العلم محراب مقدس؛ من دخله تطهر بماء الإجلال وتزمزم بماء التوقير والإكرام. هذه قيمة العلم في نفس كل امرئ عاقل يريد لنفسه ولامته خيراً.
إن توقير العلماء في المدارس والجامعات ومراكز ومعاهد والمعلمين، وإعلاء شأن العلم والمتعامين بالبحث العلمي كان ولايزال معياراً يقاس به مستوى نهضة وتقدم الأمم والشعوب، نذكر هذه البدهية في ذكرى اليوم العالمي للمعلمين، والذي وافق الخامس من الشهر الحالي، دون أن يعيره أحد أدنى اهتمام في بلادنا العربية، على العكس تماماً من مناسبات أخرى تتضاءل أهميتها أمام هامة العلم وقامته المديدة.
وخطورة إهمال العلم على مستقبل الأمة وحاضرها أنه من الغريب في هذا العصر أن نشهد تقدماً مذهلاً للعلم حولنا في كل العالم، إلا في عالمنا العربي الذي مازالت تسوده نظرة دونية للمعلم، فالصورة النمطية للمعلمين في كثير من وسائل الإعلام نالها كثير من التشويه والضرر، وكثيراً ما قرأنا وشاهدنا حالات عنف وإهانة واعتداء قام بها تلامذة صغار وكبار ضد معلميهم وأساتذتهم في المدارس والجامعات والمعاهد، بل إن كثيراً من الطلاب أصبحوا يهربون من هذه المهنة الشاقة لما يقرؤونه من سمات الشقاء والبؤس على وجوه معلميهم في بلادنا العربية، وتلك نقيصة كبرى يجب أن تتبرأ منها أمة (اقرأ).
إن تراث أمتنا في هذا المضمار تراث مشهود له بالغني والرقي؛ فقد كنا أكثر الأمم توقيراً للعلم والعلماء، وما المكانة العلمية المرموقة التي تحققت عبر العصور إلا ثمرة الإدراك العميق لطلبة العلم القدماء؛ فالعلم عندهم محراب مقدس وحرم طهور ورسالة أمة إلى الدنيا بأسرها، وفوق كل هذا وذاك هو نوع من العبادة وفرع من الجهاد.
لقد ظهر كل ذلك جلياً واضحاً من خلال التعاطي مع أستاذتهم ومدارسهم، وجامعاتهم، وكتبهم، وأقرانهم من المتعلمين، يقول القاضي بدر الدين محمد ابن جماعه -وهو من أفضل من كتب في أخلاق العلم وطبيعة العلاقة بين الطالب بأستاذه وأدب العالم والمتعلم- يقول: “على الطالب أن ينظر إلى أستاذه بعين الإجلال، ويعتقد فيه درجة الكمال، فإن ذلك أقرب إلى نفعه، وينبغي أن لا يخاطب شيخه بتاء الخطاب وكافه، ولا يناديه من بعيد حتى لا يرفع صوته في حضرته، بل يقول يا سيدي وأستاذي”، وكان الشافعي رضي الله عنه يقول: “كنت أتصفح الورقة بين يدي أستاذي صفحاً رقيقاً هيبة له حتى لا يسمع وقعها”، أما الربيع فيقول عن أستاذه الشافعي: “والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إليّ هيبة له”.
حقاً؛ كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لا يحسنه، وكفى بالجهل ضعة أن يتبرأ منه من هو فيه. كثيراً ما تمنيت أن تكون أمتنا أفضل الأمم علماً وأخلاقاً، وكم كنت ولازلت أستشعر الألم والحزن وأنا أشهد الترتيب المتأخر الذي تصر الدول العربية على الاستكانة والركون إليه، وما ذلك إلا بسبب ضياع التقدير اللائق لمكانة العلم وأهل العلم في هذا العصر.
لقد لحقت معظم الأمم بركب العصر الحديث عبر تشريب شعوبها لقيمة العلم وتنشئتها عليها، فرفعت من شأن العلماء والمعلمين في كافة المراحل التعليمية، خصوصاً المبدعين من الباحثين في جميع التخصصات الإنسانية والطبيعية، فاليابان -عقب استسلامها في الحرب العالمية الثانية- فطنت إلى أن الطريق الوحيدة للانتفاض من هزيمتها والانتقام لكبريائها الوطني هي طريق التقدم العلمي، فما كان منها إلا أن قامت بثورة علمية قادها العلماء والمعلمون بعد أن وضعوا في مكانتهم اللائقة، حتى تردد أن الدولة في حينه قد منحتهم رواتب الوزراء، وها هي الولايات المتحدة الأمريكية تعلن في التسعينيات من القرن الماضي حالة التأهب والخطر -حين اكتشفت تدني مستوى أداء وطموح العامل والموظف الأمريكي مقارنة بغيره من اليابانيين والكوريين- فترد الأمر سريعاً إلى مناهج التعليم الأمريكي وتبادر إلى حملة قومية شعارها -أمة في خطر- وغير ذلك نماذج لا تعد ولا تحصى في شرق العالم وغربه، أما في العالم العربي فمايزال كثيرون بحاجة إلى إدراك خطورة دور العلم في حياة الأمم، فكان حالنا في مضمار المشاركة في الحضارة المعاصرة لا يسر، وكان ترتيبنا دائماً في المواقع الأخيرة.
.. وللحديث صلة
إن توقير العلماء في المدارس والجامعات ومراكز ومعاهد والمعلمين، وإعلاء شأن العلم والمتعامين بالبحث العلمي كان ولايزال معياراً يقاس به مستوى نهضة وتقدم الأمم والشعوب، نذكر هذه البدهية في ذكرى اليوم العالمي للمعلمين، والذي وافق الخامس من الشهر الحالي، دون أن يعيره أحد أدنى اهتمام في بلادنا العربية، على العكس تماماً من مناسبات أخرى تتضاءل أهميتها أمام هامة العلم وقامته المديدة.
وخطورة إهمال العلم على مستقبل الأمة وحاضرها أنه من الغريب في هذا العصر أن نشهد تقدماً مذهلاً للعلم حولنا في كل العالم، إلا في عالمنا العربي الذي مازالت تسوده نظرة دونية للمعلم، فالصورة النمطية للمعلمين في كثير من وسائل الإعلام نالها كثير من التشويه والضرر، وكثيراً ما قرأنا وشاهدنا حالات عنف وإهانة واعتداء قام بها تلامذة صغار وكبار ضد معلميهم وأساتذتهم في المدارس والجامعات والمعاهد، بل إن كثيراً من الطلاب أصبحوا يهربون من هذه المهنة الشاقة لما يقرؤونه من سمات الشقاء والبؤس على وجوه معلميهم في بلادنا العربية، وتلك نقيصة كبرى يجب أن تتبرأ منها أمة (اقرأ).
إن تراث أمتنا في هذا المضمار تراث مشهود له بالغني والرقي؛ فقد كنا أكثر الأمم توقيراً للعلم والعلماء، وما المكانة العلمية المرموقة التي تحققت عبر العصور إلا ثمرة الإدراك العميق لطلبة العلم القدماء؛ فالعلم عندهم محراب مقدس وحرم طهور ورسالة أمة إلى الدنيا بأسرها، وفوق كل هذا وذاك هو نوع من العبادة وفرع من الجهاد.
لقد ظهر كل ذلك جلياً واضحاً من خلال التعاطي مع أستاذتهم ومدارسهم، وجامعاتهم، وكتبهم، وأقرانهم من المتعلمين، يقول القاضي بدر الدين محمد ابن جماعه -وهو من أفضل من كتب في أخلاق العلم وطبيعة العلاقة بين الطالب بأستاذه وأدب العالم والمتعلم- يقول: “على الطالب أن ينظر إلى أستاذه بعين الإجلال، ويعتقد فيه درجة الكمال، فإن ذلك أقرب إلى نفعه، وينبغي أن لا يخاطب شيخه بتاء الخطاب وكافه، ولا يناديه من بعيد حتى لا يرفع صوته في حضرته، بل يقول يا سيدي وأستاذي”، وكان الشافعي رضي الله عنه يقول: “كنت أتصفح الورقة بين يدي أستاذي صفحاً رقيقاً هيبة له حتى لا يسمع وقعها”، أما الربيع فيقول عن أستاذه الشافعي: “والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إليّ هيبة له”.
حقاً؛ كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لا يحسنه، وكفى بالجهل ضعة أن يتبرأ منه من هو فيه. كثيراً ما تمنيت أن تكون أمتنا أفضل الأمم علماً وأخلاقاً، وكم كنت ولازلت أستشعر الألم والحزن وأنا أشهد الترتيب المتأخر الذي تصر الدول العربية على الاستكانة والركون إليه، وما ذلك إلا بسبب ضياع التقدير اللائق لمكانة العلم وأهل العلم في هذا العصر.
لقد لحقت معظم الأمم بركب العصر الحديث عبر تشريب شعوبها لقيمة العلم وتنشئتها عليها، فرفعت من شأن العلماء والمعلمين في كافة المراحل التعليمية، خصوصاً المبدعين من الباحثين في جميع التخصصات الإنسانية والطبيعية، فاليابان -عقب استسلامها في الحرب العالمية الثانية- فطنت إلى أن الطريق الوحيدة للانتفاض من هزيمتها والانتقام لكبريائها الوطني هي طريق التقدم العلمي، فما كان منها إلا أن قامت بثورة علمية قادها العلماء والمعلمون بعد أن وضعوا في مكانتهم اللائقة، حتى تردد أن الدولة في حينه قد منحتهم رواتب الوزراء، وها هي الولايات المتحدة الأمريكية تعلن في التسعينيات من القرن الماضي حالة التأهب والخطر -حين اكتشفت تدني مستوى أداء وطموح العامل والموظف الأمريكي مقارنة بغيره من اليابانيين والكوريين- فترد الأمر سريعاً إلى مناهج التعليم الأمريكي وتبادر إلى حملة قومية شعارها -أمة في خطر- وغير ذلك نماذج لا تعد ولا تحصى في شرق العالم وغربه، أما في العالم العربي فمايزال كثيرون بحاجة إلى إدراك خطورة دور العلم في حياة الأمم، فكان حالنا في مضمار المشاركة في الحضارة المعاصرة لا يسر، وكان ترتيبنا دائماً في المواقع الأخيرة.
.. وللحديث صلة