لو خرج المجتمعون في الحوار بالتوافق الوطني على هذا المبدأ فقط فإن البحرين بخير وسننتقل إلى حقبة جديدة.
لو توافق المجتمعون على تثبيت دور المؤسسات والقانون في إدارة الخلافات السياسية بين أي طرف من الأطراف، وإن وقع الخلاف بين الحكم وبين أي طرف سياسي - سواء كان فرداً أو كان حزباً - أو بين القوى السياسية بعضها البعض أن يبقى هذا الخلاف ضمن المؤسسات ويدار من خلالها بآلية قانونية دستورية، نطالب أن يلتزم الجميع بالمرجعيات القانونية في حل هذه الخلافات، وأن يثبت حكم القانون والمؤسسات القضائية والتشريعية، وطالما نملك المؤسسات فلا يسمح بعد اليوم بغوغائية وعنف وإرهاب وابتزاز أي من القوى السياسية للمساومة على أمن المجتمع من أجل تحقيق أي مطلب سياسي، ولا يسمح تحت أي مسمى لأي جماعة بتهديد أمن المواطنين بحجة «المطالب» أو»الحقوق»، فتلك الممارسات الإرهابية لا هي خلاقة ولا هي ربيع ولو ناصرتها أمريكا أو بريطانيا، تلك فوضى وعنف وتهديد لمصالح العباد.
لذلك نطالب الجميع أن يتوافقوا على التالي، أن تعالج تلك الممارسات العنيفة الإرهابية من خلال القانون الذي يجب أن يأخذ مجراه دون تدخل من الحكم بالعفو، ودون تدخل بالطبع من أي قوى أجنبية، ودون تسويق لها ودعم لوجستي ومظلة حماية من أي من القوى السياسية.
لنأخذ بريطانيا مثالاً حين واجه المجتمع البريطاني عنف الشارع، هنا وقفت كل القوى السياسية في صف الحكومة البريطانية لمواجهة عنف الشارع، فالأمن أرضية مشتركة يجب أن يقف عليها الجميع، ورجال الأمن ليسوا أهدافاً حتى يستهدفون بالمولوتوف والحجارة وتبرر القوى السياسية استهدافهم بخطابها ومصطلحاتها وبحماية والدفاع عن مستهدفيهم، رجاء اكبروا على زمن العمل السري وأدبيات «التحرير».
وثيقة «اللاعنف» ووثيقة «اللا بطيخ» هذه وثائق تبلونها جميعاً وتشربون ماءها، بعد أن تتصدر القوى السياسية بنفسها حملات انتهاك الضوابط القانونية بادعاء أن حقوقها مطلقة في اختيار المكان والزمان، فذلك أبو العنف وأوله وآخره.
القوى السياسية تتصدر العنف أيضاً حين تلتزم بالدفاع عن حملة المولوتوف وقطع الطرق وحملة الأسياخ وصانعي المتفجرات والقنابل.
القوى السياسية تتصدر العنف حين تنكر الجرائم التي ارتكبت والضحايا الذين سقطوا، ما أفعل بوثيقتكم وأنتم تدعون ليل نهار لتهديد أمن الشارع وأمن الناس؟.
الالتزام بالضوابط القانونية وحده وثيقتنا، ووحده أرضيتنا المشتركة ووحده الجامع بيننا كأصحاب مصالح وجماعات ومذاهب وأعراق مختلفة تعيش على أرض واحدة، وإن كان القانون جائراً أو به خلل فدونكم آليات تعديله.
ضوابط قانون المسيرات وقانون التعبير وقانون ممارسة الحقوق السياسية هي لحماية حقوق الناس ومصالحهم وأمنهم، خاصة أن تلك المصالح تتقاطع وتتضارب مع بعضها البعض في بلد واحد، الضوابط القانونية ليست إهداراً لحقك، إنما هي حماية لحقي، وإخلالك بها تهديد لي وترويع لي ومن واجب الدولة أن تحمي الجميع.
وقوفك الإجباري عند الإشارة الحمراء في الطريق ليس قمعاً لحقك في السير بالشارع العام، لكنه حماية لي حين أسير معك في نفس الشارع، هذا مبدأ قانوني ومسلمة من المسلمات، ليست هناك حقوق مطلقة، لكل حق ضوابط وما يجمعنا على هذه الأرض احترامي واحترامك لهذه الضوابط أثناء ممارسة حقوقنا، سواء أعجبتني تلك الضوابط أم لم تعجبني. هذا أول مطلب لي في الحوار، إن خرجتم بدون التوافق على هذا المطلب فإن كل ما ستتفقون عليه سيهدم عبر استخدام الشارع بالعنف وبالإرهاب وستهدد كل فئة الأخرى وسيفتح الطريق لهدم أسس الدولة وإن عدتم عدنا وهكذا دواليك ولن نهدأ، فإن خرجت فئة منتصرة عبر الابتزاز والتهديد فإن الفئة الأخرى لها الحق في استخدام ذات الآلية.
هذا أول المطالب الذي نريد استدامته ونريد حكمه، هذا المطلب ليس ترفاً وليس مطلباً ثانوياً إنما هو مصير لوجود أو عدم وجود الدولة، ووجود أو عدم وجود المجتمع المدني ومصير ووجود دولة المؤسسات والقانون وتثبيت الدولة رهن بتثبيت مؤسساتها وقانونها.
من بعدها نستطيع أن نأمن على حياتنا ومصالحنا حتى لو ظل الخلاف قائماً بين القوى السياسية وبعضها البعض، أو بين إحدى القوى السياسية والحكم، ولم يحل الحوار القادم الملفات العالقة، إلا أن المجتمع البحريني سيفتح باب التوافق الوطني على أرضية مشتركة متوافق عليها وهي الأهم وهي الأمن المشترك، هي الإقرار بالدولة القائمة على هذا النسيج المختلف والمتعدد المصالح، وذلك ليس عيباً ولا ينتقص من الدولة.
لا يضير المختلفين مع الوفاق أن تظل تنادي كمجموعة بمطالبها وتتمسك بها طالما أن عملها السياسي لا يتقاطع ولا يهدد أمن المجتمع البحريني ولا يعطل مصالحه، فإن بقي الاختلاف ولم تخرج الوفاق «منتصرة» فلا أقل أن تخرج البحرين منتصرة آمنة.
التوافق عليه يتطلب فتح صفحة جديدة من العمل السياسي المحترف المهني في مجتمع متعدد الاتجاهات لا يمكن لأي قوى سياسية أن تحتكر التمثيل الشعبي بالقوة والعنف، لنقر أن البحرين ليست نسيجاً واحداً، والتوافق على الالتزام بالضوابط القانونية يحفظ حق أي جماعة لتعبر وتعمل على تحقيق مطالبها دونما تهديد وابتزاز للجماعات الأخرى.
الالتزام بالضوابط القانونية ينقل العمل السياسي من العمل الغوغائي الذي يعتمد على وقود المراهقين وقطاع الطرق إلى العمل السياسي الذي يسعى للحصول على تأييد لأفكاره عبر الإقناع والتحالفات وعبر نشر الأفكار، لا عبر الابتزاز والتهديد وقطع الطريق واستهداف المارة ورجال الأمن.
قد لا تتحقق مطالب القوى السياسية اليوم ولكن سيتحقق ما هو أهم منها وهو الأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، لو خرج المجتمعون من هذا الحوار بهذا المكسب فحسب لنجحت البحرين وانتصرت.