اليوم الثلاثاء يختتم قادة دول مجلس التعاون الخليجي قمتهم الـ 33 التي انطلقت يوم أمس في المنامة وسط توقعات أن تشكل قراراتها انعطافة في مسيرة المجلس لتنتقل دوله نحو الاتحاد الخليجي الذي هو حلم كل خليجي وأمنية انتظرناها طويلاً، فالوحدة الخليجية هي الغاية الكبرى من مجلس التعاون، وهو ما يشكل رداً حاسماً على ذلك البعض الذي قال إن طرح فكرة الاتحاد الخليجي في هذه الفترة خطوة المراد منها محاصرة الحراك السياسي في البحرين وتأكيد الحل الأمني.
وهذا تفكير يعبر عن نظرة قاصرة لأنه ينظر إلى جزء من المشهد فقط لا إلى المشهد كله، فيغيب عن ذلك البعض مثلاً ظروف المنطقة وما يجري في البلاد العربية والعالم من تحولات وتغييرات تتطلب التكتل للتعامل معها، وكذلك ما يحدث في الجارة إيران من أمور ليس أولها الملف النووي وليس آخرها الشحن العاطفي المؤدي إلى إثارة المواطنين الإيرانيين ومحاولة شغلهم عما يدور في بلادهم عبر إقناعهم بكل الطرق أن البحرين تابعة لهم وأن ما يحدث في المنطقة من أمور هو ظلم للشيعة.
ما لا ينتبه له هؤلاء هو أن قادة التعاون تكونت لديهم على مدى ثلاثين سنة الماضية من تجربة مجلس التعاون خبرة تعينهم على اتخاذ القرارات الصائبة، لهذا فإنهم لم يتخذوا قرار التحول من التعاون إلى الاتحاد فور أن طرحت الفكرة رغم حماسهم لها، ولكن رحبوا بما تفضل بطرحه خادم الحرمين الشريفين واتخذوا قراراً بدراسته فشكلوا فريق عمل من ذوي الخبرة ليقدم الرؤى والتصورات في ستة أشهر تعرض على اللقاء التشاوري للمجلس الأعلى لمجلس التعاون ثم عندما تبين لهم أن الموضوع بحاجة إلى مزيد من الدراسة والبحث اتخذوا قراراً بتأجيل الإعلان عن الاتحاد حتى بين الدولتين الأكثر استعداداً له وهما السعودية والبحرين، فقادة التعاون يريدون أن يقبلوا على تجربة يكون هامش الخطأ فيها محدوداً أو ربما معدوماً يساعدهم على ذلك تجربتهم العريقة في مجلس التعاون وتجاربهم الحياتية الأخرى.
والمتابع لتصريحات المعنيين وما ينشر عبر مختلف وسائل الإعلام هذه الأيام يلاحظ أن الإعلان عن الاتحاد الحلم سيتأخر قليلاً، حيث صرح وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة أن المشروع يؤخذ بالتأني وأنه سيتم الإعلان عنه في قمة خاصة تعقد في الرياض في وقت لاحق لم يحدد بعد، ما يستشف منه تفضيل القادة للتريث بغية حل مختلف الأمور التي هي قيد النقاش وتوفير الإجابات عن كل التساؤلات وتذويب كل التخوفات سواء لدى الدول الأعضاء التي بطبيعة الحال يهمها الاطمئنان فيما يخص الاستقلالية في اتخاذ القرار، وهذا حقها، أو لدى الدول الأخرى القريبة والبعيدة حيث من المؤكد أن القادة ينظرون إلى مختلف التوازنات في المنطقة.
ربما تتغير بعد حين قناعات الكثيرين من الذين لا يزالون يتخذون حالياً موقفاً سالباً من المشروع خاصة إذا تمكنت دول التعاون من التوصل إلى اتفاق واتخذوا القرار المنتظر في هذا الخصوص، حيث القرار بعد كل هذا التأني يعني أن الاتحاد الخليجي هو في مصلحة الجميع وأنه ليس وقتياً أو ليس المراد منه مساعدة السلطة في البحرين على الخروج من المشكلة التي تحيط بالبلاد منذ نحو عامين، فالمشكلة البحرينية ليست من الصعوبة بحيث لا يكون حلها إلا عبر إعلان اتحاد بين دول التعاون، فمثل هذا التفكير لا يكون إلا عند من يفتقد الخبرة والتجربة وليس له «مريال» في السياسة. العالم بشكل عام وأهل الخليج العربي بشكل خاص ينتظرون اليوم بفارغ الصبر ما ستسفر عنه قمة التعاون الثالثة والثلاثين التي تنعقد في ظروف وصفها الأمين العام للمجلس بأنها بالغة الحساسية.. وهي بالفعل كذلك.