تزايد الحديث في الآونة الأخيرة عن المصالحة الوطنية بصفتها سبيلاً للخروج من أتون الأزمة السياسية الراهنة، والارتقاء بالخطاب السياسي ليصبح وطنياً جامعاً، يعبر عن طموحات مختلف فئات المجتمع في تحقيق أحلام المواطن البسيط في العيش بكرامةٍ وحريةٍ وأمنٍ وأمانٍ.
وواقع الحال أن تحقيق المصالحة الوطنية المنشودة، والتقريب بين مرئيات مختلف الفرقاء والأطراف المعنية بشأن الواقع السياسي القائم، ومتطلبات الخروج من قوقعة الطائفة أو الجماعة إلى رحاب الوطن الأكبر، يستوجب، في نظري، بناء الديمقراطية بصفتها ثقافةً مجتمعيةً يستحيل دونها التوصل إلى الخطوط العريضة لاتفاقات وتحالفات مستقبلية تستجيب للتطلّعات الشعبية.
إن الديمقراطية، كما يرى المفكر بو حنية قوي، ليست نزوةً أو رغبةً، ولكنها سيرورة حضارية شاملة على جميع الأصعدة، ومن الصعوبة بمكان ممارسة الديمقراطية في البلدان التي قد تطبعت منذ قرونٍ على التسلّط والفردية والشمولية، وفي ظل انعدام التراث الديمقراطي، وغياب مبدأ التسامح في الرأي والمعتقد والتفكير والتعدد. فالمسألة تحتاج إلى وقتٍ ونفسٍ طويلٍ كي تستقيم الديمقراطية في البلدان النامية على قدميها، غير أن ممارسة الديمقراطية يمكن أن تتم حتى في أحلك الظروف، وهذا يتوقف علي مدى جدية القوى الفاعلة في الساحة السياسية، ودرجة ثقافتها، ومدى اقتناعها بالتعددّ السياسي والاجتماعي والثقافي، والمشاركة في الإدارة والحياة العامة، والتداول السلمي للسلطة، وذلك بضبط إيقاع الحياة بأطيافها المختلفة بصورةٍ عادلةٍ، وتثبيت أركان الدولة العادلة والديمقراطية المستندة إلى الشرعية الدستورية والقانونية.
ومن الناحية التاريخية، يمكن القول إن الشعوب العربية لا تملك ثقافة الديمقراطية، مع أنها تمارس بعض تقنيات الديمقراطية، ومن ضمنها التصويت عبر صناديق الاقتراع، وانتخاب ممثليها في الهيئات التشريعية والدستورية بدرجةٍ نسبيةٍ من الحرية، وقد تكون الثورات العربية، على حد تعبير الكاتب المغربي الطاهر بن جلّون، فاتحة خير لتعلّم جوهر الديمقراطية وثقافتها وقيمتها، وبدايتها تكون عبر احترام حرية القول والرأي والعقيدة، ومواجهة الأيديولوجية المتطرفة التي لا تفهم معنى الديمقراطية، والتوقّف عن إقحام الدين في السياسة العامة.
.. وللحديث صلة