لماذا الاستغراب من الميزانية المخصصة للطب النفسي؟ سؤال أوجهه لزميلي هشام الزياني، فنحن في البحرين اعتدنا على تخصيص الميزانيات للمشاريع المستعجلة ووضع الدراسات وجلب الخبراء بعد أن «يقع الفاس في الراس»، ما يعني أن تفكيرنا في المستقبل لا يتعدى «خشومنا» كما يقول المثل.دائماً لا نعرف الخطط المستقبلية حتى في رمضان والأعياد، نفاجأ دوماً بحلولهم ونركض لكي نجهز أغراض رمضان وتفصيل ثياب العيد وهذا هو حالنا في كل عام وكل موسم، حتى شبكات تصريف مياه الأمطار نتذكرها عندما يهطل المطر بغزارة ويغمر الشوارع نفسها كل شتاء، وتتحول إلى بحيرات من الطين والمياه، نركض ونستنجد بالسيارات لسحب المياه قبل أن تغرقنا، و»تشيله من هاللنجة وتحطه في اللنجهة المقابلة لها»، دون أن نستفيد من حصاد المياه في مشروع لاستصلاح زراعي مثلاً، وتأتيك تصريحات مسؤولي «الأشغال» و»البلديات» وكل واحد يفلت الكرة في مرمى الآخر وهذا حالنا ولا نتوقع جديداً.استغرابك ياعزيزي لم يكن بمحله، وأنت ابن هذه الديرة ومتتبع لدراسات مشاريعها على طريقة «مقاول يخرب ومقاول يزيد الطين بله»، لكن لن تجد بين الاثنين من يصلح الأخطاء حتى تزيد ميزانيات الوزارات وينتفع الجميع ويبقى المواطن يعاني من زيادة أسعار السلع وتراكم القروض وشح الرواتب من الأسبوع الأول لاستلامه، وما عندنا «سالفة» إلا «المعارضة قالت وفعلت».المشكلة التي أزعجتك في الميزانية الكبيرة للطب النفسي هي أن البلد ذاهبة إلى إلغاء المستوصفات واستبدالها بمراكز للطب النفسي، وهذه سابقة لم يفطن لها أحد من الدول المتقدمة، لكنهم سيأتون إلى البحرين للاستفادة من تجربتها الفريدة، فالبحرينيون وصلوا لدرجة الهلوسة وأصبح الواحد منهم يمشي و»يسولف حاله» وربما يجد له «طوفة» ويضرب معاها «سالفة» طويلة عريضة.صدقني أنا لا أبالغ في هذا الجانب، وخذ النساء مثلاً وحاول أن تستمع للموضوعات الدائرة بينهن عبر الهاتف، تجدهن يبدأن بسالفة ثم يدخلن في ثانية وثالثة وعاشرة وبعدها بالضبط كأنك أمام شريط كاسيت أعدته من جديد تسمعهن يعدن نفس الكلام المكرر والمعاد آلاف المرات، وقد تستمر المكالمة لساعات وساعات والمهم الاثنتين يمتلكن هواتف من نفس الشركة والمكالمة مجانية.إذاً الميزانية جاءت لعلاج هذا الشعب المسكين الذي صحا من نومه ليجد نفسه أمام واقع مرير، وصراعات لا حل لها، وأزمة تكبر كل يوم ككرة الثلج، ولا ندري إلى أي الطرق تذهب، ما يستدعي أن نستبدل مراكزنا الصحية بأخرى نفسية، وربما تدخل ولا تستغرب من ذلك في مناهجنا الدراسية وربما تكون ضمن عقود الزواج، وصكوك البيع والشراء.قد تكون وزارة الصحة امتلكت الشجاعة وقررت أن تدق الجرس، فيما كثيرون غيرها لا يملكون الشجاعة ذاتها، وحاولوا الالتفاف على الموضوع بطريقة أو بأخرى.خطة وزارة الصحة لهذه الميزانية تخلصنا من أطباء «البندول» و«دوا الكحة»، وتنقلنا لطبيب نفسي يحاور مريضه على الأقل ولو لخمس دقائق ويستفسر منه عن سبب محاولته الانتحار مثلاً، هل لأن راتبه لا يكفيه لنهاية الشهر؟ أم لأن زوجته لم تطلب منه أن يشتري لها فستاناً جديداً لحفلة زواج واحدة؟ أم أعطى ابنه ديناراً مصروفاً للمدرسة ورد عليه الولد «تكفيني روبية» خل فلوسك عندك يالحبيب؟!.ياعزيزي هشام القرار سيكون «كلش» غير، فبعد أن تتحول المراكز الصحية إلى مراكز نفسية، لن تحتاج - بعيد الشر عنك - أن تذهب إلى المركز بسيارتك وتتبهدل في البحث عن موقف شاغر، لا لا هذه «شغلات كلش» قديمة، والجديد أنهم يأتون إلى المراجع في منزله في سيارة الوزارة وينزلون اثنين «بادي جارد» يخبطون عالباب بأدب ويستأذنون الأهل ثم يلبسون المريض مريولة بيضة معطرة ومغسولة بصابون «أيريال» ويجفتونه فيها بكل أدب ويطيرون للمركز، هذه بعض خدمات «في آي بي» تتوفر فقط لعيال الديرة الطيبين.أود أن أعلمك يا صديقي أن ما تفضلت به هو جزء صغير من مشروع كبير سيتواصل على مراحل، وتشارك فيه وزارة التربية ليدرس ضمن مناهجها التي تعد المواطن للعلاج المستقبلي، وربما يكون الإعلام حاضراً في برامج عن الأسرة تصب في نفس المجرى لتوعية المواطن والمقيم عن كيفية التعامل مع المراكز الجديدة .إذاً أبشر بالخير ولا «تحاتي» فالميزانية الكبيرة إنما ذاهبة نحو مشروع يعود علينا بالنفع العام وينسينا هموم الرواتب «طايحة الحظ» والديون والقروض، ولن تجد من يتذمر من وضعه ولا يلاحق النواب في بيوتهم و»همه» يتشردون عنه ويحطون له الأعذار ويزيدون من همومه هموم.الرشفة الأخيرة:الموضوع الذي أضحكني عندما دخل علي ابني في المدرسة الابتدائية بورقة من إدارة المدرسة وبتوقيع إحدى المشرفات عن معونة تطلبها المدرسة من أولياء الأمور، دهشت من هذا التوقيت فلا نحن في الشتاء ولا مقبلين على عيد ولا رمضان على الأبواب ولا أذكر أن المدارس تطلب معونات لإخواننا السوريين «عسى النصر حليفهم»، ولا هم من يرسل مساعدات للشعب المالي.بعد أن قرأت النص المكتوب لم أصدق نفسي، المدرسة وبدلاً من تركيزها على الطلبة ومشاكلهم ترسل رسائل إلى أولياء الأمور للمساهمة في إطعام البقر في الحظائر، وكل من يوجد عنده طعام زاد عن حاجته عليه أن يرسله إلى المدرسة، كي لا تسقط الأبقار مغشياً عليها من شدة الجوع.. أي بقر وأي حظائر التي أصبحت ضمن اهتمامات المدارس ووزارة التربية.الخليفة عمر بن عبدالعزيز قال «انثروا القمح على رؤوس الجبال كي لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين» وهذه العادة مازالت عند الأتراك في كل موسم بعد تساقط الثلوج، يصعد الأتراك لينثروا القمح على رؤوس الجبال والأماكن البعيدة كي لا تموت الطيور البرية من الجوع «لكن لم نسمع شيئاً عن علاقة التربية بإطعام البقر في الحظائر «ومن يعيش رجب يسمع من المدارس كل العجب».