أصبح الباطل حقاً والحق باطلاً، في زمن ضاعت فيه القيم وتبدلت الأمور وباتت فيه المبادئ بالمقلوب، أو بالأصح كما يقول إعلان المايونيز بـ»الشقلوب»!
زمن اختلطت فيه المعايير؛ فصار «النصاب» مثال الأمانة والثقة، وصار «بائع الكلام» خبيراً استراتيجياً، وصار «المنافق» هو أخلص المخلصين، في المقابل تحول «صاحب الضمير» إلى مغرض، ومن تهمه المصلحة العامة مضراً بها، ومن ينطق بالحقيقة «المؤلمة» يتحول إلى «خطر» ينبغي التخلص منه أو إسكاته إلى الأبد.
مؤشر تمييز الخبيث من الطيب في تراجع، مؤشر محاربة الأخطاء في انحدار خطير، وللأسف يحصل ذلك في دولة مؤسسات وقانون شعاراتها جميلة فقط حينما نصدح بها، بينما نحتاج لمحققين خاصين بارعين في التعقب إن أردنا البحث عن تطبيق صريح لها على أرض الواقع.
الشعارات موجودة، محاربة الفساد (بس في التصريحات وعلى الورق، حتى تقارير ديوان الرقابة صارت تغث الناس سنوياً). وضع الشخص المناسب في المكان المناسب (واضح تماماً، كل شيء بحسب الكفاءة والخبرة، تريدون أمثلة؟!). تطوير استراتيجيات العمل (قطاعاتنا تعمل مثل الساعة، وكبار المسؤولين من وزراء ومدراء وضعوا مكاتبهم في الشارع وعند بوابة وزاراتهم حتى لا يتعبون المواطن). الإخلاص والتفاني من أجل الوطن والمواطنين (الكل مخلص ومتفانٍ من المسؤولين إلى النواب، والدليل الناس لا تشكو من أي مشاكل بسبب التفاني في حلها). هذه شعاراتنا، بينما تطبيقها العملي مازال في عداد المفقودين.
في شأن محاربة الفساد فقط يمكننا أن نوصل المجتمع لدرجة مخيفة من الإحباط.
أقسم بأن كثيراً من المسؤولين وصلتهم الجملة الشهيرة التي يرددها البسطاء من الناس، ومفادها بأن الفقير لو سرق ديناراً لقامت الدنيا ولم تقعد حتى يحاسب، في حين لو كان بديلاً عنه مسؤولاً كبيراً أو «هاموراً» لقامت الدنيا ولم تقعد حتى يخرج من القضية كما الشعرة من العجين.
هـــذه باتت قناعـــة لـــــدى الناس ولا تلومــوهـــم؛ إذ هــــي ستستمــــر مع ترديد الشعارات فقط، ستستمر مع كل تعاط ٍسلبي لتقارير الرقابة، ستستمر حتى يتم إقناعهم بأن هناك تفعيلاً حقيقياً لما نقوله ونردده في كل وقت وفي كل محفل، سيقتنع الناس حينما يتم الإثبات لهم بأنه حتى «الهوامير» يمكن صيدها. المشكلة أن الهامور نفسه أصبح بحد ذاته مشكلة، صيده مشكلة، وسعره مشكلة أكبر بالنسبة للبسطاء من الناس!
لو حاسبنا كل شخص أو «هامور» تطاول على فلس واحد من المال العام محاسبة جادة بالفعل لا بالكلام، ووفقاً لما يقتضيه القانون، ولو ألزمناه برد هذه الأموال للدولة والتي هي حق الناس، فإننا أقلها سنثبت بأن شعارات مثل محاربة الفساد هي ليست شعارات للاستهلاك الإعلامي بل لها تطبيق عملي صارم.
للأسف الخيرون وأصحاب الضمائر الحية والظانون بأن معادلة «العدالة» مازالت سائدة في المجتمع هم من ينظر لهم باعتبار أنهم «مغفلو» هذا الزمن، فالزمن تبدل، ومقولة «ما يصح إلا الصحيح» وأن «الخير ينتصر في النهاية» وأن «المخطئ سيلقى جزاء عاجلاً أم آجلاً»، كلها أصبحت «هلوسات» تتعب صاحبها المتمسك بإيمانه بها.
حتى في الأفلام الهندية الشهيرة بـ»فنتازيتها» أو كما نصفها بالبحريني الـ»مشحونة شلخ»، باتت النهايات السعيدة أمر غير صالح للتسويق، فكرة أن الخير ينتصر في النهاية باتت «تنفر» المشاهد وتبعده عن الواقع.
المثير أنها باتت ظاهرة عالمية، إذ بسبب الشعارات الزائفة والممارسات المقلوبة في أي مجتمع، أصبحت النهايات المثالية هي تلك التي ترى فيها الأخطاء تتحول لممارسات منطقية، وأصبح انتصار الباطل واستمرار الأخطاء هي الكلمات الأخيرة في كل مشهد!
عموماً، خلونا على «الهوامير»، كم وصل سعر الكيلو حتى اليوم؟!
{{ article.visit_count }}
زمن اختلطت فيه المعايير؛ فصار «النصاب» مثال الأمانة والثقة، وصار «بائع الكلام» خبيراً استراتيجياً، وصار «المنافق» هو أخلص المخلصين، في المقابل تحول «صاحب الضمير» إلى مغرض، ومن تهمه المصلحة العامة مضراً بها، ومن ينطق بالحقيقة «المؤلمة» يتحول إلى «خطر» ينبغي التخلص منه أو إسكاته إلى الأبد.
مؤشر تمييز الخبيث من الطيب في تراجع، مؤشر محاربة الأخطاء في انحدار خطير، وللأسف يحصل ذلك في دولة مؤسسات وقانون شعاراتها جميلة فقط حينما نصدح بها، بينما نحتاج لمحققين خاصين بارعين في التعقب إن أردنا البحث عن تطبيق صريح لها على أرض الواقع.
الشعارات موجودة، محاربة الفساد (بس في التصريحات وعلى الورق، حتى تقارير ديوان الرقابة صارت تغث الناس سنوياً). وضع الشخص المناسب في المكان المناسب (واضح تماماً، كل شيء بحسب الكفاءة والخبرة، تريدون أمثلة؟!). تطوير استراتيجيات العمل (قطاعاتنا تعمل مثل الساعة، وكبار المسؤولين من وزراء ومدراء وضعوا مكاتبهم في الشارع وعند بوابة وزاراتهم حتى لا يتعبون المواطن). الإخلاص والتفاني من أجل الوطن والمواطنين (الكل مخلص ومتفانٍ من المسؤولين إلى النواب، والدليل الناس لا تشكو من أي مشاكل بسبب التفاني في حلها). هذه شعاراتنا، بينما تطبيقها العملي مازال في عداد المفقودين.
في شأن محاربة الفساد فقط يمكننا أن نوصل المجتمع لدرجة مخيفة من الإحباط.
أقسم بأن كثيراً من المسؤولين وصلتهم الجملة الشهيرة التي يرددها البسطاء من الناس، ومفادها بأن الفقير لو سرق ديناراً لقامت الدنيا ولم تقعد حتى يحاسب، في حين لو كان بديلاً عنه مسؤولاً كبيراً أو «هاموراً» لقامت الدنيا ولم تقعد حتى يخرج من القضية كما الشعرة من العجين.
هـــذه باتت قناعـــة لـــــدى الناس ولا تلومــوهـــم؛ إذ هــــي ستستمــــر مع ترديد الشعارات فقط، ستستمر مع كل تعاط ٍسلبي لتقارير الرقابة، ستستمر حتى يتم إقناعهم بأن هناك تفعيلاً حقيقياً لما نقوله ونردده في كل وقت وفي كل محفل، سيقتنع الناس حينما يتم الإثبات لهم بأنه حتى «الهوامير» يمكن صيدها. المشكلة أن الهامور نفسه أصبح بحد ذاته مشكلة، صيده مشكلة، وسعره مشكلة أكبر بالنسبة للبسطاء من الناس!
لو حاسبنا كل شخص أو «هامور» تطاول على فلس واحد من المال العام محاسبة جادة بالفعل لا بالكلام، ووفقاً لما يقتضيه القانون، ولو ألزمناه برد هذه الأموال للدولة والتي هي حق الناس، فإننا أقلها سنثبت بأن شعارات مثل محاربة الفساد هي ليست شعارات للاستهلاك الإعلامي بل لها تطبيق عملي صارم.
للأسف الخيرون وأصحاب الضمائر الحية والظانون بأن معادلة «العدالة» مازالت سائدة في المجتمع هم من ينظر لهم باعتبار أنهم «مغفلو» هذا الزمن، فالزمن تبدل، ومقولة «ما يصح إلا الصحيح» وأن «الخير ينتصر في النهاية» وأن «المخطئ سيلقى جزاء عاجلاً أم آجلاً»، كلها أصبحت «هلوسات» تتعب صاحبها المتمسك بإيمانه بها.
حتى في الأفلام الهندية الشهيرة بـ»فنتازيتها» أو كما نصفها بالبحريني الـ»مشحونة شلخ»، باتت النهايات السعيدة أمر غير صالح للتسويق، فكرة أن الخير ينتصر في النهاية باتت «تنفر» المشاهد وتبعده عن الواقع.
المثير أنها باتت ظاهرة عالمية، إذ بسبب الشعارات الزائفة والممارسات المقلوبة في أي مجتمع، أصبحت النهايات المثالية هي تلك التي ترى فيها الأخطاء تتحول لممارسات منطقية، وأصبح انتصار الباطل واستمرار الأخطاء هي الكلمات الأخيرة في كل مشهد!
عموماً، خلونا على «الهوامير»، كم وصل سعر الكيلو حتى اليوم؟!