لقد شهد أواخر القرن العشرين بروز ظاهرتين بالغتي الخطورة والأهمية هما الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة المرشد الأعلى الإيراني آية الله الخميني واتجاهه لتصدير الثورة، وفي مقابل ذلك، أو بموازاته صعود الإسلام السلفي مستفيداً من طفرة النفط، ومن التدخل السوفييتي في أفغانستان، ومن رفع مفهوم الجهاد ضد الكفار.
وإذا كان الصراع على المنطقة العربية آنذاك هو صراع مصيري بين قوتين رئيستين الأولى هي الاتحاد السوفييتي وكتلته الاشتراكية ضد الولايات المتحدة وكتلتها الرأسمالية، فإن القوة الثانية كانت إسرائيل الصهيونية ضد الفلسطينيين وفي قلب الصراع بشقيه القومية العربية والتحرر السياسي، وبناء نموذج عربي للديمقراطية يأخذ في الحسبان التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
ومع اشتداد الصراع بين الأطراف، وبروز الضعف العربي بعد هزيمة يونيو عام 1967، أصبحت المنطقة العربية أرضاً للصراع، وتم تهميشها بصراع سياسي وفكري بين مفاهيم الرفض والممانعة والصمود والتصدي مقابل مفهوم السلام العربي الإسرائيلي كخيار استراتيجي، وإذا أسفر المفهوم الثاني عن تحرير الأرض المصرية في سيناء، مع ضوابط للتواجد العسكري المصري، فإن المفهوم الأول أسفر عن خيبة أمل كبيرة فلم يحدث صمود أو تصد بل خضعت معظم دول ذلك المعسكر لديكتاتورية خطيرة، ودخلت في صراع جديد بين مفهومي تصدير الثورة الإيراني والجهادية العربية، والفكر القومي البعثي ضيق الأفق في ممارسته حيث ساد الصراع بين بعث العراق وبعث سوريا، مما أضعف تلك الدول جميعاً، رغم ثرواتها، وجعلها فريسة للفكر الطائفي السياسي، حتى أنه أصبح من المفارقة أن تتحول الأحزاب اليسارية والقومية والبعثية في الخليج العربي إلى الاحتماء في الفكر الطائفي، والممارسات الطائفية تحت عباءة الإصلاح والديمقراطية لمراكز الأبحاث الأمريكية، وتحتمي سوريا البعثية القومية في إيران الإسلامية وتقع العراق بعد تحررها من صدام حسين على يد الولايات المتحدة فريسة للتوسع الإيراني الطائفي وهكذا اجتمعت المتناقضات كما عبر عنها الفيلسوف الألماني هيجل وليس كما عبر عنها المفكر الألماني كارل ماركس، وولدت لنا طائفية جديدة في المشرق العربي تحت اسم الديمقراطية، ثم مع ثورات الفوضى الخلاقة التي دعت إليها البروفسورة كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة حيث انطلقت تلك الثورات من تونس ومصر وامتدت إلى ليبيا ظهرت طائفية جديدة محافظة لم تكن معروفة في شمال أفريقيا من قبل. وهنا يثار التساؤل: هل نحن في حاجة إلى أطروحة جديدة ومحورها ضرورة الدعوة لوجود صحوة ديمقراطية حقيقية في ظل إسلام سليم، يعتمد ممارسات النبي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، عندما قام بالمآخاة بين الأوس والخزرج ثم بين الأنصار والمهاجرين، ثم بعد الهجرة إلى يثرب عندما أطلق صحيفة المدينة، ليبرز مفهوم الوطنية والمواطنة المتساوية والمتكاملة لأهل المدينة المنورة حاضنة أول دولة إسلامية على أساس التسامح والاعتدال والمساواة والعدالة. ويبدو أننا الآن على أعتاب مرحلة جديدة من الصراع الطائفي السياسي في الشرق الأوسط والمنطقة العربية شرقها وغربها نتيجة مفاهيم الإسلام السياسي وما تولد منه من فكر سياسي وطائفي عقيم، يؤدي بنا إلى صراع مثل حرب داحس والغبراء التي امتدت 30 عاماً حتى عاد العرب إلى رشدهم، وحرب البروتستانت والكاثوليك في أوروبا والتي امتدت 30 عاماً حتى صلح واتفاقيات وستفاليا عام 1648، وتنحية المفهوم الديني، وسيطرة بابا الفاتيكان على الأنظمة السياسية المدنية، التي كانت تعتمد مفهوم سيادة الكاثوليكية الذي ساد في العصور الوسطى، وتدخل الكنيسة في تنصيب الملوك، ومنح صكوك الغفران.
للأسف في العالم الإسلامي اليوم، نعيش عصر صكوك الغفران الإسلامية من كلا الطائفتين السنية والشيعية حيث المرجع الأعلى أو المرشد الأعلى بصلاحيات مطلقة أو شبه مطلقة وحصانة لذاته وتحصين لقراراته، بحيث لا معقب على قراراته حتى من كبار العلماء والمرجعيات الذين لا تقل مكانتهم عن مكانته.
هل يجب على المفكرين والأكاديميين وذوي الاتجاه العقلاني، أن يطلقوا لنا صيحة جديدة بعنوان “وامحمداه” للعودة للإسلام بصورته الصحيحة، أو التي أطلق عليها مفكر ذو خلفية إسلامية وهو الدكتور محمد سليم العوا في أحد مؤلفاته “إسلام بلا مذاهب” هذا لا يعني التخلي عن المذاهب الدينية، فهذه جميعاً اجتهادات للفقهاء لها احترامها ومكانتها، ولكن يجب أن تقتصر على العبادة وما يرتبط بها من شعائر، وينبغي أن تبتعد عن خلط الدين بالسياسة أو السياسة بالدين، فلكل منهما مجاله وممارسته، التي تختلف عن الآخر. السياسة نسبية وخلافية وصراعية وتداولية، وهي مجال بشري، أما الدين فهو ذو صبغة ومصدر إلهي كلي مطلق مقدس في أساسياته، وليس في اجتهادات الفقهاء الذين كما ورد في أطروحات العلماء السابقين “كل إنسان يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم”، ومع ذلك فإن أصول الفكر الإسلامي الصحيح في القرآن الكريم لا تعطي الكمال المطلق للرسول كما في قول الله تعالى “قل إنما أنا بشر مثلكم” فالرسول بشر مثل سائر البشر وتميزه وعصمته فيما يبلغ عن ربه من قرآن: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، وما لدى المسلمين بعد ذلك من أحاديث نبوية لها مصداقيتها، وفقاً لدقة الروايات الشكلية والمضمون الموضوعي لمعانيها، ومدى تماثله مع القرآن الكريم.
إن آراء الفقهاء الكرام والعلماء الأفاضل لها اعتبارها، ولكنها تتغير بتغير الأماكن والأزمان والظروف والملابسات، وأكد ذلك النبي الكريم بقوله لمعاذ بن جبل عندما أرسله إلى اليمن عندما قال “بماذا تحكم؟ فقال معاذ أحكم لهم بما أنزله الله، فإن لم أجد فبما قال الرسول، فإن لم أجد فإنني أجتهد” فأقره النبي على ذلك. وأيضاً في قوله صلى الله عليه وسلم: “أنتم أعلم بشؤون دنياكم”، وفي آيات القرآن الكريم الدعوة للعلم والتفكر والتأمل في خلق الإنسان وخلق السموات والأرض وسائر الكائنات. إن إعمال العقل لدى المسلمين هو الكفيل بالخروج من التخلف الراهن، وتحقيق التقدم، وإعمال للعقل والاستدلال المنطقي في المستجدات، هو الوسيلة السليمة للتعامل والتوفيق بين العقل والنص، والوصول للرأي الديني السليم، كما قال الإمام أبوحنيفة النعمان رحمه الله “نحن رجال وهم رجال”، وكما قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه “لا تجبروا أولادكم أن يكونوا مثلكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم”. ولست في حاجة لتأكيد أن صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان مرهونة بالتفسير العقلي والعقلاني المتجدد للنصوص الإسلامية، وعدم الانغلاق في تفسير واحد، وكذلك في عدم إخضاع السياسي للفكر الديني، مع الاحترام الكامل لأصول ومبادئ الشريعة الغراء، كما وردت في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وليس وفقاً لاجتهادات الفقهاء.
إن ذكرى المولد النبوي التي هلت علينا منذ فترة قريبة تجعلنا ندعو لإعادة التفكير في مواقفنا وخلافاتنا وصراعاتنا، ونردد قوله صلى الله عليه وسلم لقبيلتي الأوس والخزرج عندما تشاحنتا ذات يوم وعلم النبي بذلك فقال لهما “أجاهلية وأنا بين ظهرانيكم”، وقوله “ليس منا من دعا إلى جاهلية”. إنني أعتقد أن الفكر الطائفي السياسي هو دعوة حديثة للسلوكيات الجاهلية، وأدعو الله أن يهدينا جميعاً إلى سواء السبيل، حتى يمكننا حقن دماء المسلمين بطوائفهم المختلفة، والتعايش في سلام داخل أوطاننا بين جميع الطوائف والعقائد والأديان حتى لا ننساق في حرب داحس والغبراء في القرن الحادي والعشرين، ويزداد تهميشنا ويعاد احتلالنا، ويستمر نهب مواردنا وثرواتنا، وضياع ثقافتنا وعقيدتنا السمحة الغراء.
وأعتقد أن العلماء ومنهم رجال الدين الحكماء الذين وصفوا بأنهم “ورثة الأنبياء” عليهم مسؤولية كبرى في الاضطلاع بهذه المهمة العظيمة التي جاء بها الإسلام، باعتباره دعوة للتسامح والاعتدال والصفح والغفران، وباعتباره دعوة للبناء والإنشاء والعمران، وباعتباره دعوة لتحرير البشرية من عبادة الأوثان سواء الأصنام الحجرية أو الأصنام البشرية، والعودة لمفهوم الوحدانية الإسلامية الصافية التي لا شرك صريح أو خفي فيها، والله أعلم بالصواب وهو المستعان ومنه التوفيق
وإذا كان الصراع على المنطقة العربية آنذاك هو صراع مصيري بين قوتين رئيستين الأولى هي الاتحاد السوفييتي وكتلته الاشتراكية ضد الولايات المتحدة وكتلتها الرأسمالية، فإن القوة الثانية كانت إسرائيل الصهيونية ضد الفلسطينيين وفي قلب الصراع بشقيه القومية العربية والتحرر السياسي، وبناء نموذج عربي للديمقراطية يأخذ في الحسبان التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
ومع اشتداد الصراع بين الأطراف، وبروز الضعف العربي بعد هزيمة يونيو عام 1967، أصبحت المنطقة العربية أرضاً للصراع، وتم تهميشها بصراع سياسي وفكري بين مفاهيم الرفض والممانعة والصمود والتصدي مقابل مفهوم السلام العربي الإسرائيلي كخيار استراتيجي، وإذا أسفر المفهوم الثاني عن تحرير الأرض المصرية في سيناء، مع ضوابط للتواجد العسكري المصري، فإن المفهوم الأول أسفر عن خيبة أمل كبيرة فلم يحدث صمود أو تصد بل خضعت معظم دول ذلك المعسكر لديكتاتورية خطيرة، ودخلت في صراع جديد بين مفهومي تصدير الثورة الإيراني والجهادية العربية، والفكر القومي البعثي ضيق الأفق في ممارسته حيث ساد الصراع بين بعث العراق وبعث سوريا، مما أضعف تلك الدول جميعاً، رغم ثرواتها، وجعلها فريسة للفكر الطائفي السياسي، حتى أنه أصبح من المفارقة أن تتحول الأحزاب اليسارية والقومية والبعثية في الخليج العربي إلى الاحتماء في الفكر الطائفي، والممارسات الطائفية تحت عباءة الإصلاح والديمقراطية لمراكز الأبحاث الأمريكية، وتحتمي سوريا البعثية القومية في إيران الإسلامية وتقع العراق بعد تحررها من صدام حسين على يد الولايات المتحدة فريسة للتوسع الإيراني الطائفي وهكذا اجتمعت المتناقضات كما عبر عنها الفيلسوف الألماني هيجل وليس كما عبر عنها المفكر الألماني كارل ماركس، وولدت لنا طائفية جديدة في المشرق العربي تحت اسم الديمقراطية، ثم مع ثورات الفوضى الخلاقة التي دعت إليها البروفسورة كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة حيث انطلقت تلك الثورات من تونس ومصر وامتدت إلى ليبيا ظهرت طائفية جديدة محافظة لم تكن معروفة في شمال أفريقيا من قبل. وهنا يثار التساؤل: هل نحن في حاجة إلى أطروحة جديدة ومحورها ضرورة الدعوة لوجود صحوة ديمقراطية حقيقية في ظل إسلام سليم، يعتمد ممارسات النبي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، عندما قام بالمآخاة بين الأوس والخزرج ثم بين الأنصار والمهاجرين، ثم بعد الهجرة إلى يثرب عندما أطلق صحيفة المدينة، ليبرز مفهوم الوطنية والمواطنة المتساوية والمتكاملة لأهل المدينة المنورة حاضنة أول دولة إسلامية على أساس التسامح والاعتدال والمساواة والعدالة. ويبدو أننا الآن على أعتاب مرحلة جديدة من الصراع الطائفي السياسي في الشرق الأوسط والمنطقة العربية شرقها وغربها نتيجة مفاهيم الإسلام السياسي وما تولد منه من فكر سياسي وطائفي عقيم، يؤدي بنا إلى صراع مثل حرب داحس والغبراء التي امتدت 30 عاماً حتى عاد العرب إلى رشدهم، وحرب البروتستانت والكاثوليك في أوروبا والتي امتدت 30 عاماً حتى صلح واتفاقيات وستفاليا عام 1648، وتنحية المفهوم الديني، وسيطرة بابا الفاتيكان على الأنظمة السياسية المدنية، التي كانت تعتمد مفهوم سيادة الكاثوليكية الذي ساد في العصور الوسطى، وتدخل الكنيسة في تنصيب الملوك، ومنح صكوك الغفران.
للأسف في العالم الإسلامي اليوم، نعيش عصر صكوك الغفران الإسلامية من كلا الطائفتين السنية والشيعية حيث المرجع الأعلى أو المرشد الأعلى بصلاحيات مطلقة أو شبه مطلقة وحصانة لذاته وتحصين لقراراته، بحيث لا معقب على قراراته حتى من كبار العلماء والمرجعيات الذين لا تقل مكانتهم عن مكانته.
هل يجب على المفكرين والأكاديميين وذوي الاتجاه العقلاني، أن يطلقوا لنا صيحة جديدة بعنوان “وامحمداه” للعودة للإسلام بصورته الصحيحة، أو التي أطلق عليها مفكر ذو خلفية إسلامية وهو الدكتور محمد سليم العوا في أحد مؤلفاته “إسلام بلا مذاهب” هذا لا يعني التخلي عن المذاهب الدينية، فهذه جميعاً اجتهادات للفقهاء لها احترامها ومكانتها، ولكن يجب أن تقتصر على العبادة وما يرتبط بها من شعائر، وينبغي أن تبتعد عن خلط الدين بالسياسة أو السياسة بالدين، فلكل منهما مجاله وممارسته، التي تختلف عن الآخر. السياسة نسبية وخلافية وصراعية وتداولية، وهي مجال بشري، أما الدين فهو ذو صبغة ومصدر إلهي كلي مطلق مقدس في أساسياته، وليس في اجتهادات الفقهاء الذين كما ورد في أطروحات العلماء السابقين “كل إنسان يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم”، ومع ذلك فإن أصول الفكر الإسلامي الصحيح في القرآن الكريم لا تعطي الكمال المطلق للرسول كما في قول الله تعالى “قل إنما أنا بشر مثلكم” فالرسول بشر مثل سائر البشر وتميزه وعصمته فيما يبلغ عن ربه من قرآن: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، وما لدى المسلمين بعد ذلك من أحاديث نبوية لها مصداقيتها، وفقاً لدقة الروايات الشكلية والمضمون الموضوعي لمعانيها، ومدى تماثله مع القرآن الكريم.
إن آراء الفقهاء الكرام والعلماء الأفاضل لها اعتبارها، ولكنها تتغير بتغير الأماكن والأزمان والظروف والملابسات، وأكد ذلك النبي الكريم بقوله لمعاذ بن جبل عندما أرسله إلى اليمن عندما قال “بماذا تحكم؟ فقال معاذ أحكم لهم بما أنزله الله، فإن لم أجد فبما قال الرسول، فإن لم أجد فإنني أجتهد” فأقره النبي على ذلك. وأيضاً في قوله صلى الله عليه وسلم: “أنتم أعلم بشؤون دنياكم”، وفي آيات القرآن الكريم الدعوة للعلم والتفكر والتأمل في خلق الإنسان وخلق السموات والأرض وسائر الكائنات. إن إعمال العقل لدى المسلمين هو الكفيل بالخروج من التخلف الراهن، وتحقيق التقدم، وإعمال للعقل والاستدلال المنطقي في المستجدات، هو الوسيلة السليمة للتعامل والتوفيق بين العقل والنص، والوصول للرأي الديني السليم، كما قال الإمام أبوحنيفة النعمان رحمه الله “نحن رجال وهم رجال”، وكما قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه “لا تجبروا أولادكم أن يكونوا مثلكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم”. ولست في حاجة لتأكيد أن صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان مرهونة بالتفسير العقلي والعقلاني المتجدد للنصوص الإسلامية، وعدم الانغلاق في تفسير واحد، وكذلك في عدم إخضاع السياسي للفكر الديني، مع الاحترام الكامل لأصول ومبادئ الشريعة الغراء، كما وردت في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وليس وفقاً لاجتهادات الفقهاء.
إن ذكرى المولد النبوي التي هلت علينا منذ فترة قريبة تجعلنا ندعو لإعادة التفكير في مواقفنا وخلافاتنا وصراعاتنا، ونردد قوله صلى الله عليه وسلم لقبيلتي الأوس والخزرج عندما تشاحنتا ذات يوم وعلم النبي بذلك فقال لهما “أجاهلية وأنا بين ظهرانيكم”، وقوله “ليس منا من دعا إلى جاهلية”. إنني أعتقد أن الفكر الطائفي السياسي هو دعوة حديثة للسلوكيات الجاهلية، وأدعو الله أن يهدينا جميعاً إلى سواء السبيل، حتى يمكننا حقن دماء المسلمين بطوائفهم المختلفة، والتعايش في سلام داخل أوطاننا بين جميع الطوائف والعقائد والأديان حتى لا ننساق في حرب داحس والغبراء في القرن الحادي والعشرين، ويزداد تهميشنا ويعاد احتلالنا، ويستمر نهب مواردنا وثرواتنا، وضياع ثقافتنا وعقيدتنا السمحة الغراء.
وأعتقد أن العلماء ومنهم رجال الدين الحكماء الذين وصفوا بأنهم “ورثة الأنبياء” عليهم مسؤولية كبرى في الاضطلاع بهذه المهمة العظيمة التي جاء بها الإسلام، باعتباره دعوة للتسامح والاعتدال والصفح والغفران، وباعتباره دعوة للبناء والإنشاء والعمران، وباعتباره دعوة لتحرير البشرية من عبادة الأوثان سواء الأصنام الحجرية أو الأصنام البشرية، والعودة لمفهوم الوحدانية الإسلامية الصافية التي لا شرك صريح أو خفي فيها، والله أعلم بالصواب وهو المستعان ومنه التوفيق