الكذب يسري في عروقهم محل كريات الدم، يمارسونه بلا تردد أو خجل، وبلا خوف من الله ولا استحياء، إذ يطلقونه حتى من على منبر الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم، يخدعون الناس باسم الدين حين يطوعونه لخدمتهم.
يعرفون تماماً أنهم نجحوا منذ زمن في غسل أدمغة الآلاف وقيادتهم كقطعان بشرية معطلة عقولها، بالتالي حينما يغيرون خطابهم بين ليلة وضحاها لا وزن يقيمون للناس ولا اعتبار، فالمسألة كلها معنية بـ«هالة قدسية» مصطنعة يحيطون بها أنفسهم، أو عبر تعميد أوليائهم في الجمهورية الشمالية، بالتالي على أتباعهم قول «السمع والطاعة» والتكبير والتهليل، وإلقاء أنفسهم في التهلكة فقط لو أمروهم بذلك.
يفعلون كل ذلك، وبعدها في تناقض مضحك يتهمون الآخرين بأنهم عبيد وطبالة ومرتزقة! والله العبد هو من يقدس الأشخاص ويوصلهم لدرجة التأليه والعصمة! «الطبال» هو من يحول رجل الدين إلى «إله» يتذلل في الخطاب له ويعتبره مسؤولاً عن مصيره.
آخر الكذب الغريب الصادر من زمرة خادعي الناس، هو القول والادعاء بأنهم لم يصدر عنهم حرف واحد يستشف منه تقسيم المجتمع البحريني، أو إذكاء الفتنة الطائفية، أو تغليب مذهب على آخر. من الآخر، غسلوا أدمغة البشر باستغلال وضعية «رجل الدين»، ينفون خطاباتهم التحريضية، ينفون إشاراتهم التقسيمية، يتملصون من كل إسفين دقوه في صلب هذا الوطن حتى ينشرخ ويتقسم.
ما نعرفه عن النضال والمناضلين أنهم لا يجبنون ولا يخافون، بل يمضون قدماً في قضيتهم التي من أجلها يرخصون بأرواحهم أنفسهم، لا أرواح البشر الذين يرسلونهم ليموتوا من أجلهم. ما نعرفه عن المناضلين أنهم لا يغيرون الكلام بتغير الزمان والظروف، ولا يتبدل الموقف بحسب تباين موازين القوى، حينما يكون المؤشر في صالحهم يقولون «إسقاط النظام» و«ارحلوا»، وحينما يتجه المؤشر ليكون ضدهم يقولون «إخوان سنة وشيعة» و«سلمية» و«وطن ما نبيعه».
والله الوطن بعتموه منذ زمن، وكل أفعالكم وتصرفاتكم تكشف عن حقد دفين تأصل منذ سنين، وهدفكم اليوم تمريره لمن يتبعكم وغررتم به وسلبتم إرادته باستخدام عباءة الدين ومبررات المرجعية والعصمة.
عموماً، الكذبة الأخيرة الصادرة عن مرجعهم الذي يقدسونه تقول بأنه لم يدعُ يوماً بكلمة أو حرف للتحريض ضد الفئات الأخرى من المذهب الآخر، يعني المكون السني في البلد، يقول بأنه لم يدعُ أبداً للتقسيم المذهبي، وأنه هو الداعي لتوحيد الصف ونبذ الاختلاف.
طبعاً يقول هذا الكلام ويصدقونه على الفور، باعتبار ما يقوله كلاماً يصدر من معصومين!
طيب، من الذي قال قبل أيام من بدء فوضى الدوار ومحاولة الانقلاب بأن البحرين تحتاج إلى «خميني جديد»؟! من الذي قال في خطبه لمستمعيه ومصدقيه «كونوا حسينيين»؟!
اليوم من يريد أن يلغي تحريضه وجرمه وتقسيمه للمجتمع وبثه روح الكراهية بين السنة والشيعة بـ«جرة قلم»، لابد أن يعي بأن هذا الشعب ليس بمغفل حتى يخدع بهكذا كلمات، حتى لو كان مطلقها رجل دين يعتلى المنبر، إذ لا معنى لاعتلائك المنبر أن تحلل لنفسك المحرم من تحريض بالقتل وتقسيم بين الناس.
لسنا نحن من قال «نحتاج لخميني جديد» في البحرين في إشارة لاستنساخ زعيم لثورة تشابه الثورة الإيرانية التي جاءت منذ ذاك التاريخ وحتى اليوم لتمارس أبشع أنواع التمييز الطائفي والقتل والتعذيب بحق أبناء الطائفة السنية.
لسنا نحن من قال للناس «كونوا حسينيين» في إشارة على أن الآخرين «يزيديين» يستوجب قتلهم والتنكيل بهم، وطبعاً دعوتك للتمثل بالحسين عليه السلام مقصورة على إخواننا الشيعة الذين سرقتم إرادتهم وأصواتهم، بالتالي غيرهم من أصحاب مذهب مغاير هم «اليزيديون» الذين يستوجب محاربتهم.
أنتم من قسمتم الشارع إلى سنة وشيعة، وأنتم من ذكيتم نار الحقد والكراهية التي رأيناها كيف تستعر مع بدء حراك الدوار، لا يقنعنا أحد اليوم بأن ما حصل كان فيه خير للسنة أيضاً، بل كان استغلال للشعارات لاستمالة السنة ليقفوا مع انقلابيين طائفيين حسبوها صح، ورأوا أن أقصر الطرق لاستعطاف الخارج وبيان أن ما يحصل إجماع لجميع المواطنين من مختلف الأطياف هو بإيجاد شريحة سنية معكم.
أنتم من قلتم نحتاج لـ«خميني جديد»، أنتم من قلتم «كونوا حسينيين»، وأنتم من قلتم «اسحقوهم»، في دعوات مضامينها ودلالاتها واضحة.
الآن ينفون ما قالوا، ويضعون رداء الحمل على جلد الذئب، والله صدقناكم بأنكم لستم طائفيين، بل أنتم منبع الطائفية ومسعرو نارها. المغفل وحده ومسلوب الإرادة من يصدقكم.
يشقون صف أبناء الوطن باستخدام المذهب، يمارسون أشنع الممارسات الطائفية «عيني عينك»، وبعدها يظنون أن كلمة «أحبتي السنة» يمكن أن تستعطف الناس وتخدعهم، وحدهم المغفلون يسقطون في هذا الفخ.
اذهب لـ«أحبتك» الحقيقيين، فلا مكان لك بين المخلصين الواعين لألاعيبكم وخداعكم، ولا صدى لكلمات الكذب في أسماعنا، نحن هنا لنعري الزيف والخداع والكذب المغموس بالتقية الصادر عن نفوس لم تعرف في حياتها سوى الطائفية البغيضة والكره والحقد الدفين التي تؤكدها خطاباتكم وأفعالكم وردودكم في كل موقع ومكان.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}