جاء في آخر تقرير أصدرته وكالات الأغذية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة تحذير خطير من حالة الجوع المصاحب بطبيعة الحال بالفقر والعوز والفاقة التي يواجهها العالم جراء “تباطؤ التقدم الذي أحرز في جهود مكافحة الجوع تباطأ منذ 2007-2008”. وأرجع التقرير ذلك إلى “ارتفاع أسعار الغذاء في عدد من الدول الفقيرة”، مشيراً إلى “أن ثُمن سكان العالم يعانون من نقص مزمن في الغذاء حيث يوجد 868 مليون شخص عانوا من الجوع في الفترة من 2010 إلى 2012 أي نحو 12.5% من سكان العالم”.
ورغم التناقص في عدد الجوعى في العالم الذي وصل إلى “نحو 925 مليوناً عام 2010، ونحو 1.02 مليار عام 2009”، لكن وكما يعترف بشكل واضح المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “فاو” جوزيه جرازيانو دا سيلفا “لايزال هناك شخص من بين كل ثمانية أشخاص يعاني من الجوع”. من جانب آخر يؤكد أن “ذلك غير مقبول خاصة وأننا نعيش في عالم يشهد وفرة”. ويحذر داسيلفا قائلاً “إن معظم التقدم الذي تحقق في مكافحة الجوع حدث حتى عام 2006 مع استمرار انخفاض أسعار الغذاء”.
هذا التناقض بين وفرة الغذاء واستمرار آفة الجوع التي تنهش نسبة لا يستهان بها من سكان الدول الفقيرة جراء ارتفاع الأسعار، لا تكف “الفاو” عن الكشف عن مظاهره، وفي أكثر من مناسبة، ففي تقرير آخر لها أطلقته في 16 أكتوبر 2009 تحت شعار ‘’معاً لمكافحة الجوع’’ في مناسبة الاحتفال باليوم العالمي للأغذية، أكدت المنظمة وبالأرقام الصماء “أن الجوع لا يحدث بسبب قلة الأغذية؛ حيث ينتج العالم اليوم أغذية تكفي لإطعام جميع السكان والتمتع بحياة مفعمة بالصحة والقدرة على الإنتاج، ولكن يرجع السبب إلى ما يعانيه القطاع الزراعي من إهمال ونقص في الاستثمارات على مدى عشرين عاماً مما أثر في النمو الاقتصادي الشامل في معظم البلدان الفقيرة حيث توفر الزراعة بصورة مباشرة أو غير مباشرة موارد الرزق لنحو 70% من الفقراء في العالم”.
على صعيد آخر، تجمع التقارير العالمية التي تتناول ظاهرة الجوع في العالم على أن استمرار هذه الظاهرة إنما يعود في الأساس إلى مجموعة من العوامل، التي من بين الأهم فيها، إلى جانب ذلك الإهمال الذي أشارت إليه “الفاو” في أكثر من تقرير ومناسبة، ما يلي:
1. جشع حكومات الدول الكبرى؛ والذي لا يقف عند حدود استنزافها لنسبة عالية من مواردها المالية والطبيعية الداخلية للإنفاق على مشروعات التسلح والأبحاث المصاحبة لها، بل تمعن في ذلك الجشع فتستخدم نتائج تلك الأبحاث ومخرجات تلك المشروعات في شن حروبها التوسعية ضد البلدان الفقيرة التي تضطر بدورها، من أجل الدفاع عن نفسها، إلى تسخير نسبة عالية من مواردها الذاتية الشحيحة للصرف على تسليح نفسها بدلاً من إنفاقها على برامج الزراعة وخطط التغذية المصاحبة لها.
أسوأ ما في هذه الحروب أن تلك الدول العظمى باتت تتحاشى الانخراط بشكل مباشر في تلك الحروب وأصبحت توكلها لدول نامية أخرى للقتال بالنيابة عنها. هذا يضاعف من شدة النزيف، حيث تدخل الدول النامية والفقيرة في “حروب بالوكالة” بين بعضها بعضاً. وشهدت القارة الأفريقية خلال القرن الماضي، وهي أكثر ضحايا العالم من الجوع، حروباً حدودية شرسة مظهرها صراع محلي ومشعلها طرف أجنبي.
2. اعتماد الدول الفقيرة على مصادر غذائها من دول غنية مثل الولايات المتحدة وكندا وروسيا، والتي تعطي أولويات توزيع ثرواتها الداخلية لأسواقها المحلية. هذه التبعية تضع الدول الفقيرة في خانة الضحية عندما تتعرض أي من تلك الدول الغنية لأية أزمة غذائية مهما كان صغر حجمها. وقد لمس العالم ذلك عندما اجتاح الجفاف روسيا قبل بضع سنوات، وشاهدنا الحالة تتكرر هذا العام بسبب تعرض بعض المناطق الأمريكية لموجة جفاف لم تكن متوقعة بالحدة ذاتها.
هذه الأنانية من الدول العظمى يدفع ثمنها الفقراء في الدول النامية، وهذا يفسر استشراء نسبة 65% من جوعى العالم في 7 دول فقيرة فقط هي، كما تكشف تقارير “الفاو”، “الهند والصين وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبنغلادش وإندونيسيا وباكستان وإثيوبيا”.
3. اضطرار الدول الفقيرة والنامية، وفي نطاق الصدامات العسكرية بينها وبضغوط من الدول العظمى، إلى إهمال الإنفاق على الزراعة كي يتسنى لها تسديد ديونها التي تحملتها مكرهة لاقتناء أسلحة تقليدية ليست في حاجة لها أو متقدمة تقنياً لا تملك الخبرات البشرية التي بوسعها تشغيلها. محصلة كل ذلك عجز مستمر في الموازنات بشكل مطلق، وتقتير غير منطقي في موازنات الزراعة بشكل نسبي.
4. تجزئة غير طبيعية تحطم الموارد الزراعية في البلدان النامية، ففي حالات معينة وكما شاهدنا في السودان، تشجع الدول العظمى تشطير البلاد إلى دويلات صغيرة متحاربة تتحول شعوب الدول الجديدة منها إلى ضحايا الجوع، بعد أن خسروا أهم مصادر توفير الغذاء لهم، إما لكونهم أصبحوا يقطنون مناطق جافة أو لحرمانهم من مداخيل سلعة استراتيجية مثل النفط، التي باتت، بعد التقسيم القسري، بحوزة إحدى الدول الجديدة، بعد أن حرمت منها دول أخرى جراء تلك التجزئة القيصرية.
5. التشويه الذي تفرضه الدول الغنية ذاتها على اقتصاد الدول الفقيرة، والذي يؤدي في نهاية المطاف إلى حرف مشروعات التنمية الزراعية عن مسارها الطبيعي في هذه الأخيرة، وهو أمر حذرت منه وفي أكثر من مناسبة منظمات مثل “أوكسفام” و« أكشن أيدز”، عندما أشارتا إلى “ميل الكثير من الدول الغنية إلى تشجيع استخدام الأسمدة الكيميائية وتقنيات جديدة وخصوصاً في أفريقيا، بدلاً من تشجيع التنمية المستدامة والزراعة البيئية”.
هذا الحرف الممنهج، وكما تؤكده العديد من الأبحاث العلمية لا يدمر على المدى البعيد والمتوسط، التربة الطبيعية فحسب؛ لكنه أيضاً يترك تأثيره على جودة المحصول وكمياته.
كل ذلك لا ينبغي أن يقودنا إلى استنتاج مفاده أن “الجوع آفة لا يمكن التعامل معها، والحد من تأثيراتها السلبية”، فالحقيقة هي عكس ذلك، والقضاء على الجوع أمر ممكن تحقيقه، لكن متى؟ وكما تقول تقارير “الفاو” وهو ما يشجعها على الاستمرار في دعوتها، تم اتباع “الوسائل التي طبقتها دول تمكنت من خفض عدد الذين يعانون من نقص التغذية منذ التسعينات”، ويؤكده أيضاً تقرير يحمل عنوان “دول بعكس التيار”، جاء فيه أن “16 بلداً بينها أرمينيا والبرازيل ونيجيريا وفيتنام والجزائر ومالاوي وتركيا، نجحت أو تسير في طريق خفض عدد الجائعين بمقدار النصف بحلول 2015”.
هذا يزرع في نفوسنا الكثير من الأمل، لأنه حتى في ظل ارتفاع الأسعار فإن العالم، وكما يصر جوزيه جرازيانو دا سيلفا “مازال بوسعه أن يحقق هدف التنمية للألفية الثانية وهو خفض عدد من يعانون من نقص التغذية في العالم النامي إلى النصف بحلول عام 2015 إذا تعززت الجهود الرامية للإسراع بخطى التقدم المتباطئ”.
ورغم التناقص في عدد الجوعى في العالم الذي وصل إلى “نحو 925 مليوناً عام 2010، ونحو 1.02 مليار عام 2009”، لكن وكما يعترف بشكل واضح المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “فاو” جوزيه جرازيانو دا سيلفا “لايزال هناك شخص من بين كل ثمانية أشخاص يعاني من الجوع”. من جانب آخر يؤكد أن “ذلك غير مقبول خاصة وأننا نعيش في عالم يشهد وفرة”. ويحذر داسيلفا قائلاً “إن معظم التقدم الذي تحقق في مكافحة الجوع حدث حتى عام 2006 مع استمرار انخفاض أسعار الغذاء”.
هذا التناقض بين وفرة الغذاء واستمرار آفة الجوع التي تنهش نسبة لا يستهان بها من سكان الدول الفقيرة جراء ارتفاع الأسعار، لا تكف “الفاو” عن الكشف عن مظاهره، وفي أكثر من مناسبة، ففي تقرير آخر لها أطلقته في 16 أكتوبر 2009 تحت شعار ‘’معاً لمكافحة الجوع’’ في مناسبة الاحتفال باليوم العالمي للأغذية، أكدت المنظمة وبالأرقام الصماء “أن الجوع لا يحدث بسبب قلة الأغذية؛ حيث ينتج العالم اليوم أغذية تكفي لإطعام جميع السكان والتمتع بحياة مفعمة بالصحة والقدرة على الإنتاج، ولكن يرجع السبب إلى ما يعانيه القطاع الزراعي من إهمال ونقص في الاستثمارات على مدى عشرين عاماً مما أثر في النمو الاقتصادي الشامل في معظم البلدان الفقيرة حيث توفر الزراعة بصورة مباشرة أو غير مباشرة موارد الرزق لنحو 70% من الفقراء في العالم”.
على صعيد آخر، تجمع التقارير العالمية التي تتناول ظاهرة الجوع في العالم على أن استمرار هذه الظاهرة إنما يعود في الأساس إلى مجموعة من العوامل، التي من بين الأهم فيها، إلى جانب ذلك الإهمال الذي أشارت إليه “الفاو” في أكثر من تقرير ومناسبة، ما يلي:
1. جشع حكومات الدول الكبرى؛ والذي لا يقف عند حدود استنزافها لنسبة عالية من مواردها المالية والطبيعية الداخلية للإنفاق على مشروعات التسلح والأبحاث المصاحبة لها، بل تمعن في ذلك الجشع فتستخدم نتائج تلك الأبحاث ومخرجات تلك المشروعات في شن حروبها التوسعية ضد البلدان الفقيرة التي تضطر بدورها، من أجل الدفاع عن نفسها، إلى تسخير نسبة عالية من مواردها الذاتية الشحيحة للصرف على تسليح نفسها بدلاً من إنفاقها على برامج الزراعة وخطط التغذية المصاحبة لها.
أسوأ ما في هذه الحروب أن تلك الدول العظمى باتت تتحاشى الانخراط بشكل مباشر في تلك الحروب وأصبحت توكلها لدول نامية أخرى للقتال بالنيابة عنها. هذا يضاعف من شدة النزيف، حيث تدخل الدول النامية والفقيرة في “حروب بالوكالة” بين بعضها بعضاً. وشهدت القارة الأفريقية خلال القرن الماضي، وهي أكثر ضحايا العالم من الجوع، حروباً حدودية شرسة مظهرها صراع محلي ومشعلها طرف أجنبي.
2. اعتماد الدول الفقيرة على مصادر غذائها من دول غنية مثل الولايات المتحدة وكندا وروسيا، والتي تعطي أولويات توزيع ثرواتها الداخلية لأسواقها المحلية. هذه التبعية تضع الدول الفقيرة في خانة الضحية عندما تتعرض أي من تلك الدول الغنية لأية أزمة غذائية مهما كان صغر حجمها. وقد لمس العالم ذلك عندما اجتاح الجفاف روسيا قبل بضع سنوات، وشاهدنا الحالة تتكرر هذا العام بسبب تعرض بعض المناطق الأمريكية لموجة جفاف لم تكن متوقعة بالحدة ذاتها.
هذه الأنانية من الدول العظمى يدفع ثمنها الفقراء في الدول النامية، وهذا يفسر استشراء نسبة 65% من جوعى العالم في 7 دول فقيرة فقط هي، كما تكشف تقارير “الفاو”، “الهند والصين وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبنغلادش وإندونيسيا وباكستان وإثيوبيا”.
3. اضطرار الدول الفقيرة والنامية، وفي نطاق الصدامات العسكرية بينها وبضغوط من الدول العظمى، إلى إهمال الإنفاق على الزراعة كي يتسنى لها تسديد ديونها التي تحملتها مكرهة لاقتناء أسلحة تقليدية ليست في حاجة لها أو متقدمة تقنياً لا تملك الخبرات البشرية التي بوسعها تشغيلها. محصلة كل ذلك عجز مستمر في الموازنات بشكل مطلق، وتقتير غير منطقي في موازنات الزراعة بشكل نسبي.
4. تجزئة غير طبيعية تحطم الموارد الزراعية في البلدان النامية، ففي حالات معينة وكما شاهدنا في السودان، تشجع الدول العظمى تشطير البلاد إلى دويلات صغيرة متحاربة تتحول شعوب الدول الجديدة منها إلى ضحايا الجوع، بعد أن خسروا أهم مصادر توفير الغذاء لهم، إما لكونهم أصبحوا يقطنون مناطق جافة أو لحرمانهم من مداخيل سلعة استراتيجية مثل النفط، التي باتت، بعد التقسيم القسري، بحوزة إحدى الدول الجديدة، بعد أن حرمت منها دول أخرى جراء تلك التجزئة القيصرية.
5. التشويه الذي تفرضه الدول الغنية ذاتها على اقتصاد الدول الفقيرة، والذي يؤدي في نهاية المطاف إلى حرف مشروعات التنمية الزراعية عن مسارها الطبيعي في هذه الأخيرة، وهو أمر حذرت منه وفي أكثر من مناسبة منظمات مثل “أوكسفام” و« أكشن أيدز”، عندما أشارتا إلى “ميل الكثير من الدول الغنية إلى تشجيع استخدام الأسمدة الكيميائية وتقنيات جديدة وخصوصاً في أفريقيا، بدلاً من تشجيع التنمية المستدامة والزراعة البيئية”.
هذا الحرف الممنهج، وكما تؤكده العديد من الأبحاث العلمية لا يدمر على المدى البعيد والمتوسط، التربة الطبيعية فحسب؛ لكنه أيضاً يترك تأثيره على جودة المحصول وكمياته.
كل ذلك لا ينبغي أن يقودنا إلى استنتاج مفاده أن “الجوع آفة لا يمكن التعامل معها، والحد من تأثيراتها السلبية”، فالحقيقة هي عكس ذلك، والقضاء على الجوع أمر ممكن تحقيقه، لكن متى؟ وكما تقول تقارير “الفاو” وهو ما يشجعها على الاستمرار في دعوتها، تم اتباع “الوسائل التي طبقتها دول تمكنت من خفض عدد الذين يعانون من نقص التغذية منذ التسعينات”، ويؤكده أيضاً تقرير يحمل عنوان “دول بعكس التيار”، جاء فيه أن “16 بلداً بينها أرمينيا والبرازيل ونيجيريا وفيتنام والجزائر ومالاوي وتركيا، نجحت أو تسير في طريق خفض عدد الجائعين بمقدار النصف بحلول 2015”.
هذا يزرع في نفوسنا الكثير من الأمل، لأنه حتى في ظل ارتفاع الأسعار فإن العالم، وكما يصر جوزيه جرازيانو دا سيلفا “مازال بوسعه أن يحقق هدف التنمية للألفية الثانية وهو خفض عدد من يعانون من نقص التغذية في العالم النامي إلى النصف بحلول عام 2015 إذا تعززت الجهود الرامية للإسراع بخطى التقدم المتباطئ”.