عندما يختلف شقيقان أو صديقان أو أي اثنين ظلت المحبة مظلتهما ذات يوم فإنهما يكونان أمام أحد طريقين؛ الأول هو الاستمرار في الخلاف والصد وبالتالي زيادة المساحة الفاصلة بينهما وامتلاؤها بالأحقاد وتحول العلاقة الحميمة إلى عداوات لا تنتهي ينقلونها لأبنائهما وأحفادهما الذين سيعيشون في زمان ليس زمانهما وسيتكلفون نتائج أمور لم يكونوا سبباً فيها ولا علاقة لهم بها، والثاني هو السعي لوضع حد للخلاف بالالتقاء لتصفية القلوب والأمور. في الحالة الأولى لن يجدا أمامهما خيارات أخرى، ذلك أن طريق العداوة واحد أصفر كان أم أحمر، فالسير في هذا الطريق المظلم لا يؤدي إلا إلى المزيد من الافتراق والمزيد من العداوات، والخسارة فيه تشمل الطرفين وتعكر عليهما حياتهما. أما في الحالة الثانية فيكونان أمام خيارين؛ الأول الالتقاء لمجرد القول إنهما التقيا فيرفع كل واحد منهما عن نفسه تهمة أنه كان يرفض اللقاء، وهذا النوع من اللقاءات يغطى عادة بأنواع من الشروط التعجيزية من أحد الطرفين أو من كليهما كي لا يثمر، والثاني الالتقاء بغية الوصول إلى حل يرضيان عنه وإن سلب كل واحد منهما شيئاً، وهذا الأخير هو خيار العاقلين. في هذه الحالة الأخيرة يجلس الطرفان (وهذا لا يقتصر على الشقيقين أو الصديقين أفراداً فقط ولكنه يمتد حتى إلى الدول) وينظران أولاً إلى المساحة المشتركة بينهما والتي لا يختلفان فيها، وهي مساحة تظل موجودة دائماً وإن اختلفت من حيث الاتساع، فيؤكدان أنهما متفقان على الثوابت وما لا يختلفان فيه، ثم يطرح كل طرف وجهة نظره وتصوراته في مجموعة الملفات المطروحة بغية الوصول إلى الحل الذي يأخذ بهما إلى حيث المحبة لا العداوة؛ فيعرف كل طرف ما يريده الآخر فينتقلان من ثم إلى مرحلة التنازلات التي لا بد منها وإن كانت بطعم السم، فيتنازل هذا عن أمور ويتنازل ذاك عن أخرى ويتفقان على مواصلة اللقاءات لحل ما ظل عالقاً من أمور ليس بالضرورة حسمها في التو والحال، فليست كل الأمور واجبة الحسم فوراً. هكذا يتم عادة حل أي مشكلة تقع بين أي طرفين؛ صديقين، شقيقين، امرأتين، شركتين، مؤسستين، دولتين.. الخ، وهكذا هو سبيل العقل إن أفسح له المجال كي يتحرك. سبيل العقل هو ما دعا إليه جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في كلمته السامية في افتتاح دور الانعقاد الثالث للفصل التشريعي الثالث للمجلس الوطني الأحد الماضي، حيث أكد أن باب الحوار لايزال مفتوحاً وأنه وحده الطريق إلى الخروج من أي مشكلات تصادف هذا الوطن، مبيناً أن أي لقاء وأي اتفاق في هذا الخصوص هو من أجل هذا الوطن ورفعته. هذا القول السامي يفترض أن يستغل بذكاء من قبل المشتغلين بالسياسة والمنشغلين بها، فإن يعلن رأس الدولة أن باب الحوار لايزال مفتوحاً رغم كل هذا الذي جرى ويجري في الساحة من تجاوزات على الأعراف والتقاليد والأخلاق فهذا يعني أن جلالته يؤكد طريق العقل وليس أي طريق سواه، ويؤكد أن جلالته يمتلك الشجاعة التي تجعله يستوعب أخطاء أبنائه جميعاً ويتغاضى عنها، فالملك حمد بن عيسى ينظر إلى الأمور بمنظار يختلف عن ذلك المنظار الذي ينظر به بعض السياسيين الذين يفرحهم تحقيق انتصارات صغيرة هنا أو هناك وإن كانت على حساب الوطن. سبيل العقل هو المخرج من كل هذا الذي أدخلوا البحرين فيه؛ لكن دخوله يتطلب شجاعة وقراراً وجرأة. سبيل العقل هو ما يدعو إليه جلالة الملك فهل يستوعبون هذه الدعوة الكريمة؟