في حديث لم يستغرق وقتاً طويلاً ولم يتجاوز الساعة مع رئيس مجلس الوزراء الكويتي سمو الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح حول دور مجلس الأمة في تعطيل المصالح والمشاريع انتقد بصراحة نادرة جدوى تجربة مجالس الأمة التي أدت إلى تعطيل العديد من المشاريع، وتعطيل العديد من الصفقات التي يمكن أن تساهم في تطوير البنية التحتية وبعض الصفقات العسكرية. ولكنه في الوقت نفسه لم ينكر ضرورة التجربة البرلمانية في النظام السياسي، مؤكداً ضرورة تطويرها المستمر.
انتهى الحديث مع سمو رئيس الوزراء وبقيت الكثير من الأسئلة ليس للكويتيين فحسب، وإنما لكافة شعوب دول مجلس التعاون الخليجي، وهي أسئلة تتمحور حول سؤال واحد رئيس: هل شعوب دول المنطقة بحاجة للديمقراطية وما تتبعها من مؤسسات وأبرزها البرلمان؟
يبدو أن الحوار مع سمو رئيس الوزراء الكويتي فتح باب السؤال نفسه لدى معظم الكتاب والإعلاميين الخليجيين والعرب الذين كانوا متواجدين في اللقاء. بعد أقل من 24 ساعة فقط، وعلى مأدبة غداء تضم إعلاميين من قطر وعُمان والمملكة المتحدة يثير إعلامي قطري السؤال نفسه علناً؛ هل نحن بحاجة في دول مجلس التعاون الخليجي لديمقراطيات على النمط الغربي؟ وهل الديمقراطيات هي السبيل لتحقيق العدالة الاجتماعية التي يفترض أن تكون هدفاً رئيساً لأي نظام ديمقراطي؟
دار حوار لم يخلو من الجدلية في كثير من تفاصيله وامتد لأكثر من ساعتين، ولكن يبدو أن نتيجة الحوار لم تكن محسومة. فهناك انقسام وبون شاسع في قناعات كتاب الرأي والإعلاميين تجاه هذه المسألة.
هذا المدخل يدفعنا لطرح السؤال ذاته في المجتمع البحريني الذي أكمل عقداً كاملاً من الزمن في التحول الديمقراطي، ومن الناحية العلمية وصل إلى مرحلة الديمقراطية الراسخة بمفهوم عالم السياسة الأمريكي الراحل صموئيل هنتنغتون.
في البحرين الآن هناك من وصل لمرحلة الكُفر بالديمقراطية التي كان داعماً لها قبل أكثر من عشر سنوات عندما توجه لصناديق الاقتراع وقال نعم لميثاق العمل الوطني. البعض اليوم يرى أن البرلمان بغرفتيه المعيّنة والمنتخبة لا جدوى له، فهو لم يحقق تطلعات المواطن المعيشية، ولم يناقش تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية التي كشفت عن العديد من التجاوزات الإدارية والمالية في مؤسسات الدولة. أيضاً كثير من البحرينيين كفروا ببعض المؤسسات التي تأسست مع التحول الديمقراطي مثل ديوان الرقابة، وكذلك النيابة العامة التي يرون أنها لا تتحرك لمحاسبة الكثير من متجاوزي القانون. وعلى نطاق أوسع ترى شريحة كبيرة من المواطنين أن الدولة بعد أن تحوّلت للديمقراطية لم تتمكن من تحقيق تطلعات المواطنين ولم تتمكن كذلك من الوفاء باحتياجاتهم، وأبسط مثال على ذلك العجز عن معالجة الأزمة الإسكانية.
قد تكون وجهات نظر من كفر بالديمقراطية البحرينية في جوانب عديدة صائبة، ولكن لا يمكن القبول بها نهائياً بشكل جزئي، بل ينبغي النظر إليها بشكل كلي في سياق أكثر من ذلك.
عندما قرر جلالة الملك إحداث الانفراج السياسي والتحول الديمقراطي في العام 2001، لم يكن أبداً الهدف من ذلك تحقيق العدالة الاجتماعية بين ليلة وضحاها سريعاً هكذا، بل أكدت خطابات ملكية متعددة في مناسبات مختلفة أن الديمقراطية هي “مسيرة”، وهي “عملية مستمرة”، وهي “جهود متواصلة”، هذه الرسالة من العاهل لا يبدو أن كثيراً من العامة قد استوعبوها، ويبدو أن النظرة العامة السائدة في المجتمع المحلي أن الديمقراطية كانت أداة سحرية ستعالج كافة مشاكل الدولة البحرينية خلال أيام بسيطة.
معادلة العدالة الاجتماعية في أي مجتمع لا تكون بالديمقراطية فحسب، وإنما بنظام يكفل تحقيق مبادئ هذه العدالة من توزيع للثروة، ومن مشاركة سياسية في صنع القرار، أو بالاصطلاح السياسي ما يسمى بالتوزيع السلطوي للقيم. بالتالي فإن الديمقراطية تعد إطاراً عاماً يمكن من خلاله حماية مصالح مكونات المجتمع، وتجميع مطالبهم، وتحقيقها بشكل عادل ومتساوٍ. ومتى ما كان هناك شك في عجز النظام عن تحقيق ذلك، فإن الأمر لا يعني عدم جدوى النظام، بل يعني أن النظام وصل لمرحلة ينبغي تطويره سريعاً.
من الأمثلة على ذلك الانقسام الكبير الذي شهدته البلاد خلال الفترة من 2002-2010 عندما كانت بعض القوى السياسية والنخب تطالب بإعطاء صلاحيات أكبر لمجلس النواب المنتخب على حساب صلاحيات مجلس الشورى. بالفعل كان بالإمكان تحقيق ذلك من العام 2002، ولكن الحكمة السياسية تتطلب التطبيق وانتظار النتائج، ومتى ما خالفت النتائج التوقعات والمطالبات والظروف، حينها يكون التغيير أمراً حتمياً بل ضرورة ملحة. وهذا ما حصل بعد أزمة 2011 عندما حدث توافق نادر على ضرورة تطوير صلاحيات الغرفة المنتخبة من السلطة التشريعية، بخلاف الأمر لو حدث في العام 2003 على سبيل المثال فإن التوافق سيكون مستبعداً حتماً.
أما مسألة حاجة دول الخليج للديمقراطية فسأترك الموضوع لناقش يوم آخر.