الاستفتاء على مخرجات الحوار الوطني محل جدل وتوافق بين المشاركين فيه، فهناك من يرى أن الاستفتاء ضرورة وطنية ينبغي التمسك بها، خاصة وأنها آلية متاحة دستورياً، وفريق آخر يرى عدم جدوى الاستفتاء مادامت هناك مؤسسات دستورية قائمة وفي مقدمتها طبعاً البرلمان.
المحاذير تجاه الاستفتاء على مخرجات الحوار ليست معنية أساساً بأحقية الشعب في إبداء رأيه، فالشعب دائماً على حق عندما يتعلق الأمر بضرورة الاستماع إلى رأيه، باعتباره نابعاً من حرية التعبير المكفولة دستورياً.
ولكن الاستفتاء لا يتم اللجوء إليه إلا في المسائل الهامة والجوهرية والمصيرية، كما حدث عندما طرح ميثاق العمل الوطني وقرر جلالة الملك الانتقال إلى مرحلة سياسية مختلفة عن المرحلة السابقة.
اليوم نحن لسنا بحاجة للانتقال إلى مرحلة سياسية مختلفة كثيراً عن الظروف التي نمر بها اليوم. الحاجة للإصلاح حاجة مستمرة ومطلوبة دائماً دون توقف، ولكن في السابق لم تكن لدينا الآليات التي نملكها اليوم من مؤسسات دستورية شرعية بتوافق جميع مكونات الشعب.
عندما تم الانتهاء من إعداد مشروع الميثاق لم يكن هناك برلمان يمثل الشعب حتى يتم اللجوء إليه، بخلاف الوضع الآن الذي يوجد فيه برلمان يمثل كافة شرائح المجتمع. وعليه فإن تهميش المؤسسات الدستورية القائمة يعد شكلاً من أشكال إهانة السيادة الشعبية التي ينبغي أن يحرص عليها الجميع.
من مخاطر فكرة الاستفتاء أنها تفتح المجال أمام استفتاءات مستقبلية لا حدود لها، فكلما حدث الاختلاف نتيجة الصراع السياسي الداخلي طرح خيار الاستفتاء، وهكذا باستمرار دون ضوابط أو قيود، رغم أن الدستور حدد ضوابط اللجوء للاستفتاء. وبالتالي لا توجد قيمة لأي مؤسسة دستورية، بل هناك قيمة فقط لصناديق الاستفتاء.
تجربة التحول الديمقراطي مازالت قصيرة، ومع ذلك أثبتت أنه لا توجد ضمانات حتى وإن أجريت استفتاءات في البحرين، ولنتذكر موقف الجماعات الراديكالية التي شاركت في الاستفتاء على ميثاق العمل الوطني خلال فبراير 2001، ولكنها سرعان ما تخلت عن تأييدها لمضمون الميثاق والنتائج التي ترتبت عليه دون مبرر موضوعي.
في الديمقراطيات الغربية تجرى استفتاءات على فترات متباعدة في قضايا حساسة ومصيرية، ولكن هذه الاستفتاءات عادة ما تتم بطلب من البرلمانات أو المؤسسات الدستورية الأخرى كما هو الحال بالنسبة لمؤسسة الرئاسة، ولكنها لا تتم في الوقت نفسه بطلب من الأحزاب، والفكرة النظرية التي تقوم عليها أن الأحزاب عادة ما تكون مواقفها قائمة على الصراع، وعليها احترام المؤسسات الدستورية القائمة، في حين تضم المؤسسات الدستورية ـ كالبرلمان ـ ممثلين عن كافة الأحزاب أو مكونات المجتمع الذين يحق لهم الدعوة للاستفتاء.
بعد آخر في مسألة الاستفتاء على مخرجات حوار التوافق الوطني، أن ظروف البحرين اليوم هي تداعيات أزمة عميقة أحدثت انقساماً حاداً في المجتمع، واللجوء لخيار الاستفتاء قد يؤدي إلى تعميق هذا الانقسام بدلاً من معالجة تصدعه.
لذلك خيار التوافق في الحوار الوطني، ثم التوافق في السلطة التشريعية قد يكون أكثر الخيارات نضجاً ورشداً ومسؤولية وطنية.