إن إحداث نقلة نوعية في وعي أبناء الجيل الجديد تقودهم إلى الخروج من حالة التقوقع على الطائفة إلى المُضيِّ قدماً باتجاه المواطنة الصالحة، وذلك باعتبار الوطن ملكاً للجميع وليس لمكوِّنٍ اجتماعي محدّد يتطلب، من المنظور الاقتصادي، تسريع الانتقال من نمط الإنتاج الإقطاعي إلى رأسمالية الدولة، وهو ما يستدعي تحسين أوضاع الطبقة الوسطى في المجتمع، مثلما يستوجب، من المنظور الاجتماعي، الانتقال من نمط التفكير المحافظ المرتبط بسيطرة الأيديولوجيّة المعبِّرة عن القوى الاجتماعية المتحكِّمة في الأرياف والمناطق النائية باتجاه التفكير الحداثي الذي يفرضه التطوّر الموضوعي المؤدِّي إلى تأصيل العقلانية طريقاً للتقدّم الاجتماعي.
إن الشاب أو المراهق يقضي اليوم أغلب وقته بين جدران المدرسة، ويتعلّم فيها أبجديات المواطنة، ويتشرّب فيها مبادئ الترابط والتواصل الأسري، وأُسس التراحم المجتمعي، والقيم السامية، كالأمانة والتضحية والوفاء والتسامح، لكنه في نهاية المطاف ينمو في كنف بيئةٍ اجتماعيةٍ تحدِّد، إلى حدٍّ كبيرٍ، أسلوب حياته، وطريقة تفكيره، وآليات سلوكه، مثلما تتدخّل في تحديد توجهاته الفكرية، ورسم خياراته المستقبلية، ومن الوهم الاعتقاد أن التعليم لوحده قادر على كسر هذه الهيمنة. فالمخرج في هذه الحالة بيد الدولة التي يمكنها أن تساهم في خروج الشاب من شرنقة الطائفة أو المجتمع الفئوي الصغير جغرافياً ضمن إطار القرية أو المدينة، والانضمام إلى ركب الوطن الأكبر، وهذا لن يتم إلا عن طريق تحسين الأوضاع الاجتماعية للشباب، وتأمين فرص العمل، وتوفير الخدمات الإسكانية والمعيشية لهم، واستيفاء احتياجاتهم الملحة.
غير أن اليد الواحدة لا تصفِّق، كما يُقال، فلا بّد من تكاتف الجمعيات والمنظمات الأهلية باتجاه بث الروح الوطنية في صفوف الشباب والمراهقين، وإقناعهم بمراعاة قوانين المجتمع وأعرافه، وتشجيعهم على توظيف طاقاتهم الذهنية والروحية في سبيل تنمية الذات، وتحقيق التطلّعات الشخصية والمجتمعية، وذلك عبر التحصيل العلمي، والانخراط في العمل الاجتماعي التطوعي الذي يربِّي فيهم الاستقلالية، والقدرة على اتخاذ القرار، والرغبة في إعلاء شأن الوطن!