حينما كتبنا قبل يومين عن طموح المواطنين في زيادات «سنعة» تحرك رواتبهم وتكفيهم «شر الحسد» الذي أخذ يزيد تجاه أشقائهم في الخليج، طالبنا عدد من المواطنين العاملين في القطاع الخاص بألا ننسى على الأقل وجودهم كـ»بشر» يعملون في البحرين باعتبار أن غالبيتهم -إن لم يكونوا كلهم- «منسيون» تماماً من قبل الدولة في شأن أية زيادات وتحسين للأوضاع.
أحدهم يقول: نحس بأننا «مواطنون درجة ثانية»، فكثير من الخدمات وكثير من «الخير» الذي يطال أخواننا في القطاع العام لا يطالنا بل لا تهب «نسمة عليلة» منه تجاهنا. يقول بالبحريني «حتى رائحة الطباخ لا تصلنا»، ويتساءل: لماذا الخير «يخص» والشر «يعم»؟!
في تفنيده وتفنيد كثيرين ممن هم في نفس الخانة لمفهوم «عمومية الشر» فإنهم يوضحون بأنه على سبيل المثال استقطاع التعطل المقرر بـ1% بفضل جهود الوزير «المقاطع» للدولة، وبفضل تمرير النواب له «سلام سلام» فقد فُرض على موظفي القطاع الخاص حالهم حال موظفي القطاع العام، بينما الحديث عن أية زيادات أو تحسين في هياكل العمل وما يصاحبه من بدلات ومميزات لا يطال إلا موظفي القطاع العام، في معاملة غير عادلة، كما يقولون، وكما نتفق معهم تماماً. (يتردد بأن النواب والشوريين والوزراء لا يدفعون الـ1%، بالتالي رجاء ممن يعنيهم الأمر تأكيد ذلك أو نفيه، لأنه إن صح، علينا أن نبحث عن «الريشة» التي فوق رؤوسهم حتى لا تتم مساواتهم بالمواطنين!).
أزيد هنا بأنه حتى في كثير من الأمور هنالك معاناة لموظفي القطاع الخاص، فبعض الشركات والجهات الخاصة لا تعترف بها البنوك، فقط تتعامل معها كشركة تصرف رواتبها لموظفيها عبر توزيع المبلغ المحول شهرياً لحسابات الموظفين، بينما بعض هذه البنوك (وركزوا أقول البعض لأننا هنا في البحرين نعاني من مصيبة في الفهم، لا نقرأ ونستوعب ما يكتب بل نأخذ الأمور من منطلق التعميم من مجرد قراءة العنوان. فايروس «الفطحلة» زايد حبتين)، أقول بعض هذه البنوك «يصعب» عملية منح موظفي القطاع الخاص القروض، بل بعضهم لا يتعامل مع شركات على وجه الخصوص، في مقابل أن عملك في القطاع الحكومي يفتح لك أبواب البنوك على مصراعيها، فقط عليها أن تتأكد بأن مبلغ الاقتراض لا يتعدى قسطه الشهري نصف راتبك بالتالي «حياك، اقدع واشرب الشاي، وقرضك جاهز خلال سويعات بل ساعة في آخر إحصائيات تحطيم الأرقام القياسية للقروض الممنوحة للمواطنين».
ليس هذا موضوعنا الرئيس هنا، بل فقط مثال يورد، لكن بمناسبة ذكر القروض، وهذه نقطة «خارج النص»، أصبحت المفارقة التي تثبت بأن شر البلية ما يضحك، أنه في الدول الأخرى تقام عروض ومهرجانات صيفية للترفيه عن المواطنين وعن المقيمين ولجذب السياح، أما في البحرين فتوجد هذه المهرجانات لكن توجد بجانبها مهرجانات أخرى منافسة بقوة مثل «مهرجان القروض الصيفي»، تخيلوا «مهرجان للقروض»، فقط الاسم يعكس حال المواطن البحريني. طبعاً كلكم تعرفون الجملة الشهيرة: «بحريني؟! لازم عليك قرض!»، أقلها بطاقات الائتمان.
عموماً نعود لموظفي القطاع الخاص، إذ حينما نقول بأنه ينبغي التفكير في حلول جذرية لهم بحيث أقلها نضمن بأن يطالهم «الخير» الذي يطال موظفي القطاع العام، وذلك باعتبار أن المواطنين سواسية ولا تمييز بينهم، مع الإدراك بأن الموظف في القطاع العام مسؤولة عنه الدولة بدرجات أكبر من موظف القطاع الخاص، لكن مع الاستدراك –في جانب آخر- بأن الاثنين مواطنان، وعليه ما الضير في التفكير بشيء ينفع موظف القطاع الخاص؟!
الآن سيخرج من يقول بأن موظفي القطاع الخاص كثير منهم رواتبهم أكثر من موظفي القطاع العام، كثير منهم لديهم تأمين صحي لهم ولعوائلهم، طبعاً في السابق سيقال إنهم يمتلكون «بونساً» سنوياً لكن مع «ذريعة الأزمة المالية» أصبح «البونس» في عداد قائمة الأشياء المنقرضة التي تتصدرها الديناصورات والأمانة والنزاهة.
نعم ندرك ذلك، لكن في المقابل رواتب موظفي القطاع العام آخذة في الارتفاع تدريجياً، وبحسب التعهد الذي فرضته الرؤية الاقتصادية على الدولة فإن مضاعفة الرواتب لثلاثة أضعاف هو التزام وليس طموحاً مثلما يفهم عندما طرحت الرؤية، إضافة لذلك زيادة البدلات والعلاوات، مجرد أن تكون مديراً تتحصل على 500 دينار علاوة (على الناس بالعافية) لكنها علاوة يتساوى فيها من «يكرف» بحسب طبيعة عمله (تذكروا علاوة طبيعة العمل) وبين من يجلس على مكتبه يقرأ الجرائد ويشرب الشاي ومسماه يقول «مدير».
إن جئنا نقارن فهنا مزايا وهناك مزايا، لكن الاختلاف أن موظفي القطاع الخاص فرض عليهم اقتطاع التعطل حالهم كحال موظفي القطاع العام في وقت أنهم بشأن الزيادات لا ناقة ولا جمل لهم فيها باعتبار أن قطاعهم غير ملزم للدولة! طيب، لماذا ألزم قطاعهم بالتالي في اقتطاع التعطل؟!
مسألة أخرى تقض مضجع موظفي القطاع الخاص هي المعنية بالتقاعد ونسبة الراتب التقاعدي، إذ طوال عقود ونسبة الراتب التقاعدي لموظف القطاع الخاص إن قتل نفسه في سنين عمل طويلة بالكاد تصل إلى 50% (صححوني يا جماعة، لأن البعض يقول بأنك لبلوغ هذه النسبة عليك أن تعمل حتى توضع في القبر)، في حين أن موظف القطاع العام يمكنه أن يصل لنسبة 80% مع خدمات شراء سنوات الخدمة، وترقية إلى آخر المربوط قبل خروجه للتقاعد.
على ذكر الـ80% من الراتب، أرجو أن تستبعدوا النواب لأنهم «مواطنون من نوع آخر»، شغلهم يقتضي «تحريك الجبال الراسخة» بالتالي عمل ثماني سنوات يساوي نسبة راتب تقاعدي «إلزامي» يصل لـ80%، عليهم بالعافية ولا تحسدوهم ولا «تتحلطمون» تره والله عيب. تقارنون «كرف» 35 سنة، بتعب وإرهاق الجلوس على الكراسي الوثيرة لست ساعات (إن صارت) أو اجتماعات يومية للجان يوزع فيها الشاي والبسكويت، وسفرات متعبة (لو ودهم ما راحوا) لاجتماعات ومناقشات، وغيرها من مزايا «مغصوبين عليها» كالسيارة والحصانة والجواز الخاص والبدلات، تقارنوها بعمل يومي وساعات دوام وزيادات سنوية بدنانير معدودة، وهذا المسؤول «يدوس في بطنك» وذاك «يؤخر درجتك» ولا يناديك بـ»سعادة» و»طويل العمر»، لا يا مواطن «ما لك حق»، وصدق من قال «حاسدين الفقير على موتة الجمعة».
بالحديث عن النواب فإن توحيد مزايا التقاعد والتأمينات مسألة أثيرت منذ عام 2002، أي منذ الفصل التشريعي الأول، تخيلوا أنه طوال عشر سنوات وإلى الآن لم تحسم المسألة على الآخر.
احسبوا معي طوال عشر سنوات كم موظفاً في القطاع الخاص خرج على المعاش، كم موظفاً تقاعد ولم يستفد من توحيد مزايا الصندوقين؟! لأن «نوابنا» كانوا مستعجلين في حل أزمة «شم الغراء» ومنع «نانسي عجرم» من دخول البحرين وتعديل لائحتهم الداخلية، وتحديد ما إذا كانوا سينادون بـ»سعادة» أو «معالي» والأهم تمرير تقاعدهم الإلزامي، فإن المسألة المعنية بشريحة كبيرة من المواطنين (باعتبار أن العاملين في القطاع الخاص عددهم يفوق الموظفين في القطاع العام بمراحل) متضررين من هذه المسألة، إذ بدلا من توحيد نسبة التقاعد وإيصال سقفها إلى 80% مازال الحال كما هو عليه.
الآن سيخرج علينا من يخرج ويقول: طيب يا أخ فيصل، يا خبير اكتواري، يا حلال المشاكل، اعطنا حلولك لهذه المسألة. وبدوري سأرد وأقول بأن الدولة تتعاقد مع شركات متخصصة في الجوانب المالية، ولديها من المستشارين «ما شاء الله»، ولدينا نواب بعضهم يحسسك بأنه «خبير ذرة»، إضافة إلى التصريحات المعنية بتحسين وضع «المواطن» وأكرر هنا يقال «المواطن» وليس «المواطن الموظف في القطاع العام فقط»، كل هذه التصريحات تصدر بما يوحي أن «تسونامي مالي معيشي» سيضرب المواطن عما قريب، وكل البشر المذكورين أعلاه على كثرتهم نريد أن نعرف «الخطة الجهنمية» التي ستوضع لحلحلة وضع المواطن البحريني.
بالتالي الحلول لدى من يفترض بأنهم أصحاب الخبرة والفكر الحصيف في وضعها. هنا نطرح المشاكل ونوصل أصوات الناس، خاصة وأننا اكتشفنا في الآونة الأخيرة بأن «سمع» كثير من المعنيين «ثقيل»، في ظل وجود قنوات تجاهد وتقاتل لأجل «خنق» صوت الناس ومنعهم من التعبير عن معاناتهم، ليس «خنق» صوت الناس فقط بل حتى «خنق» أصواتنا نحن، ولو وصلت لـ»خنقنا» فعلياً لتنخرس أصواتنا للأبد لفعلوا.
تساؤل أخير سخيف لأنني سأقول «بيني وبينكم»! هل سيطال الموظف في القطاع الخاص أي شيء من مبالغ «المارشال»؟! أقلها «مرشلة» خفيفة، بعد أن اتضح بأن «المرشلات» الكبيرة ستذهب لمشاريع القوائم الطويلة العريضة التي قدمتها «بشكل سريع جداً» وزارات الدولة؟!
ختاماً أنا محتار هنا، إذ لموظفي القطاع العام الحالمين بزيادة «ثقيلة» قلنا بأن «مشوا بوزكم»، بالتالي ما عسانا أن نقول لموظفي القطاع الخاص؟!!!