لا نعتقد أن هنالك عاقلاً بالمعنى السياسي للعقل، يشك في حتمية الحوار الوطني وضرورته في النهاية لاستعادة الوطن واستقراره ونمائه وتعايش أطيافه، لأن البديل عن الحوار هو الجمود المفضي إلى المزيد من الشحن والمواجهة واتساع الشقة بين مختلف الأطراف السياسية، وهو بهذا المعنى حتمي، وكلما بدأنا به كان أفضل إلى الجميع، وكلما تأخر اتسعت مساحة الصعوبات وتقلصت المشتركات، وازدادت ثقافة التخوين والتهوين والتخويف والتسقيط اتساعاً وتأثيراً في النفوس.
ورغم التعبيرات الإعلامية والسياسية المتطرفة من هنا وهناك، والتي تحول حالياً دون اتضاح الرؤية والمساحة المشتركة التي تجمع أبناء الوطن، فإن أي معالجة مقبولة للأزمة لا يمكن في النهاية إلا أن تكون معالجة سياسية ابتداء، وتوافقية بالضرورة، ومهما تعقدت أطوارها ومهما تباعدت الشقة بين مكونات الحراك السياسي الوطني فلا خيار إلا الدخول في فضاء المصارحة والمصالحة والمحاورة والمعالجة السياسية، إذ يظل الحوار عملاً يومياً دؤوباً حتى داخل الحزب الواحد، فما بالك بين الأحزاب والقوى السياسية فيما بينها وبين السلطة وأجهزتها المختلفة.. وهل يمكن أن يستبعد من الحوار بعض الأطراف والاقتصار على أطراف دون غيرها؟ المنطق يقول إن كل من يؤمن بالحوار وجدواه، ويؤمن بالشرعية وبالأطر القانونية والدستورية يجب أن يكون جزءًا من الحوار الوطني.
تلك حقيقة لا يمكن أن ينكرها إلا من اختار “اللاحل” أو ارتضى بالإبقاء على الوضع الراهن المهلك والمكلف سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ولكن المشكلة في تقديري تكمن في ثلاث مسائل رئيسة:
الأولى؛ هي الحاجة إلى حسم اللحظة التي يمكن أن يبدأ فيها هذا الحوار الوطني والتي لا يكون فيها “غالب أو مغلوب “ بالمعنى السياسي للغلبة، وهي اللحظة التي يمكن أن نطلق عليها لحظة “تحالف العقلاء” من جميع الأطراف، وعقدهم العزم على المضي قدماً نحو تلك المحطة الحتمية، مهما كان الثمن غالياً، لأن هذا الثمن، وفي جميع الأحوال سيكون أقل فداحة مما نحن فيه حالياً، خصوصاً أن رضا الناس غاية لا تدرك وأنه بالإمكان في النهاية إنجاز الحوار استناداً واعتماداً على المكونات الرئيسة والفاعلة وإن تخلف عنه المتطرفون من هنا وهناك.
الثانية؛ تتعلق بالحاجة إلى إيجاد سبيل مناسب لهيكلة هذا الحوار الوطني، بوضع الهيكل الذي سيشرف على إدارة الحوار، وتحديد اللجنة التحضيرية لهذا الحوار، وتحديد أجندته وموضوعاته وأولوياته وخطوطه الأساسية، بحيث يشرف على هذه الهيكلة لجنة تحضيرية تمثل كافة الأحزاب على قدم المساواة، إضافة إلى ممثلين عن السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والصحافة والإعلام، بحيث لا يجب أن يكون هذا الحوار محصوراً في حدود الأحزاب السياسية، بل يكون من مسؤولية الحكومة والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام والمفكرين من ذوي الوزن والثقل.
الثالثة؛ أما من حيث المضمون السياسي لهذا الحوار فإن المراجعات الموضوعية للخطاب السياسي وللمطالبات وللوثائق التي كتبت وأعلنت بعيد الأزمة التي شهدتها البحرين، تتضمن في مجملها نقطة ارتكاز أو تقاطع رئيسة، وهي العمل على ضمان “ديمقراطية وتعددية ومساواة في المواطنة في ظل دولة مدنية وطنية يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات”، ويمكننا أن نضيف إلى هذا التقاطع المشترك بين جميع الخطابات مسألة “حريّة “ بمعناها السياسي والفردي والإنساني والفكري لكي يكتمل التعبير عن طموحات الشعب المستقبلية.
لكن لا ينقص البحرينيين حريّة بالشكل طبعاً، فحسن تطبيق الديمقراطية يتطلّب توافر الحريّة تلقائياً، ولا عجب فأي ديمقراطية حقيقية في الانتخابات مثلاً تستدعي أن يكون المواطن حرّاً في خياراته وتطلعاته وطموحاته، لكن هذا الأمر ليس متاحاً للجميع بحكم سيطرة قوى الهيمنة الدينية والطائفية الضاغطة والقامعة للحرية، وليست الدولة هنا هي التي تضغط وإنما السلطة الدينية الطامحة إلى المزيد من التأثير والسيطرة والقيادة هي التي تضغط وتضع قيوداً أمام أمرين أساسيين؛ مدنية الدولة أو علمنتها على وجه الدقة وهي شرط لبناء المجتمع الديمقراطي، والحرية التي هي أساس الديمقراطية وعمودها الفقري وبدونها لا مجال للتقدم على صعيد حرية المواطن الذي يختار ممثليه ويحاسب المسؤولين بعيداً عن أيّ ضغوط أو قداسة من أي نوع كان.
كما إن الديمقراطية تؤمّن أيضاً التعددية، إذ لا تقصي أحداً في المجتمع الواحد مهما تعدّدت مجموعاته، صغيرة كانت أم كبيرة قويّة أم ضعيفة، ولا تخون أحداً ولا تحرم أحداً من أي حق من حقوق المواطنة.
ففي البحرين هنالك قدر لا بأس به من الحرية، كما إن الدولة وفرت التشريع الذي يتيح نوعاً من التمثيل الديمقراطي المقبول نسبياً، ولكن السلطة الدينية والاجتماعية (خصوصاً في التقليدية) وبغض النظر عن أهمية القوانين الانتخابية فإنها هي من يمتلك القول الفصل حتى في المسألة الانتخابية، بما يفرغ الديمقراطية من أي محتوى حقيقي، فليس للتنافس الحر ولا للكفاءة في الانتخابات البلدية أو البرلمانية أي دور جوهري، وإنما ما تسطره وتختاره السلطة الدينية في المناطق التقليدية (والتي غالباً ما تعود إلى رجل واحد قرر أن هذا يصح وهذا لا يصلح) هي التي تحسم المسألة من أساسها، وكذلك الشأن بالنسبة للتشريعات والقرارات الأساسية بما يجعل من الانتخابات عملية شكلية تذكر بالجمهورية الإسلامية في إيران التي ليس لها من الجمهورية إلا الاسم وليس لها من الديمقراطية إلا الشكل الخارجي.
ورغم التعبيرات الإعلامية والسياسية المتطرفة من هنا وهناك، والتي تحول حالياً دون اتضاح الرؤية والمساحة المشتركة التي تجمع أبناء الوطن، فإن أي معالجة مقبولة للأزمة لا يمكن في النهاية إلا أن تكون معالجة سياسية ابتداء، وتوافقية بالضرورة، ومهما تعقدت أطوارها ومهما تباعدت الشقة بين مكونات الحراك السياسي الوطني فلا خيار إلا الدخول في فضاء المصارحة والمصالحة والمحاورة والمعالجة السياسية، إذ يظل الحوار عملاً يومياً دؤوباً حتى داخل الحزب الواحد، فما بالك بين الأحزاب والقوى السياسية فيما بينها وبين السلطة وأجهزتها المختلفة.. وهل يمكن أن يستبعد من الحوار بعض الأطراف والاقتصار على أطراف دون غيرها؟ المنطق يقول إن كل من يؤمن بالحوار وجدواه، ويؤمن بالشرعية وبالأطر القانونية والدستورية يجب أن يكون جزءًا من الحوار الوطني.
تلك حقيقة لا يمكن أن ينكرها إلا من اختار “اللاحل” أو ارتضى بالإبقاء على الوضع الراهن المهلك والمكلف سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ولكن المشكلة في تقديري تكمن في ثلاث مسائل رئيسة:
الأولى؛ هي الحاجة إلى حسم اللحظة التي يمكن أن يبدأ فيها هذا الحوار الوطني والتي لا يكون فيها “غالب أو مغلوب “ بالمعنى السياسي للغلبة، وهي اللحظة التي يمكن أن نطلق عليها لحظة “تحالف العقلاء” من جميع الأطراف، وعقدهم العزم على المضي قدماً نحو تلك المحطة الحتمية، مهما كان الثمن غالياً، لأن هذا الثمن، وفي جميع الأحوال سيكون أقل فداحة مما نحن فيه حالياً، خصوصاً أن رضا الناس غاية لا تدرك وأنه بالإمكان في النهاية إنجاز الحوار استناداً واعتماداً على المكونات الرئيسة والفاعلة وإن تخلف عنه المتطرفون من هنا وهناك.
الثانية؛ تتعلق بالحاجة إلى إيجاد سبيل مناسب لهيكلة هذا الحوار الوطني، بوضع الهيكل الذي سيشرف على إدارة الحوار، وتحديد اللجنة التحضيرية لهذا الحوار، وتحديد أجندته وموضوعاته وأولوياته وخطوطه الأساسية، بحيث يشرف على هذه الهيكلة لجنة تحضيرية تمثل كافة الأحزاب على قدم المساواة، إضافة إلى ممثلين عن السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والصحافة والإعلام، بحيث لا يجب أن يكون هذا الحوار محصوراً في حدود الأحزاب السياسية، بل يكون من مسؤولية الحكومة والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام والمفكرين من ذوي الوزن والثقل.
الثالثة؛ أما من حيث المضمون السياسي لهذا الحوار فإن المراجعات الموضوعية للخطاب السياسي وللمطالبات وللوثائق التي كتبت وأعلنت بعيد الأزمة التي شهدتها البحرين، تتضمن في مجملها نقطة ارتكاز أو تقاطع رئيسة، وهي العمل على ضمان “ديمقراطية وتعددية ومساواة في المواطنة في ظل دولة مدنية وطنية يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات”، ويمكننا أن نضيف إلى هذا التقاطع المشترك بين جميع الخطابات مسألة “حريّة “ بمعناها السياسي والفردي والإنساني والفكري لكي يكتمل التعبير عن طموحات الشعب المستقبلية.
لكن لا ينقص البحرينيين حريّة بالشكل طبعاً، فحسن تطبيق الديمقراطية يتطلّب توافر الحريّة تلقائياً، ولا عجب فأي ديمقراطية حقيقية في الانتخابات مثلاً تستدعي أن يكون المواطن حرّاً في خياراته وتطلعاته وطموحاته، لكن هذا الأمر ليس متاحاً للجميع بحكم سيطرة قوى الهيمنة الدينية والطائفية الضاغطة والقامعة للحرية، وليست الدولة هنا هي التي تضغط وإنما السلطة الدينية الطامحة إلى المزيد من التأثير والسيطرة والقيادة هي التي تضغط وتضع قيوداً أمام أمرين أساسيين؛ مدنية الدولة أو علمنتها على وجه الدقة وهي شرط لبناء المجتمع الديمقراطي، والحرية التي هي أساس الديمقراطية وعمودها الفقري وبدونها لا مجال للتقدم على صعيد حرية المواطن الذي يختار ممثليه ويحاسب المسؤولين بعيداً عن أيّ ضغوط أو قداسة من أي نوع كان.
كما إن الديمقراطية تؤمّن أيضاً التعددية، إذ لا تقصي أحداً في المجتمع الواحد مهما تعدّدت مجموعاته، صغيرة كانت أم كبيرة قويّة أم ضعيفة، ولا تخون أحداً ولا تحرم أحداً من أي حق من حقوق المواطنة.
ففي البحرين هنالك قدر لا بأس به من الحرية، كما إن الدولة وفرت التشريع الذي يتيح نوعاً من التمثيل الديمقراطي المقبول نسبياً، ولكن السلطة الدينية والاجتماعية (خصوصاً في التقليدية) وبغض النظر عن أهمية القوانين الانتخابية فإنها هي من يمتلك القول الفصل حتى في المسألة الانتخابية، بما يفرغ الديمقراطية من أي محتوى حقيقي، فليس للتنافس الحر ولا للكفاءة في الانتخابات البلدية أو البرلمانية أي دور جوهري، وإنما ما تسطره وتختاره السلطة الدينية في المناطق التقليدية (والتي غالباً ما تعود إلى رجل واحد قرر أن هذا يصح وهذا لا يصلح) هي التي تحسم المسألة من أساسها، وكذلك الشأن بالنسبة للتشريعات والقرارات الأساسية بما يجعل من الانتخابات عملية شكلية تذكر بالجمهورية الإسلامية في إيران التي ليس لها من الجمهورية إلا الاسم وليس لها من الديمقراطية إلا الشكل الخارجي.