قضت إيران أسبوعين من أصعب الأسابيع في تاريخها السياسي، حيث كانا ممتلئين بالأحداث، وبدا ارتباك الدولة الإيرانية جلياً مما جعل أصوات الإنذار والتحذير ترتفع من قبل شخصيات تهمّش دورها بعدما كانت تلعب دوراً أساسياً في بناء دولة الثورة، شخصيات مثل؛ هاشمي رفسنجاني وخاتمي وغيرهما..
الأحداث التي عصفت بإيران أخيراً، تمثلت في حضور أحمدي نجاد في الأمم المتحدة بمرافقة هيئات تضم 160 شخصاً، والمبالغ الباهظة التي صرفت لهذه السفرة وهذا العدد الكبير دون تحقيق أي نتيجة أو إنجاز سياسي ملموس؛ بل على العكس تعرّض مهمانبرست، المتحدث باسم الوزارة الخارجية، للضرب والشتم من قبل المعارضة الإيرانية بالقرب من الأمم المتحدة، وتم شطب اسم منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، التي تعد أكبر تنظيم منسجم معارض للنظام الإيراني، من لائحة المنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية.
في نفس التوقيت اعتقلت السلطات الإيرانية ابني هاشمي رفسنجاني، فائزة ومهدي، إضافة إلى السقوط الخيالي لسعر الريال الإيراني أمام الدولار، واحتجاجات الموظفين في مدينة أصفهان لعدم إعطاء الحكومة رواتبهم عن الشهرين الماضيين، وتحذير وإنذار السيد هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي من الخطر المحدق بالبلاد، كل هذا يدلّ على الفشل الذريع للسياسة الإيرانية غير الشفافة في التعاطي مع أحداث المنطقة والعالم، واتخاذها سياسة الحرب ودعم الإرهاب والهروب إلى الأمام دون الاهتمام بالوضع الداخلي.
وبينما تحدث أحمدي نجاد في الأمم المتحدة وأكدّ على أنّ إيران تريد أن تساهم في إدارة شؤون العالم مع الدول الكبرى!! نجد أن حوالي 70% من الشركات الإيرانية تغلق أبوابها نتيجة للتدهور الاقتصادي، وآلاف الموظفين لم تستطع حكومة أحمدي نجاد دفع رواتبهم، والريال الإيراني يسقط إلى أدنى مستوى في تاريخ العملة الإيرانية.
وتذكر إحدى الصحف الإيرانية أن عشرة ملايين إيراني لا يستطيعون شراء اللحم إلا مرة واحدة في الشهر.. فكيف سيستطيع أحمدي نجاد إدارة العالم حسب مزاعمه وهو في هذه الحالة المزرية؟
الواضح للمواطن الإيراني هو أنّ كل ما نظّم وخُطط له من قبل الحكومة من سياسات وبرامج على أساس لغة التهديد بالحرب والإرهاب بات فاشلاً وغير فعّال، وتدهور الوضع الاقتصادي الإيراني وهروب الآلاف من النخبة الإيرانيين خلال الأشهُر الماضية إن دلّ على شيء فإنما يدلُ على فشل السياسة الداخلية والخارجية وفقدان ثقة الجماهير الإيرانية بهذه الحكومة والنظام بأكمله.
وصول النظام إلى هذه الحالة المزرية والطريق المسدود ليس نتيجة لسياسته التوسعية واللعب على التناقضات الإقليمية والدولية والتلويح بالحرب فحسب؛ إنمّا نتيجة لعدم وجود رؤية واضحة وشفافة من قبل الحكومة الإيرانية بالتعاطي مع العالم بحكمة وعقلانية، والأخذ بعين الاعتبار مصالح الشعب الإيراني. فكل البرامج كانت تهدف للسيطرة مجموعة على كل مقدرات البلد واحتكار السلطة المطلقة دون أي مشاركة للآخرين، فكان خامنئي والحرس يشكلان العمود الفقري لهذا التوجه وتطبيقه على أرض الواقع.
وكان الهدف من وراء كل سياسات التهديد بالحرب والمشاريع الحربية الضخمة؛ مثل المشروع النووي والصاروخي طيلة حكم أحمدي نجاد، هو السيطرة الكاملة على السلطة وطرد المعارضين لهذا التيار. فالمجيء بأحمدي نجاد عبر التزوير وطرد كروبي ومير حسين موسوي وتهميش دور رفسنجاني والبرنامج الاقتصادي الذي سميّ ببرنامج 300 ميليارد تومان، الذي أعلن عنه أحمدي نجاد قبل وصوله إلى رئاسة الجمهورية، كل هذا يأتي في إطار هذا المسعى من قبل المرشد خامنئي وفريقه للانفراد بالسلطة.
لو كانت الحكومة الإيرانية قد أشركت القوى التقدمية في القرار السياسي ولم تنفرد به كما فعلت وأعطت المناصب لمن يستحقونها، أي لأهل الكفاءات، لما وصلت اليوم إلى هذه الحالة المتدهورة على كافة النواحي الاقتصادية والسياسية، الممثلة في العزلة الإقليمية والدولية.
لو كانت حكومة المرشد قد أخذت إرادة الشعب الإيراني بعين الاعتبار وأعطت الحريات للصحافة والإعلام وأشركت الأحزاب السياسية المختلفة، ولم تقمع القوميات ولم تضطهدها، لكان اليوم وضعها أفضل بكثير مما هي عليه الآن.
فتحذير رفسنجاني وخاتمي وتأكيدهما على أنّ البلد تواجه أخطاراً كبيرة، وأنّ الظروف أصعب من كل السنوات الماضية، يدل على أنّ الوضع في إيران لا يطمئن ولا يبشّر بخير في المستقبل القريب.
إيران تواجه احتقاناً داخلياً قل نظيره، خصوصاً في مناطق القومية في الأهواز، المنطقة العربية، وفي أذربيجان، منطقة الأتراك، وفي كردستان وبلوشستان.. إضافة إلى الاحتقان والقمع الذي تشهده المحافظات الأخرى مثل طهران وأصفهان وشيراز ومشهد وغيرها..
في مثل هذه الظروف لا يمكن لإيران أن تخوض حرباً وتخرج منها سالمة، فأيّ هجوم تواجهه إيران سيؤدي إلى الانهيار وعدم السيطرة على الأوضاع الداخلية، خصوصاً أن إيران اليوم تختلف تماماً عن إيران الخميني أيام الحرب العراقية الإيرانية، وخامنئي لم يتمتع لا بالشعبية الجماهيرية التي كانت للخميني ولا بكاريزما الخميني، هذا من جانب، ناهيك عن الاختلافات الموجودة بين أجنحة النظام داخل الهيكلة السياسية.
فاعتقال أبناء رفسنجاني والزجّ بهم في السجن في هذه المرحلة الحساسة ما هو إلا استعداد لمرحلة ما بعد خامنئي من قبل التيّار المتشدد. ويبدو أن هذا التّيار يريد حسم معركة السلطة لصالحه والاستفراد بها، ويعد رفسنجاني الرقم الصعب في مسيرة هذا التيار، ويمكن أن يعرقل لهم المهمة. فهو يختلف معهم في الأسلوب السياسي، كما يختلف معهم في معالجة الملف السوري، فهو أول من احتجّ على موقف الحكومة الإيرانية من الثورة السورية.
لقد صرفت الحكومة الإيرانية 10 مليارات دولار على بشار الأسد بغية إبقائه في السلطة وقمع الثورة، حسب تسريبات من داخل أروقة النظام، لكن دون جدوى، فلم تنجز هذه المليارات شيئاً، فالثورة السورية تتسع رقعتها، وكل المشروع الطائفي الإيراني بات مندحراً ومنكسراً على صخرة هذه الثورة العظيمة، والجميع صار يؤمن بهذه الحقيقة، حيث أصبح عمل حليفهم بشار قتل الأبرياء من خلال القصف بالطائرات الحربية فقط.
وعارض الشعب الإيراني في أكثر من مناسبة الحكومة الإيرانية، خصوصاً في ما يخص التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة والمنطقة، ففي عام 2009 أطلق الشعب الإيراني من خلال مظاهرات احتجاج مليونية شعار “نه غزّه نه لبنان جانم فداي إيران”، ومعناه “لا نريد التدخل في غزة ولا في لبنان.. نريد أن نخدم بلدنا إيران”.
لكن للأسف لم تصغِ الحكومة الإيرانية للاحتجاجات وقمعتها بقسوة، وظلت تقطع من قوت أبناء شعبها لدعم سياسات لا تخدم السلام ولا الأمن في المنطقة، وبذلت الملايين على سوريا، وساهمت في قتل أبناء الشعب السوري الذين يناضلون من أجل الحرية والكرامة ويدافعون ببسالة عن كل الأمة العربية من خلال قطع الطريق على المشروع الطائفي المريض، الذي تحاول إيران من خلاله ابتلاع سوريا بعد ما تغلغلت في لبنان والعراق بشكل مباشر، وقسمّت مجتمع هاتين الدولتين لصالحها، وسلبت قرارهما في السيادة الوطنية عبر جماعاتها.
فنظراً لهذه المعطيات لا أفق يلوح للجمهورية الإسلامية في ظل الظروف الحالية، فالتدهور الاقتصادي والاحتقان نتيجة القمع السياسي والعزلة الإقليمية غير المسبوقة إثر السياسات الخاطئة والتدخلات في شؤون الدول العربية الداخلية، ودعم الإرهاب والعزلة الدولية.
نستطيع بعد عرض ما سبق ذكره أن نستنتج أن النظام الإيراني لم ولن يخرج سالماً من هذه الأزمات، ولم تبقِ هذه المعطيات إلا طريقاً واحداً، هو أن يتراجع النظام عن كل المهاترات والمزايدات ويسلك طريق المصالحة، بتغيير جذري في سياسته الداخلية والخارجية، ويعطي الشعوب حقوقها وينفتح على العالم ويوقف برنامجه السياسي ويغير سياسته الإقليمية، خاصة في ما يخص العراق وسوريا ولبنان والبحرين، وإلا سيكون مصيره أتعس من مصير كثير من الأنظمة التي ذهبت بلا عودة.