من يريد أن يصدق الوفاق وأكاذيبها، أو يقبل بأن تنطلي عليه تراجعات مرجعها عن كثير من أقواله وتصريحاته وأوامره، وآخرها تبرئة ساحته من تهمة الطائفية، فهذه مشكلته وحده، إذ من جانبنا ومعنا كثير من المخلصين، يستحيل تصديق أشخاص تحكمهم إرادة «الولي الفقيه» وتحركهم مراجع بشرية إيرانية توصف على أنها «آيات الله» أو «حجج الله» ولا تنطق إلا بوحي من الله!
تقديس الوفاق وجمهورها لعيسى قاسم، مثل تقديس قاسم ومن تحته للمرشد الإيراني خامنائي، وعليه فإن حديث هذه الجماعات عن حكم ديمقراطي ودولة مدنية وإنصاف بين السنة والشيعة، ما هو إلا «كلام فارغ» وكلنا يعرف بذلك، إلا أن هناك من «يستهبل» ويدعي أن كل ذلك غير صحيح.
من الاستحالة أن نثق بفئات تأخذ أوامرها من أشخاص فانين تنصبهم على أنهم «آلهة» أو بشريين «معصومين» عن الخطأ أو الزلل.
الوفاق في آخر «فناتكها» تريد نصف الحكومة، بالبحريني الصريح الوفاق تريد نصف الحكومة ليديرها عيسى قاسم الذي تم «تعميده» من المرشد الإيراني خامنائي، والذي لو أمره مرشده الإيراني بفعل أي شيء لما تجرأ وخالفه بل قال له «سمعاً وطاعة».
هذه ثقافة متأصلة لديهم ولن تتغير، ومن يحاول بيان خلاف ذلك، أو يقنع الناس بأنها ترهات وشطحات فكر فهو واهم تماماً، الوفاق ومرجعها لا يمكنهم الانسلاخ أبداً عن التبعية للمرشد الإيراني، هم يقدمون للعالم أبلغ التأكيدات على ذلك، إذ الوفاق باتت المعارضة الوحيدة في العالم التي تقبل قتل أكثر من 60 ألف سوري فقط لأنهم على خلاف مذهبها (الطائفية تقطر منكم)، ولأنها تدرك بأن انتقادها لما يفعله المجرم بشار الأسد سيغضب ولاة أمرها الإيرانيين وذراعهم العسكري حزب الله.
العملية واضحة وضوح الشمس، ومن يريد من الوفاق أن يثبت خلاف ذلك، وأن الناس تتبلى عليهم ليمتلك الجرأة لينتقد السياسة الإيرانية تجاه المعارضة هناك، ليتحدث عن المشانق في الساحات العامة والتي يبدو أنها غير واضحة للعيون الوفاقية، وليتجرأ فقط ليتبرأ من التبعية العمياء المطلقة للولي الفقيه. فقط تذكروا «غصة» خليل المرزوق في الاتجاه المعاكس حينما سأله فيصل القاسم عن إيمانه بالولي الفقيه، وارجعوا إلى تغريداته في توصيف عيسى قاسم حين حوله إلى «إله» يعبده. هذا مثال واحد فقط.
أقول لا تستغربوا، هؤلاء تربية إيرانية بحتة، مفروض عليهم التعامل بنفس الطريقة التي فرضت على الإيرانيين التعامل بها مع مراجعهم وشيوخ الدين هناك، بصورة تذكرنا بالعصور الوسطى الظلامية التي سادت فيها هيمنة رجال الدين على القارة الأوروبية وتحكمت بمصائر البشر وأوصلتهم لدرجة العبودية للكنيسة وقساوستها.
بالأمس تحدث الكاتب الإيراني عطاء الله مهاجراني في مقاله بالشرق الأوسط عن هذه المسألة في الحالة الإيرانية، حينما علق على قوله الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بشأن الانتخابات الإيرانية بأن «الرئيس الإيراني سيكون مختاراً من الله»!
مستوى الضحك على العقول متقدم لدى هذه المكونات التي قبلت أن تنصب لها شيخ دين يقوم محل الأنبياء ويقدس لدرجة التأليه.
يشرح مهاجراني جزءاً من نظرية الولي الفقيه (التي تحاول الوفاق إنكارها تقية وكذباً)، بأن بعض علماء الشيعة بمن فيهم الخميني زعيم الثورة الإيرانية وواضع النظرية، أن ولاية الفقيه مثل النبي أو الإمام. ويقول مهاجراني بأن الجموع التابعة باتت تعتقد بأن الله هو من يختار الحاكم، بل إن أول رئيس لمجلس خبراء القيادة آية الله مشكيني قال: «الزعيم، الولي الفقيه، مختار من الله ونحن الخبراء سنجده ونكتشفه. نحن لا نعين الولي الفقيه، بل مهمتنا الأساسية هي العثور عليه». ومشكيني نفسه القائل في افتتاح الدورة السابعة للبرلمان الإيراني بأن كل الأعضاء لابد وأن يحظوا بموافقة الإمام المهدي الذي يلقي نظرة على أسماء أعضاء البرلمان ويدعمهم جميعاً!! هذا كلام الرجل وليس كلامنا.
بل زيادة في «الضحك على العقول»، وبحسب مهاجراني، فإن آية الله مصباح يزدي أستاذ أحمدي نجاد قال بعد انتخاب الأخير رئيساً للمرة الأولى إن هذه حكومة الإمام المهدي، وإن أحدهم رأى المهدي في منامه ونصحه بالتصويت لنجاد!
يشرح مهاجراني كيف يتم ضبط عقلية الأتباع حسب نظرية الولي الفقيه، باعتبار أن «عليهم طاعته دون شكوك حتى في القلب، تجب الثقة به لأنه على الطريق المستقيم، طريق النبي والله».
الآن فقط لتجيب الوفاق التي تحاول «التملص» من التبعية الإيرانية وتلف وتدور و»تتعوى» كلما واجهتها حقيقة تبعيتها أو بالأصح «عبوديتها» للولي الفقيه، لتجيب عمن نصب مرجعها عيسى قاسم «آية لله» في البحرين، ومن الذي رفض عملية تسقيطه التي سعى لها حسن مشيمع وعبدالوهاب حسين قبل خمسة أعوام؟!
أليس المرشد الإيراني الذي بحسب نظرية الولي الفقيه فإن الله المولى عز وجل (تنزه وتكرم عن ذلك) هو الذي اختاره، والذي عليكم طاعته طاعة عمياء؟!
لن تجيبكم الوفاق ولن تحرج أنفسها أكثر بعد إحراج موقفها من سوريا وقبولها قتل الأبرياء فيها لأنهم سنة ولأن إيران تريد، لكن بيت القصيد هنا، من يقول بأنه «خادم» لممثل الولي الفقيه الإيراني، هل يمكن تصديقه حينما يقول بأنه يريد نظاماً عادلاً في البحرين يساوي بين جميع الناس، بمعنى أنه يساوي بين أتباع الولي الفقيه الذي يعينه الله، وبين من لا يتبعه وبالتالي لا يتبع الله؟!
لسنا مغفلين لهذه الدرجة، ولسنا سذجاً ننصب البشر كآلهة دون الله، أقلها المخلصون ينتقدون الدولة ويبرزون الأخطاء ويطالبون بالتصحيح، لكن هل يجرؤ أحد منك على انتقاد «مرشده الأعلى» المعين من الله؟!