يبدو أن بعض المسؤولين في الدولة يرفضون التعلم من أخطاء سابقيهم، لذلك نراهم يكررون ارتكاب بعض “الأخطاء” القاتلة، وعلى رأسها تجاوز القانون والنظام والدستور، نفترض أنها “إلى الآن” بحسن نية ولا تتجاوز “هفوات” يمكن التعلم منها والرجوع عنها في الوقت المناسب وقبل أن “تقع الفأس في الرأس”.
أحد هؤلاء المسؤولين هو وزير حقوق الإنسان الدكتور صلاح علي، ومع احترامنا لشخصه الكريم، إلا أن ما يتم اليوم بشأن تشكيل المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان هو تجاوز وخرق للقانون ولمبادئ باريس بشأن تشكيل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، والتي تشدد على استقلالية المؤسسات الوطنية عن السلطة التنفيذية أو أية سلطة يمكن أن تقيد عملها.
مناسبة حديثي اليوم عن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان هو الاجتماع الذي تم بين الوزير ورئيس وأعضاء لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب، والذي كان بطلب من الوزير لمناقشة “موضوع المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وكيفية تفعيل وتطوير عملها في المرحلة المقبلة مع مناقشة مبادئ باريس ومدى تطبيقها في الأمر الملكي المعدل حول إنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، كما يتطرق الاجتماع إلى آلية اختيار الأعضاء والعدد المناسب لإنشاء مجلس الإدارة” (نص حرفي لرسالة الوزير).
ما لم يدركه الدكتور صلاح علي أن أي تدخل في تشكيل أو تشغيل المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، من قبل السلطة التنفيذية يعتبر خرقاً واضحاً لمبادئ باريس، والتي نصت صراحة في البند الأول من (تكوين وضمانات الاستقلال والتعددية) على “ينبغي أن يكون تكوين المؤسسة الوطنية وتعيين أعضائها سواء بالانتخاب أو بغير ذلك وفقاً لإجراءات تتيح توفر جميع الضمانات اللازمة لكفالة التمثيل التعددي للقوى الاجتماعية (في المجتمع المدني) المشتركة في تعزيز وحماية حقوق الإنسان”. مع إشارة واضحة إلى أنه في حالة وجود أي ممثل للحكومة لا يشترك في المداولات إلا بصفة استشارية فقط.
ونص في البند الثاني من ذات الباب، والمتعلق بالتمويل على “وينبغي أن يكون الغرض من هذه الأموال هو تمكينها من تدبير موظفيها وأماكن عملها لتكون مستقلة عن الحكومة وغير خاضعة لمراقبة مالية قد تمس استقلالها”.
هذه بعض النصوص الصريحة والواضحة التي ترفض بشكل قاطع أي تدخل للسلطة التنفيذية في تشكيلة المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان حفاظاً على استقلاليتها ومصداقيتها داخلياً وخارجياً، والتي توجت بالأمر الملكي رقم (46) لسنة 2009، والذي أخذ صراحة في مقدمته “مبادئ باريس المتعلقة بالمؤسسات الوطنية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، والمصادق عليها بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (48/134)”
كل ذلك لم يمنع الوزير من ارتكاب أخطاء، تضاف إلى أخرى سابقة دفعت ثمنها البحرين أثناء أزمة 2011 وبعدها، لأن المؤسسة تم إفراغها من مضامينها وكف يديها عن العمل بسبب سلسلة من الإجراءات والاختيارات القاتلة، خصوصاً إذا أضفنا ذلك إلى مساهمة (من وزير سابق) في “توريط” البحرين بعدد من الالتزامات، والترويج لأفراد ومؤسسات ذات أجندات له علاقات خاصة بها، هدفها الأساسي تشويه سمعة البحرين خارجياً والاستيلاء على السلطة بالطرق الإرهابية داخلياً وعمل على تشبيكها بأعضاء مجلس حقوق الإنسان وتقديمها من خلال منصبه للمنظمات الدولية مستفيداً من مكانته كمسؤول حكومي.
ولعل ما هو أسوأ من ذلك أن الوزير الدكتور صلاح علي مازال مصراً على التعامل مع الوعي الحقوقي البحريني في العام 2013 بنفس طريقة 2008.
هناك طرق متعددة تضمن عملية شفافة وحيادية ونزيهة لاختيار أعضاء أكفاء للمؤسسة بعيداً عن السلطة التنفيذية، ليس منها أبداً تدخل الوزير في الاختيار والتشكيل ومناقشة الآليات، خصوصاً أن المؤسسة سترفع تقارير عن الحالة الحقوقية في البحرين بما فيها طريقة تعاطي وزارة حقوق الإنسان، فكيف ستكون هذه العلاقة محكومة بالنزاهة إذا كان الأعضاء ممتنين للوزير بهذه الاختيارات.
هذه الخطوة إذا تمت بهذه الطريقة المعوجة وخضعت للمحاصصة السياسية، ككل شيء في البحرين هذه الأيام، فسيكون الثمن غالياً، فهناك من يعد الأخطاء ويحصيها لساعة الصفر التي ستكون أكثر إيلاماً من السابق.. وعندها ستذكرون ما أقول لكم!!