المحكمة تحكم على آسيوي بدفع غرامة قيمتها دينار واحد بعد أن تم حبسه 20 يوماً على ذمة قضية اتهم فيها بـ«الشروع» في سرقة ثلاث حبات (نكرر.. نكرر.. ثلاث حبات) من فاكهة الكنار سقطت من شجرة في مزرعة بباربار. وبحسب الخبر فإن المزرعة «لا يحدها سور»، وإن الحبات الثلاث كانت على الأرض وإن الآسيوي المتهم لم يستلم راتبه عن عمله كصياد لمدة 25 يوماً وكان في حالة جوع.
عموماً الحكم في القضية صدر لأن صاحب المزرعة لم يتنازل (نكرر.. نكرر.. لم يتنازل) عن حقه وطالب بتطبيق القانون، رغم أن أي محامٍ شاطر كان يمكنه أن يخرج المتهم ببراءة باعتبار أن المزرعة لا يحدها سور وأن حبات الكنار كانت على الأرض.
هذه القضية أصبحت حديث تندر في الشارع البحريني، لا اعتراض على القضاء ولا تقليل من مكانته، بل باعتبارات ربطها بواقع قضايا عديدة كان يفترض التعامل معها بنفس طريقة التعامل مع قضية «سرقة الكنار» هذا إن جاز لنا تسميتها سرقة أصلاً!
اليوم يتحدث كثيرون عن أن عقوبة سرقة الكنار في البحرين تبدأ من غرامة دينار واحد مع حبس على ذمة القضية لمدة ثلاثة أسابيع، هذا لثلاثة حبات كنار، أما إذا زاد العدد فربما تكون العقوبة أكبر.
المفارقة أن من يعرف الموضوع دون أية خلفيات عن البحرين، سيندهش بل وسيضرب بالبحرين مثلاً في العدالة والإنصاف وتطبيق القانون، ولن نلومه إن قال إن بلداً يحاكم فيه سارق ثلاث حبات كنار حتى وإن كانت على الأرض ساقطة من شجرة في مزرعة لا يحدها سور. بالتأكيد يحاكم فيها كل شخص يتورط في قضايا سرقات أو جرائم أو جنح، ولو كان الشخص مصرياً فبالتأكيد سيقول «القانون في البحرين ما يخرش الميه، وما فيش يمه ارحميني»!
لكن الصدمة هنا، وهي ما أثار حفيظة الناس وعبروا عنها بردود فعل عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، بأن هذه الحادثة يصدر فيها حكم سريع، ويحبس فيها المتهم على ذمة التحقيق، ويصر صاحب الحق على أخذ حقه وعدم التنازل عن تطبيق القانون، في وقت ينتظر فيه الناس ومازالت شهوراً طويلة لإصدار أحكام بحق جرائم استهدفت «سرقة بلد بأكمله»، وفي وقت ترى فيه الناس أن ممارسي التحريض والتخريب والإرهاب دون رادع أو أقلها مساءلة وفق القانون.. طليقين يسرحون ويمرحون! وبالتالي لا تلوموا الناس إن اتخذوا من قضية الكنار مادة للتندر.
في سياق متصل، سيتندر الناس بالضرورة بشأن قضية الكنار، بل سيصلون في التندر إلى درجة «الهستيريا»، إذ في الوقت الذي تحاسب فيه سارق ثلاث حبات كنار، تضج تقارير الرقابة المالية بمعلومات تفيد بوجود استهتار وفساد مالي وإداري معني بهدر وبعثرة ملايين الدنانير، ولا حساب ولا عقاب. في وقت نحاسب فيه سارق ثلاث حبات في المجتمع البحريني ألا يوجد أناس مارسوا بحكم مواقعهم ومناصبهم أشنع صنوف الفساد الذي يفسر على أنه «بوق عيني عينك» من المال العام؟! المشكلة أن الناس لم تسمع بمحاسبة أحد منهم أو الحكم عليه، لكنها سمعت عن سارق حبات الكنار الثلاث.
لا تلوموا الناس إن قالوا إن سرقة الكنار في مملكة البحرين جريمة أخطر من سرقة ملايين وهدر مليارات. لا تلوموهم لو تساءلوا باعتبار أن قضية الكنار فيها تطبيق وإحقاق للحق والعدالة عبر القانون، لا تلوموهم إن تساءلوا عن «اختفاء» القانون في القضايا الأكبر والأخطر، وطن بالكامل كاد يسرق ومازال سراقه في حماية عن القانون.
لا تلوموا الناس لو تساءلوا إن كان سارق الكنارات الثلاث «ولد حمولة» أو ناشط متمتع بدعم جهات قادرة على ممارسة الضغط أو كان هاموراً كبيراً، هل سيصر صاحب المزرعة على تطبيق القانون، بل هل سيطبق القانون أصلاً، أم ستقيد القضية ضد مجهول، أو يتم حلها بالتراضي، إلا ثلاث كنارات وطايحين على الأرض، «إشصار» يعني؟!
للأسف هذا الانطباع الذي يترسخ في أذهان الناس حينما يبدؤون المقارنة بين مثل هذه القضايا، في ظل تزايد تساؤلاتهم بشأن عدم تطبيق القانون بسرعة وفاعلية على من جرائم واضحة وضوح الشمس، وعلى حالات فساد توثق وتكشف وتنشر بطريقة توحي بأننا نحتفل بتحقيق إنجاز تاريخي لا نشر «غسيل متسخ» وجد بسبب غياب المحاسبة واستمرار الفساد.
وفق هذا السياق نقول للمواطن: لا تنقهر، اسرق «شعاد»، ملايين أو مليارات، أراضي، سيارات، صوت الناس وإرادتهم، حتى الدولة يصير تنباق أو تسرق، بس أهم شيء لا تفكر أبداً أبداً أبداً أن «تبوق» الكنار!