في أرض الكنانة، مصر المحروسة، أصدر الرئيس المصري محمد مرسي عدة قرارات طالت هذه المرة إقالة النائب العام والإعلان الدستوري، وكان لهذه القرارات ردود فعل متباينة في الشارع المصري وعلى جميع المستويات. ما يهمنا من هذه الردود هو ما جاء على لسان بعض النخب الثقافية والسياسية، وبالتحديد المعارضة، التي انتقدت تلك القرارات ووصفت الرئيس المصري المنتخب من الشعب بـ»الديكتاتور»، بل ذهب البعض منها إلى وصفه بـ»فرعون مصر الجديد».
أعتقد أن مثل هذه الأوصاف لا تليق برئيس اختاره الشعب عبر صناديق الاقتراع، نقول هذا الكلام سواء نؤيد القرارات التي اتخذها الرئيس مرسي أو لا نؤيدها، وهي في الأخير مسألة قررها الشعب المصري، لكننا نرى أنه قد مارس صلاحياته كرئيس للجمهورية، لكن الجدل الذي أثير حولها فمرده أن تلك القرارات لم تأتِ على هوى المعارضة وتوجهاتها، لذا نجدها تصعد حملتها ضد الرئيس مرسى، حيث وجدت في هذه القرارات فرصتها الذهبية لتحريك الشارع ضده شخصياً وتتهمه بالانفرادية في اتخاذ هذه القرارات.
إن ما فعلته المعارضة المصرية اليوم هو تجسيد لواقع ونموذج للمعارضة العربية عموماً؛ فهي لا تعتبر نفسها جزءاً من النظام السياسي، كما هو الحال في الديمقراطيات العريقة، التي تعمل من أجل بلدانها سواء كانت في السلطة أو خارجها، حيث نجد في هذه الديمقراطيات أن المعارضة توجه أشد الانتقادات للحكومة لكنها في الوقت ذاته لا تعمل على تقويضها والتقليل من شأن رموزها كما فعلت المعارضة المصرية، بل نجدها في أحايين كثيرة وخصوصاً في وقت الأزمات تلتقي مع الحكومة وتجلس مع أعضائها على طاولة واحدة للتباحث حول وضع خطط مشتركة وحلول لتك الأزمات، وهي تنطلق في ذلك من وطنيتها ومسؤوليتها السياسية التي تحتم عليها المشاركة في علاج الأزمات التي تمر بها بلدانها، والأمثلة على ذلك كثيرة، وفي هذا السياق نذكر ما جرى في الولايات المتحدة الأمريكية؛ فبعد فوز الرئيس أوباما بولاية ثانية على منافسه مرشح الحزب الجمهوري ميت رومي لم يتردد الأول في وضع يده بيد الأخير وتعهد أن يجتمع الحزبان المتنافسان من أجل وضع حلول للأزمة المالية التي تواجهها الولايات المتحدة.
هذا النموذج من المعارضة الإيجابية في النظم السياسية الغربية هو الذي نفتقده في الوطن العربي، وحتى في البلدان العربية التي شهدت تغييراً سياسياً بفعل الثورات الشعبية كتونس ومصر، ففي مصر مثلاً لم نشهد تحولاً في الفكر السياسي لدى الغالبية العظمى من قوى المعارضة في هذا البلد، فهي لاتزال تمارس دورها القديم وهو المعارضة من أجل الوصول للسلطة، وكنا نتأمل من القوى السياسية التي أخذت مقاعدها في صفوف المعارضة أن تمارس دورها بإيجابية وتشارك في وضع الاستراتيجيات التي من شأنها مساعدة الرئيس المنتخب في معالجة كل الملفات الاقتصادية والسياسية والحقوقية التي قامت من أجلها الثورة، لكنها للأسف لم تعمل في هذا الاتجاه؛ إذ استغرقت كل وقتها وجهدها في وضع الخطط التي من شأنها شل النظام الذي لم يمر عليه وقت طويل في سدة الحكم من أجل إضعافه وتشويه صورته في عيون الشعب لعل وعسى أن يكون ذلك، حسب تقديرها، الخطوة الأُولى في طريق إزاحته من سدة الرئاسة.
وإذا كان هذا هو حال المعارضة في بلدان «الربيع العربي»، فإن حال المعارضة البحرينية حالة فريدة من نوعها؛ إذ لا يوجد لها شبيه في الوطن العربي، فهي معارضة غير وطنية وطائفية بامتياز، وهذا الكلام ليس فيه مبالغة ولا تجنٍّ على أحد؛ إذ إن الواقع يثبت بالفعل أنها لا تمثل مختلف القوى والتيارات السياسية في الشارع البحريني، حيث لا تضم بين صفوفها سوى طيف سياسي واحد اتخذ من الدين ستاراً ووسيلة يدغدغ بها مشاعر من ينتمي إلى الطائفة الشيعية ويلهب عواطفها من أجل الوقوف خلفه في الوصول إلى غاياته التي كشفتها أحداث فبراير 2011. وهو أيضاً ما نبه إليه عدد من الخبراء والباحثين في الشرق الأوسط والمهتمين بالشأن البحريني.
ومما زاد الطين بلة هو أن هذا الطيف قد ارتبط تاريخه بإحدى القوى الإقليمية التي تتماهى معه في المذهب الديني ووثق علاقته بها وبات يستمع إلى توجيهاتها ويتحرك بأوامرها عبر ممثلها في البحرين، والذي لم يتوانَ هو الآخر في تنفيذ ما يمليه عليه المرشد الأعلى، والعجيب في الأمر أيضاً هو أن ممثلي هذا التيار لم يخجلوا في يوم ما -وفي أكثر مناسبة- عن التعبير عن ولائهم لهذه الدولة الإقليمية، بل إن بعضهم كان يتجنب استخدام صفة العربي في حديثه إذا ما جاء ذكر الخليج العربي خوفاً من غضب هذه القوة التي لا تحبذ هذه التسمية وتستبدلها بكلمة «الفارسي».
من ناحية ثانية، فإن هذه المعارضة قد فقدت شرعيتها بمجرد أنها اختارت طريق العنف سبيلاً للوصول إلى غايتها، وإذا كانت هي تنفي هذه التهمة عنها وتصر على سلمية حراكها؛ فإن كل الأدلة تثبت عكس ذلك، حيث إن الوقائع على الأرض تدل على أنها تحمي الجماعات التي تمارس العنف في الشارع، وكانت ولاتزال تمثل غطاءً لها، ونتيجة لهذا الموقف فهي لم تعلن صراحة إدانتها للعنف مما يجعلها شريكة في ما يحدث في البحرين، بل ويخرجها من دائرة المعارضة الوطنية؛ لأن كل حراكها السياسي ينطلق من مقاربة طائفية وكل مفردات خطابها الإعلامي يعج بمفردات تعبِّر عن «المظلومية» لفئة ولشريحة من المجتمع البحريني.
من هنا يحق لنا عدم تصنيفها ضمن قائمة المعارضة الوطنية التي تعبِّر عن هموم الشعب، فالمعروف في أدبيات المعارضة السياسية أن المعارضة الحقيقية هي التي تبني ولا تهدم، وهي التي تتعاون مع الحكومة في حل الكثير من المشكلات التي تواجهها، وهذه الصفات لا تنطبق عليها، وهو الأمر الذي أدى إلى وصف عدد غير قليل من المراقبين لها بأنها معارضة طائفية، وهو سبب كافٍ لإسقاط لقب المعارضة عنها.
أعتقد أن مثل هذه الأوصاف لا تليق برئيس اختاره الشعب عبر صناديق الاقتراع، نقول هذا الكلام سواء نؤيد القرارات التي اتخذها الرئيس مرسي أو لا نؤيدها، وهي في الأخير مسألة قررها الشعب المصري، لكننا نرى أنه قد مارس صلاحياته كرئيس للجمهورية، لكن الجدل الذي أثير حولها فمرده أن تلك القرارات لم تأتِ على هوى المعارضة وتوجهاتها، لذا نجدها تصعد حملتها ضد الرئيس مرسى، حيث وجدت في هذه القرارات فرصتها الذهبية لتحريك الشارع ضده شخصياً وتتهمه بالانفرادية في اتخاذ هذه القرارات.
إن ما فعلته المعارضة المصرية اليوم هو تجسيد لواقع ونموذج للمعارضة العربية عموماً؛ فهي لا تعتبر نفسها جزءاً من النظام السياسي، كما هو الحال في الديمقراطيات العريقة، التي تعمل من أجل بلدانها سواء كانت في السلطة أو خارجها، حيث نجد في هذه الديمقراطيات أن المعارضة توجه أشد الانتقادات للحكومة لكنها في الوقت ذاته لا تعمل على تقويضها والتقليل من شأن رموزها كما فعلت المعارضة المصرية، بل نجدها في أحايين كثيرة وخصوصاً في وقت الأزمات تلتقي مع الحكومة وتجلس مع أعضائها على طاولة واحدة للتباحث حول وضع خطط مشتركة وحلول لتك الأزمات، وهي تنطلق في ذلك من وطنيتها ومسؤوليتها السياسية التي تحتم عليها المشاركة في علاج الأزمات التي تمر بها بلدانها، والأمثلة على ذلك كثيرة، وفي هذا السياق نذكر ما جرى في الولايات المتحدة الأمريكية؛ فبعد فوز الرئيس أوباما بولاية ثانية على منافسه مرشح الحزب الجمهوري ميت رومي لم يتردد الأول في وضع يده بيد الأخير وتعهد أن يجتمع الحزبان المتنافسان من أجل وضع حلول للأزمة المالية التي تواجهها الولايات المتحدة.
هذا النموذج من المعارضة الإيجابية في النظم السياسية الغربية هو الذي نفتقده في الوطن العربي، وحتى في البلدان العربية التي شهدت تغييراً سياسياً بفعل الثورات الشعبية كتونس ومصر، ففي مصر مثلاً لم نشهد تحولاً في الفكر السياسي لدى الغالبية العظمى من قوى المعارضة في هذا البلد، فهي لاتزال تمارس دورها القديم وهو المعارضة من أجل الوصول للسلطة، وكنا نتأمل من القوى السياسية التي أخذت مقاعدها في صفوف المعارضة أن تمارس دورها بإيجابية وتشارك في وضع الاستراتيجيات التي من شأنها مساعدة الرئيس المنتخب في معالجة كل الملفات الاقتصادية والسياسية والحقوقية التي قامت من أجلها الثورة، لكنها للأسف لم تعمل في هذا الاتجاه؛ إذ استغرقت كل وقتها وجهدها في وضع الخطط التي من شأنها شل النظام الذي لم يمر عليه وقت طويل في سدة الحكم من أجل إضعافه وتشويه صورته في عيون الشعب لعل وعسى أن يكون ذلك، حسب تقديرها، الخطوة الأُولى في طريق إزاحته من سدة الرئاسة.
وإذا كان هذا هو حال المعارضة في بلدان «الربيع العربي»، فإن حال المعارضة البحرينية حالة فريدة من نوعها؛ إذ لا يوجد لها شبيه في الوطن العربي، فهي معارضة غير وطنية وطائفية بامتياز، وهذا الكلام ليس فيه مبالغة ولا تجنٍّ على أحد؛ إذ إن الواقع يثبت بالفعل أنها لا تمثل مختلف القوى والتيارات السياسية في الشارع البحريني، حيث لا تضم بين صفوفها سوى طيف سياسي واحد اتخذ من الدين ستاراً ووسيلة يدغدغ بها مشاعر من ينتمي إلى الطائفة الشيعية ويلهب عواطفها من أجل الوقوف خلفه في الوصول إلى غاياته التي كشفتها أحداث فبراير 2011. وهو أيضاً ما نبه إليه عدد من الخبراء والباحثين في الشرق الأوسط والمهتمين بالشأن البحريني.
ومما زاد الطين بلة هو أن هذا الطيف قد ارتبط تاريخه بإحدى القوى الإقليمية التي تتماهى معه في المذهب الديني ووثق علاقته بها وبات يستمع إلى توجيهاتها ويتحرك بأوامرها عبر ممثلها في البحرين، والذي لم يتوانَ هو الآخر في تنفيذ ما يمليه عليه المرشد الأعلى، والعجيب في الأمر أيضاً هو أن ممثلي هذا التيار لم يخجلوا في يوم ما -وفي أكثر مناسبة- عن التعبير عن ولائهم لهذه الدولة الإقليمية، بل إن بعضهم كان يتجنب استخدام صفة العربي في حديثه إذا ما جاء ذكر الخليج العربي خوفاً من غضب هذه القوة التي لا تحبذ هذه التسمية وتستبدلها بكلمة «الفارسي».
من ناحية ثانية، فإن هذه المعارضة قد فقدت شرعيتها بمجرد أنها اختارت طريق العنف سبيلاً للوصول إلى غايتها، وإذا كانت هي تنفي هذه التهمة عنها وتصر على سلمية حراكها؛ فإن كل الأدلة تثبت عكس ذلك، حيث إن الوقائع على الأرض تدل على أنها تحمي الجماعات التي تمارس العنف في الشارع، وكانت ولاتزال تمثل غطاءً لها، ونتيجة لهذا الموقف فهي لم تعلن صراحة إدانتها للعنف مما يجعلها شريكة في ما يحدث في البحرين، بل ويخرجها من دائرة المعارضة الوطنية؛ لأن كل حراكها السياسي ينطلق من مقاربة طائفية وكل مفردات خطابها الإعلامي يعج بمفردات تعبِّر عن «المظلومية» لفئة ولشريحة من المجتمع البحريني.
من هنا يحق لنا عدم تصنيفها ضمن قائمة المعارضة الوطنية التي تعبِّر عن هموم الشعب، فالمعروف في أدبيات المعارضة السياسية أن المعارضة الحقيقية هي التي تبني ولا تهدم، وهي التي تتعاون مع الحكومة في حل الكثير من المشكلات التي تواجهها، وهذه الصفات لا تنطبق عليها، وهو الأمر الذي أدى إلى وصف عدد غير قليل من المراقبين لها بأنها معارضة طائفية، وهو سبب كافٍ لإسقاط لقب المعارضة عنها.