قبل سنوات تحدثنا عن أهمية إعادة هندسة العلاقات الخارجية للمملكة، بعد الصدمة الكبيرة التي واجهناها إثر الأزمة الأخيرة التي ثبت خلالها تورط بعض الحلفاء في محاولة إسقاط النظام وتمكين نخبة سياسية معينة في الحكم.
ومن حسن الطالع أن هذه الرؤية لم تكن بعيدة عن السياسة الخارجية البحرينية التي اختلفت خلال العامين الماضيين بشكل كبير، وصارت تعتمد على تنويع التحالفات بدلاً من اقتصارها على قوى غربية محددة ممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية.
جلالة الملك حرص على توثيق العلاقات مع الدول الآسيوية من الصين واليابان والهند وحتى باكستان وهذه الرؤية مهمة ومفيدة على المديين المتوسط والبعيد، فلا توجد حاجة لمزيد من الاعتماد على التحالف الأحادي القائم مع واشنطن فقط، وإعطائها الأولوية في المصالح الاستراتيجية بالبحرين على الأقل. بل الحاجة ملحة لتنويع هذه التحالفات لتشمل قوى إقليمية ودولية أخرى، ومتى ما واجهت المنامة تحدياً فإن لديها هذه التحالفات التي تساعدها في حماية مصالحها الاستراتيجية دائماً.
الآن يقوم سمو ولي العهد باستكمال هذا التوجه ليزور الهند في ثاني زيارة رسمية له، ويزور طوكيو في أول زيارة رسمية له. واللافت في هاتين الزيارتين أنهما تأتيان في أول مهمة رسمية لسموه بعد توليه منصبه الجديد في الحكومة كنائب أول لرئيس مجلس الوزراء، وهي إشارة لآسيا وللغرب في نفس الوقت عن طبيعة دائرة اهتمام السياسة الخارجية البحرينية الجديدة والتي تغيرت.
بعيداً عن النتائج المتوقعة للزيارتين خلال الأسبوع الجاري، فإن لهما دلالات مهمة، فزيارة الهند من جديد تعد رسالة واضحة من المنامة عن تقديرها للعلاقات البحرينية ـ الهندية، ودور الجالية الهندية في تطوير مشاريع البنية التحتية على مدى أكثر من ربع قرن، وفي الوقت نفسه تأتي لتطمين الحكومة الهندية بتقدير حكومة البحرين وحرصها واهتمامها على رعاية الجالية الهندية في البلاد بعد ما تعرضت له من استهداف من قبل الجماعات الراديكالية خلال الفترة الماضية، فكما هو واجب على الحكومة البحرينية حماية المواطنين، فإنه من واجبها أيضاً حماية الجالية الهندية في البلاد.
أما بالنسبة لزيارة طوكيو، فإنها تأتي في وقت مهم بسبب حاجة المنامة لمزيد من الاستثمارات الخارجية المباشرة تحديداً من أجل إنعاش الاقتصاد، وتطوير الحركة التجارية والسياحية. واليابان تملك من الخبرات في هذا المجال الكثير، ولديها رؤوس الأموال التي يمكن استقطابها مع ضمان تقديم التسهيلات اللازمة.
وفي ذات السياق، فإن البحرين تجاوزت مرحلة تسويق إنجازاتها السياسية على بعض الحكومات الأجنبية كردة فعل على ما تم بعد الأزمة الأخيرة، وحان وقت إعادة توثيق العلاقات وتطوير التحالفات الدولية الجديدة، فليس لدينا وقت للنظر إلى الوراء أو لمن يحاول تأزيم الأوضاع أكثر، والمستقبل ينتظر المزيد من المسؤولية والعمل.