من الطبيعي أن يفخر الإنسان الطيِّب الأصل والطِباع بحُبْ الناس له، لأنه يعاملهم بموّدةٍ قلبيةٍ صادقةٍ ورفقٍ واحترامٍ، غير أن الفيلسوف جيرمي نيكلسون يرى أن الإنسان المجبول على الثقة في الناس وحسن النية بهم غالباً ما يصادف الجحود والجفاء مقابل طيبته وشهامته.
ويعتقد نيكلسون أن أحد أسباب الخذلان الذي يواجهه الناس الطيِّبون من أحبّتهم يتمثّل في أنهم عندما يفعلون خيراً فإنهم «يستثمرون» مشاعرهم وأوقاتهم وأموالهم في أناسٍ يتصوّرون أنهم يستحِّقون كل ذلك وأكثر، غير أن الشخص الذي استلم «العطيّة» قد لا يحمل بالضرورة مشاعر المودّة الخالصة لمقدِّمها، بل قد يشعر بأنه ملزم بتقديم شيء ما في المقابل له، وقد يخشى أن منْ أعطاه مالاً يبتغي استغلاله لخدمة مصالحه، فالحب ليس رديفاً للمال لأنه لا يُشترى ولا يمكن نيله بالعمل المُضني فقط، فالمرأة الحسناء المتطلِّبة مثلاً ترغم مُعجَبيها على «الاستثمار» فيها مالاً وحباً وتيماً، لكنها في المقابل لا تمنحهم شيئاً مُكافئاً لذلك.
إن الناس الطيبين يميلون دائماً إلى رؤية الجانب الأجمل لدى شركائهم، والسبب في ذلك هو أن الإنسان المفعم قلبه بالمحبّة والتسامح يعتقد أن اعتماد الطيبة أساساً للتعامل سيُحرِج الناس المعروفين بنكران الجميل، وسيجعلهم يعاملونه بالمثل، غير أن ذلك، للأسف، لا يحصل، فالشخص الذي نال مُراده قد لا يفكِّر في كيفيّة مكافأة الإحسان بالإحسان بل في كيفية الحصول على المزيد من المُحسِن، لذلك فإن مواصلة التعامل بطيبةٍ بالغةٍ مع المسيء قد يشجِّعه على المزيد من الإساءة تجاه من أحسَن إليه، وحيث أن الطيبيِّن يمثِّلون «أقليةً» في المجتمع، فإن الناس الذين «ينتفعون» من طيبتهم سرعان ما يقتنعون بأن الغنائم التي يحصلون عليها هي أشياء «يستحقونها» أصلاً، لذلك لا يفكِّرون في ردّ الجميل، باعتبارهم «شخصيات هامّة» لا تأبه بلُطف الناس وكرمهم ومجاملتهم!
ومن هنا يرى الفيلسوف نيكلسون أن الإنسان لا يُفترض أن يكون طيِّباً زيادةً عن اللزوم، بل يجب أن يعرف متى يرفض تقديم العون للآخر، ويطلب من شريكه أن «يُساهم» هو الآخر في توطيد العلاقة التي تجمعهُما، فالمساهمة هي دعامة المحبّة، ويبدو أن للطيبة حدوداً يفترض أن يدركها أولئك الناس المولّعون بفعل الخير، والذين جعلوا حياتنا أكثر جمالاً وإشراقاً!