سلسلة حوادث طالت سكن العمال الأجانب، وهي حوادث عرضية وليست مقصودة ومستهدفة. مثل هذه الحوادث فتحت ملفاً خطيراً يتعلق بسلامة وأمن العمالة الآسيوية، فالحكومة اتخذت إجراءات متقدمة لتأمين سلامة العمال في منشآت العمل، ولذلك نجد الحوادث نادرة داخل هذه المنشآت، ولكنها بالمقابل تزداد حدة في منشآت سكن العمال، ومازالت الحكومة بعيدة تماماً عن معالجة هذه المشكلة، وإن اتخذت إجراءات غير كافية مؤخراً. والسؤال هنا، ماذا فعلت الجماعات الراديكالية مع تكرار حوادث العمالة الآسيوية؟
حرصت الجماعات الراديكالية على تسويق حوادث العمالة الأجنبية في الداخل والخارج، وبيان عدم اهتمام الحكومة باشتراطات السلامة لهذه العمالة، وبالتالي ما يجري يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان، في الوقت الذي تخاذلت فيه أطراف عدة عن الدفاع عن العمالة الأجنبية بعد أن انتهكت الجماعات الراديكالية حقوقها بالاعتداء عليها أثناء وبعد الأزمة.
ملف العمالة الأجنبية في البحرين خطير للغاية من زوايا عدة، وهو حالياً يخضع لتقاذف المسؤوليات والتسييس لا أكثر عبر تصريحات إعلامية ينبغي إيقافها واستبدالها بعمل جاد وسريع يحفظ حقوق الإنسان لهذه العمالة، ويحفظ أمن وسلامة المقيمين في البحرين.