في مثل هذه الأيام كانت ساحات «شارع الفاتح» تضج بالحركة، وكان الجدل ثائراً حول تشكيل مجموعة من الشباب لحركة ما سُمي وقتها بشباب «صحوة الفاتح»، ورافق تشكيل «الصحوة» ترويج إعلامي وجماهيري كبير مفاده أن «شباب الصحوة» سيكونون أمل البحرين ومستقبلها، وتفاءلنا واستبشرنا خيراً، ودعمنا «الصحوة»، كما دعمنا كل حراك شبابي يسعى إلى تأسيس حركات وجمعيات تشارك في العمل السياسي والحقوقي والثقافي في البحرين أملاً في أن يكون للشباب تأثير إيجابي على الحراك السياسي والثقافي العام.
كان أول ظهور لحركة شباب «صحوة الفاتح» مع تزايد الحديث عن الحوار الوطني في العام الماضي، وكان دور «الصحوة»، «مثيراً للبلبلة» بين الجمعيات السياسية، وموقفها من الحوار، أكثر منه، متجهاً لبلورة موقف ناضج وموضوعي تجاه مسألة الحوار، حتى لو كان موقفهم هو الرفض، لكن موقفهم هذا يبرر «بلبلة» الحالة البحرينية حينها بشكل عام، فقد كانت وتيرة العنف على أشدها، وغايات الحوار ومحاوره غير واضحة. ثم استمر نشاط «شباب الصحوة» في وقفات احتجاجية إيجابية ضد أعمال الإرهاب وضد سلوك المعارضة الراديكالية وموقف القوى الخارجية منها، إلى أن دخل شباب الصحوة في منافسة «مُريبة» على زعامة تنظيم الاحتفال بمرور عام على تأسيس «تجمع الوحدة الوطنية»، تلك المنافسة التي تركت آثاراً مزعجة على حراك الفاتح، وانتهت باختفاء الصحوة، وذوبانها كالملح.
النتيجة «الانسحابية» التي انتهت إليها حركة «صحوة الفاتح» ليست حكراً عليهم، فقد ظهرت حركات شبابية محدودة في شارع الفاتح وبدأت في تنظيم نفسها والشروع في بعض البرامج والأنشطة، لكنها اختفت هي الأخرى وذابت كالملح.
والمتابع للحركات الشبابية «الفاتحية» في العام المنصرم يجد أنها ذابت عن سطح الشارع والمجتمع وترسبت في فضاء «دولة تويتر»، هناك حيث يقبع العالم الافتراضي بكل سحره ووهمه، في «دولة تويتر» نجد شباب الفاتح يحاورون بعضهم ـ وغيرهم ـ في قضايا جريئة حواراً إيجابياً، ويطرحون أفكاراً ومشاريع «تويترية» جذابة وبناءة، ويخوضون معارك وهمية تُخْرج بعضهم من فضاء تويتر إلى أروقة مخافر الشرطة والمحاكم!!
وفي الفضاء نفسه، لفت نظري رسالة «عتاب» بعث بها فصيل شبابي آخر هو «ائتلاف شباب الفاتح»، إلى جمعية «تجمع الوحدة الوطنية» التي ينتمون إليها، يتساءلون في الرسالة عن موقف الجمعية من بعض القضايا، ويوَصّفون المسافة الفاصلة بين حراك جمعيتهم وحراكهم الشبابي الذي ينشط في مواقع التواصل الاجتماعي ويقدم أطروحات سياسية قيمة ونافعة للوطن والمواطن!!، الطريف في الأمر أن شباب الائتلاف يعتبرون «قبوعهم في دولة تويتر» إنجازا يختلف عن إنجاز جمعيتهم نوعًا وقيمةً، وفي حقيقة الأمر، أن من يقبع داخل «تويتر»، ومن يقبع بين جدران جمعيته، تتساوى نتائجهم!!
طبعاً لا أستهين بمنافع وسائل الاتصال الاجتماعي، ولا أقلل من وعي الشباب الواضح في مناقشاتهم وأفكارهم وضبط توجهاتهم، ولكن، أين هو مجال التعبير عن هذا الوعي؟ أليس هو العالم الواقعي المعاش؟! إذا لم يخرج الشباب بأفكارهم ومبادراتهم ومشاريعهم إلى الواقع ويعملوا على تنفيذها فما جدوى تداولها في شبكات التواصل الاجتماعي؟!
وعطفاً على ما سبق فإن الأسبوع الجاري قد يشهد بدء عقد جلسات الحوار الوطني، فماذا أعد له شباب الفاتح؟! ما هي أفكارهم، ومبادراتهم، ومشاريعهم المتعلقة بالحوار؟ كنا ننتظر من الشباب، بعد عام من الحِراك والحركات، أن يصيفوا موقفاً ناضجاً وإيجابياً تجاه الحوار الذي سينعقد، وأن يطرحوا تصوراتهم حول أهداف الحوار وغاياته، وأن يضعوا محاور مفترضه لتداولها في الحوار، وأن يطالبوا بضمانات تحدد شروط عقد الحوار وتضبط آليات تنفيذ توصياته ومتابعتها، وأن يكونوا عضواً مراقباً خارج قاعات الحوار، كنا ننتظر أن يخرج علينا الشباب بمشاريعهم لدعم المشروع الإصلاحي وتوجيهه في الاتجاه الذي يرسم المستقبل الذي يحلمون به، والذي يطمحون بصناعته، كنا ننتظر ـ ومازال الأمل منعقداً ـ أن تُفضي حوارات «تويتر» إلى تأسيس مبادرة لـ «تجمع شباب البحرين»، يطرح فيها الشباب برنامج حوار وعمل وطني يتجاوز في رؤاه الإصلاحية وبرنامجه السياسي الانتماءات المذهبية التي مزقت البحرين، وخلقت استقطابات حادة تشكل معضلة تجابه أي مشروع إصلاحي، وأن يتجاوزوا خلفيات جمعياتهم السياسية واتجاهاتها لتأسيس مشروع وطني يتحرر من المطالب الفئوية ومن المحاصصات ومن الرؤى الضيقة التي تسيطر على عقليات أغلب من يديرون الرأي العام من أفراد في الحكومة والإعلام والجمعيات السياسية والمساجد والمآتم!!
كنا، ومازلنا ننتظر، وإلى أن يحقق الله أمانينا، فإن السمة العامة على حراك شباب الفاتح أنهم مازالوا أبناء الكبار، ومازالوا أتباع جمعياتهم واتجاهاتهم، ولم يشكلوا وعيهم الخاص، ومنظورهم الذاتي للواقع والمستقبل، ولمّا يتأملوا عبر «دولة تويتر» تجارب الدول المجاورة التي أصبح فيها الشباب «رقماً صعباً»، وطرف معادلة منفصلاً وقادراً على التأثير في الحراك السياسي الثقافي العام في البلاد وتغييرها في اتجاه مستقبله، هو الذي يريد أن يَحُل فيه بترتيباته وتنظيمه هو.