من حق الأطراف المدعوة للحوار التشكيك فيه؛ ففي ظرف كالذي نمر فيه فإن التشكيك في أي شيء يعتبر أمراً طبيعياً، والتشكيك صفة تلازم السياسي في كل حين، ومن دونه ربما لا يستطيع أن يقتنص اللحظة، فالسياسة في كل الأحوال هي فن اقتناص اللحظة وفن الحصول على أكبر قدر من المكاسب. هذا يعني أن الدخول في الحوار الذي دعا إليه عاهل البلاد يستدعي اشتغالاً بالسياسة وبالتالي بذل الجهد لاقتناص اللحظة وتحقيق المكاسب، وهذا كله لا يمكن أن يتحقق دون التشكيك لا في توجهات الحوار والغرض منه وتوقيته فقط، ولكن التشكيك في أهداف ونوايا كل الأطراف المشاركة فيه. والتشكيك هنا ليس حقاً خاصاً لطرف دون آخر، فالحكومة أيضاً من حقها ومن واجبها التشكيك في ما ترمي إليه الأطراف الأخرى.
القبول بالحوار والدخول فيه يعني الدخول في مساحة العمل السياسي، أي أن ساحة الحوار تكون هي ساحة المعركة، هي الميدان، لكن الفارق بينها وبين ساحات المعارك التي تخلو من العقل ومن المنطق هو أنها ساحة تعتمد على خبرات وتجارب المشاركين فيها، وفي حالنا يعتبر أي مكسب يحققه أي طرف مشارك في الحوار مكسباً للجميع.. ومكسباً للوطن.
اللافت في موضوع الحوار هو أن المتحاورين سيعيدون اكتشاف الحقيقة التي اكتشفوها قبل فترة عندما التقى عدد من ممثلي الجمعيات السياسية بالتنسيق مع إحدى الجهات ذات العلاقة وهي أنهم «متفقون» على ما لايقل عن 60% من القضايا، أي أن الحوار المؤمل انطلاقه هذه الأيام سيهتم بما لا يزيد عن 40% فقط من القضايا أو وجهات النظر التي لا يزال الاختلاف عنوانها، فإذا تم وضع الوطن أمام ضمائر المشاركين في الحوار ووضعت مصلحة المواطن وتم تغليب هذا وذاك وتفضيلهما على الأهداف الخاصة والأفكار الضيقة فسيجدون سريعاً أنهم مختلفون على أمور قليلة لا بأس من أن يطلق عليها اسم قضايا.
فليشكك ممثلو «المعارضة» في توقيت الدعوة للحوار وفي طريقته وأعداد المشاركين فيه، لكن كل هذا لا يمنع من اتخاذ قرار بوقف الحراك الميداني الذي لن يضيف ولن ينقص، فوقف الحراك لا يعني أبداً انتهاءه ودفنه لأن مفاتيحه ستبقى في يد «المعارضة»، بمعنى أنه إذا لم يوصل الحوار إلى ما هو مقنع فبيدها أن تستأنفه وكأن شيئاً لم يحدث، فليس صحيحاً القول إن توقف الحراك يعني استحالة أو صعوبة إعادته لسبب بسيط وهو أن المشكلات تكون قد بقيت من دون حل.
لم يكن موفقاً أبداً قرار الخروج في مسيرات يومية حتى السادس عشر من فبراير لأنه سيؤدي إلى شحن غير طبيعي يمنع الناس من القبول بكل ما قد ينتج عن الحوار من قرارات، عدا أنه يظهر الجمعيات السياسية وكأنها مسلوبة الرأي والقرار وأنها تابعة لما صار يعرف بائتلاف فبراير يتحكم فيها كيف يشاء.
كان الأولى أن تهتم الجمعيات السياسية بتغيير رأي وموقف الائتلاف من الحوار وتقنعه بأن الحراك قابل للاستئناف إن لم يخرجوا من الحوار بشيء يقنعهم، ولعله كان من المناسب اتخاذ موقف واضح من موقف الائتلاف، فمن غير المعقول أن تساير الجمعيات السياسية الائتلاف في كل شيء.
لا تزال الفرصة مواتية لاتخاذ القرارات المناسبة بشأن استمرار الحراك الميداني فترة انعقاد جلسات الحوار التي يمكن تحديدها بزمن يتفق عليه والتمهيد للحوار بتقليل أو وقف المسيرات هذه الأيام، حيث النشاط الميداني وإن كان أسلوباً لتأكيد المطالب وممارسة الضغوط إلا أنه قد يكون أيضاً سبباً في إغلاق الباب الذي تم فتحه لنلج منه إلى حيث نستعيد دورنا في الحياة.