آخر الغرائب، أن يخرج مرجع الوفاق ويقول بما معناه أنه في موقع يفاوض فيه الدولة باعتبار أن هناك «وساطة» إيرانية بينه وبين البحرين، وأن هذا الموقع يأتي بموجب اتفاق بين وزيري خارجية البلدين، أي أن البحرين نفسها طلبت «الوساطة» الإيرانية لتتفاوض مع عيسى قاسم. والله خوش!
طبعاً وزير الخارجية نفى مشكوراً هذا الادعاء، وعلى الفور تم اتخاذ الإجراء الدبلوماسي عبر الأعراف المعمول بها لإبلاغ إيران بوقف هذه التعديات التي لن تنتهي بالتأكيد.
لاحظوا هنا أن تصريحات وزير العدل أجبرت مكتب مرجع الوفاق على إصدار بيان يؤكد فيه التقاءه بدبلوماسي إيراني، ودفعته للتبرير بمبرر لا يصدقه العقل، إذ هل وصلت البحرين لمستوى يجعل عيسى قاسم يمثل نظيراً موازياً للدولة؟! وأن إيران في المقابل «الطيبة في نواياها» هي التي ستحقق الصلح بما يخدم الشعب البحريني كله؟!
إيران تريد أن تتوسط، وطبعاً هذا حلمها بأن تتدخل في الشأن البحريني بشكل أقرب وأوضح، وهو ما يوفره لها موالوها وأتباع الولي الفقيه، لكن المضحك أنها تريد التوسط بين الدولة التي طالبت عشرات المرات إيران بأن تلزم حدودها وألا تتدخل في شأن البحرينيين وبين شخص هو تحديداً صناعة إيرانية بامتياز يفترض بأنه بحريني لا يقبل على وطنه بأن يكون ساحة لعب لأطراف خارجية، بالأخص من لها أطماع فيه.
عيسى قاسم ليس طرفاً كفؤاً للتفاوض مع النظام البحريني ولن يكون، فهو شخص يفترض أن تنطبق عليه معايير المواطنة من حقوق وواجبات، لكنه في المقابل عنصر تأزيم، وطرف تحريضي يمارس ما يمارسه بمنأى عن القانون، هذا القانون الذي لا تطبقه الدولة عليه بالتحديد رغم أنه يخرقه على الدوام، ولا ندري لماذا، نسأل الدولة علها تجيب وتنفي قناعة كونه مواطناً «على رأسه ريشة»!
إيران تحلم بصراحة، إذ كيف تريد أن تتوسط بين النظام البحريني وبين «المتحدث باسم النظام الإيراني»؟! أوليس المرشد الأعلى الإيراني هو من «أنعم» على مرجع الوفاق بتسمية «آية الله»؟! أليس مكتب المرشد الأعلى هو الذي رد وفد حركة حق والوفاء غير المرخصتين خائبين حينما ذهب إلى طهران ليسقط مرجعية عيسى قاسم ويستبدلها بمرجعية عبدالجليل المقداد، وذلك في صراع «الأضداد» الذي كان ضد الوفاق؟!
مرجع الوفاق هو ممثل المرشد الأعلى في البحرين، هو ممثل «الولي الفقيه»، وهو -مثلما قالت بالأمس الزميلة العزيزة سوسن الشاعر- من وضع «خادمه» علي سلمان وأتباعه الوفاقيين في مأزق مع المرجعية السياسية لهم الممثلة بـ»الأمريكان». الوفاق تريد أن تنفذ ما «يشور» عليها الأمريكان به لاستعادة ولو القليل من المكاسب التي تنازلوا عنها، لكن مرجعها يحضها على المضي قدماً في مسعى الانقلاب ويواصل التحريض وشق الصف الوطني، وهي بفضل التوصيف الدقيق لعلي سلمان بشأن علاقته بمرجعه «سيف في غمد سيده، وخادم له»، لا يمكنها مخالفة أمر «الولي الفقيه».
الدولة عليها أن تتمعن في المشهد، إذ تصريح وزير العدل حرك صاحب فتوى «اسحقوهم» ليرد ويؤكد ارتباطه بممثلين إيرانيين، ودفعت أيضاً العناصر التي تدعي أن نضالها من أجل «الحرية المطلقة» للكشف عن ولائها الأعمى والمطلق للشخوص، وكيف يمكن لهم القبول بالتحول إلى أداة يلعب بها ممثل المرشد الأعلى كيفما يشاء، حتى لو دعاهم للموت لأجله سيفعلون.
مرجع الوفاق يريد أن يلعب دوراً «مشبوهاً» اليوم بين الجمهورية التي «عمدته» وجعلته ممثلاً لها، وبين الدولة التي أكرمته بكل شيء، ووصلت درجة احترامها له لعيادته في مرضه حتى رغم أنه لم يبادلها الاحترام أبداً. انظروا كيف تميل كفة الولاء وإلى أين تتجه.
فقط الآن عرفنا لماذا لا تعين إيران سفيراً لها وتكتفي بقائم للأعمال، لأن السفير موجود أصلاً وبدرجة «آية الله».
بدلاً من التدخل في شؤوننا يا «واسطة الخير» يا «حمامة السلام» بل يا «سفاكة دماء السوريين الأبرياء»، على إيران أن تلتفت لشعبها الذي يعاني، وأن توقف قتل المعارضين وشنقهم على أعمدة الإنارة، وإن كان قاسم يهمها باعتبار أنها من صنعته فلتأخذه لأحضانها كما أخذته في السابق، لتكفينا شر تحريضه، وشر نواياها الاحتلالية.
قال إيران تريد التوسط بين الدولة وشخص فقط لأنه «معمد» من الخامنئي! والله صدق من قال «عش رجباً ترى عجباً». بانتظار «تطبيق القانون المنتظر» يا دولة!
^ اتجاه معاكس..
استدعاء علي سلمان للتحقيق بعد التحركات المشبوهة في مصر، نقطة توضح كيف أن القانون يمكن أن يطبق بسهولة، فقط لو كانت الجدية موجودة في وقف مسلسل الاستهتار بأمن البلد واللعب في مصير أهله، ومحاسبة من يواصل تشويه صورة البلد في الخارج.
في جانب آخر البعض مازال يستغرب من تغير خطاب سلمان من قوله «إسقاط النظام» إلى «إصلاح النظام»، وهنا نقول بأنه لا يجب الاستغراب من ذلك، فعلي سلمان منذ الثمانينات تم تدريبه على المناورة والمراوغة والتحرك وفق «تكتيكات» تستوجب تغيير الاستراتيجيات توافقاً مع التطورات على الساحة.
الرجل شاهدناه بأعيننا وسمعناه في محكمة السلامة الوطنية كيف «تخلى» عن زملائه التاريخيين، أعني مشيمع والسنكيس وعبدالوهاب والخواجة، وقال بأنهم طالبوا بــ«الجمهورية» وهو ليس مطلب الوفاق، وأخذ يدافع باستماتة عن إبراهيم شريف أمين عام «وعد»، وليته دفاع لأجل شخص شريف بل لأن الرجل يمثل له كنزاً يخوله المضي في ادعائه بأنه «سنة البحرين وشيعتها» مع الوفاق في حراكها الانقلابي.
الآن غيروها من «إسقاط» إلى «إصلاح»، انتظروا قليلاً ستجدون كلمة «الإصلاح» تتحول إلى أشياء أخرى، كـ«المشاركة في الانتخابات» مثلاً!
لا تستغربوا فالأمر «عادي جداً»، إذ لا يجب أن يستغرب أحد حينما يرى الأفعى تبدل جلدها، فهي صفة طبيعية فيها.