“حب وحرب وحرية”، إنها “الحاءات” الثلاث التي رافقته منذ الولادة، وتحكمت في مصيره أحياناً، وأسهمت في صنع مخيلته، وذائقته، وتفكيره، في أحايين كثيرة. ومن هنا انطلق.. وانطلقنا معه لعوالمه السحرية.
كانت “موزارت” خصيصاً جزءاً من العالم الموسيقي الذي ولج إليه، بفضل صديقيه عثمان العمير وعادل الطريفي، حتى لم يعد بإمكانه إتمام الكتابة دون ذكر الموسيقى.. كيف لا نؤمن بذلك، وقد قدم لنا السحر حروفاً أسقطتها أحبار متراقصة على صدر الورق، مسرحت صفحات الكتاب وجعلت منه أغنية تتسلل لجنبات الروح، بنعومة مخملية في ليلة شتوية باردة، بل في موسم ربيع قاس متعجرف، عاشته المنطقة بأكملها.
حدثنا في السياسة، وفي قسوة الربيع الطويل عبر الزعيم، “وقد يكون الزعيم شخصاً، أو رسالة، أو فكرة، أو موقفاً.. إلخ، كل ما يقودنا، ويؤثر علينا، ويرسم خط مسيرنا، بطريقة، أو بأخرى”. علمنا كيف تثبت الأحداث –لاسيما الأخيرة - “أن إرادة الشعوب، غالباً ما تجبر التاريخ على أن يراجع نفسه”، وأن “الصامتين يبدؤون في الحديث علناً دون خوف، والمتحدثين يبدؤون بالفعل والحركة على الأرض دون خشية”. وربما، من هنا فقط “دخل العام 2011 كتاب التاريخ من أوسع فصوله” واضعاً حداً لأخطاء قاربت نصف قرن، وفاتحاً شبابيك الأمل، في استئناف تاريخي استثنائي هذه المرة، فيما لم يغفل أبداً أن “منطقتنا لطالما احترفت الرقص أكثر من التاريخ!!”.
ذلك هو سلطان القحطاني، سعودي المنشأ لندني الهوى، لطالما مضى “متسكعاً” في شوارع لندن، وأزقة كامبريدج، ما أوحى له بكثير من الأفكار، وكثير من الجنون!! الصفات المتداولة عنه في “تويتر”، والتي كانت سراً من أسرار سعادته، لم يتمتع بترف الحياد دائماً، في ظل ثورات دخلت من ثقب التاريخ، تقف على أبوابها عقول شامخة لا تغلق نوافذها أبداً مهما أغلقت الديكتاتوريات الأبواب والشبابيك، ومن هنا كان إيمانه عميقاً بضرورة إيقاظ بعض الضمائر، والإشادة باستيقاظ الشارع، الذي سيوقظ التاريخ من جديد، التاريخ.. ذلك الشيء الذي لا يجيده العرب!!
شاب يقضي العمر مدوناً “ما قد يأتي من السماء”، ويخوض عمله الحربي اليومي، في مواجهة خيانة الذاكرة عبر الكتابة، و”ما أكثر ما تخون الذاكرة”، كما يخبرنا صديقنا سلطان.!! لاسيما إن التقى بمن حارب بالدمع، والدم، والفكرة، والفكر، وقوفاً على محطات فكرية، منحت أحدهم ثقة رجل مر بنوافذ العمر المطفأة، نافذة، نافذة، حسب تعبيره. ليستمر الحديث عن الغد لساعات، وتمر لحظات من الصمت. نعم.. دون يا سلطان.. فلتدوينك آفاق واسعة.. سكبتها لنا عطراً مخبأ تحت غلاف ملطخ بالدماء، كما اخترت سكب صوت فيروز في ذلك الإناء ياباني الصنع. إنه دم، بل عطر الحب والحرب والحرية معاً.. ومجدداً.
ذلك العطر الذي منحتنا إياه في “عبث النسمات الباردة بشعر الجبال الأخضر على نحو موسيقي مدروس”، لتأخذنا إلى بعيد.. حيث “فالنسيا”، مدينة العشاق، واسمها مبتدأ في جملة حب لا تنتهي، هكذا تعلمنا معنى الحب لدى سلطان.. حب لا ينتهي.. كجملة ابتدت بها “فالنسيا”. فسلطان.. أمير لطالما مضى باحثاً عن “سندريلاه” تحت المطر، وكتب وسط فردوس صقلي، في ليلة غنى فيها مجلس اللوردات على سطح قلبه.
تنقل بنا في كل واد عميق.. وطرق أبواباً شتى في الفكر والروح معاً.. إنها سيمفونية العقل والقلب التي تفرد بها سلطان، لكونه شاباً يريد التغيير والعدالة، يريد أغنياء أكثر، وفقراء أقل. شاب يريد الإجابة على سؤال طالما أرقه، حول كيفية العيش بين وهج المبادئ وسطوة الحقائق. متأملاً خطراً محدقاً، “من أولئك الذين يشعرون أن ساعات المستقبل قد توقفت أمام أعينهم، وفرص الربح والخسارة واحدة، هذا إن كان هنالك شيء قد يخسرونه!!”.
آمن بمصطلح “الفوضى الخلاقة” في غير محل، واعتبر نفسه وحالته تجسيداً لذلك المصطلح، متحولاً بذلك إلى “إنسان تجارب” في هذا العصر، لاسيما مع تجارب عدة مرت به، هي أكثر طرافة وأكثر إيلاماً، أطلق عليها “مؤتمر إعدام الغرفة”، الذي كثيراً ما مررت به أنا أيضاً بعد فض انعقاده، وكنت أصعق كما يصعق سلطان، “واللهم لا اعتراض، ولا راد لقضائك..”.
لامس جراح كثير من الشباب الإعلاميين، ولكني أتصوره جرح خليجي غائر في وجه الصحافة، وبقلوب منسوبيها من الشباب، ويشمل بعض الكتاب والإعلاميين في البحرين والسعودية. في مقالته: “جريدة “الوطن” آخر القناديل التي سترحل من الجنوب”، أيقظنا على حقيقة مدهشة وغريبة.. علمنا كيف أن لفظة “الوطن” في أية صحيفة – وأجد الحال متمثلاً في البحرين- تؤسس لعلاقة متوازنة بين الشباب والشيوخ في المهنة، فالمشكلة التي يجدها صديقنا سلطان في الصحافة السعودية، أن كل جيل يحجب جيلين خلفه، ولا أعتقد أن وصفه ببعيد عن بقية دولنا الخليجية. ولعلها الفرصة المناسبة لإلقاء التحية على “صحيفة الوطن” أينما وجدت، في البحرين أو المملكة العربية السعودية، ولرفع القبعة احتراماً لقائد التجديد يوسف البنخليل رئيس تحرير “الوطن” البحرينية، الذي استقطب الأقلام الشابة إيماناً بها، وتأسيساً لصحافة الغد بمزيد من الرسوخ والثبات، بعيداً عن صحافة كتب على مستقبلها القريب ربما أن يكون في غياهب الجب. شكراً لأنه منح الفرصة التي كانت بمثابة “طوق نجاة لسباح واجه العواصف، ووصل إلى شط الأمان”، ويتعدى الطوق نجاة السباح لنجاة أكبر تنتشل مستقبل الصحافة من حتمية الغرق يوماً ما.
لمحات سريعة طرقت فيها أبواب الكتاب، وسلطت الضوء على أكثر ما أسرني فيه، ولعله كتاب آسر من الجلدة إلى الجلدة، أو من الغلاف إلى الغلاف، فإضاءاته عميقة تنم عن عقل حي وقلب نابض، يقتادانا لنوافذ، بل شرفات النور لدى سلطان الفكر “سلطان السعد القحطاني”.
قراءة ساحرة، وعوالم مختلفة، أتمناها لكم، مع كتابه الشيق.. “هكذا سقط الزعيم”.
{{ article.visit_count }}
كانت “موزارت” خصيصاً جزءاً من العالم الموسيقي الذي ولج إليه، بفضل صديقيه عثمان العمير وعادل الطريفي، حتى لم يعد بإمكانه إتمام الكتابة دون ذكر الموسيقى.. كيف لا نؤمن بذلك، وقد قدم لنا السحر حروفاً أسقطتها أحبار متراقصة على صدر الورق، مسرحت صفحات الكتاب وجعلت منه أغنية تتسلل لجنبات الروح، بنعومة مخملية في ليلة شتوية باردة، بل في موسم ربيع قاس متعجرف، عاشته المنطقة بأكملها.
حدثنا في السياسة، وفي قسوة الربيع الطويل عبر الزعيم، “وقد يكون الزعيم شخصاً، أو رسالة، أو فكرة، أو موقفاً.. إلخ، كل ما يقودنا، ويؤثر علينا، ويرسم خط مسيرنا، بطريقة، أو بأخرى”. علمنا كيف تثبت الأحداث –لاسيما الأخيرة - “أن إرادة الشعوب، غالباً ما تجبر التاريخ على أن يراجع نفسه”، وأن “الصامتين يبدؤون في الحديث علناً دون خوف، والمتحدثين يبدؤون بالفعل والحركة على الأرض دون خشية”. وربما، من هنا فقط “دخل العام 2011 كتاب التاريخ من أوسع فصوله” واضعاً حداً لأخطاء قاربت نصف قرن، وفاتحاً شبابيك الأمل، في استئناف تاريخي استثنائي هذه المرة، فيما لم يغفل أبداً أن “منطقتنا لطالما احترفت الرقص أكثر من التاريخ!!”.
ذلك هو سلطان القحطاني، سعودي المنشأ لندني الهوى، لطالما مضى “متسكعاً” في شوارع لندن، وأزقة كامبريدج، ما أوحى له بكثير من الأفكار، وكثير من الجنون!! الصفات المتداولة عنه في “تويتر”، والتي كانت سراً من أسرار سعادته، لم يتمتع بترف الحياد دائماً، في ظل ثورات دخلت من ثقب التاريخ، تقف على أبوابها عقول شامخة لا تغلق نوافذها أبداً مهما أغلقت الديكتاتوريات الأبواب والشبابيك، ومن هنا كان إيمانه عميقاً بضرورة إيقاظ بعض الضمائر، والإشادة باستيقاظ الشارع، الذي سيوقظ التاريخ من جديد، التاريخ.. ذلك الشيء الذي لا يجيده العرب!!
شاب يقضي العمر مدوناً “ما قد يأتي من السماء”، ويخوض عمله الحربي اليومي، في مواجهة خيانة الذاكرة عبر الكتابة، و”ما أكثر ما تخون الذاكرة”، كما يخبرنا صديقنا سلطان.!! لاسيما إن التقى بمن حارب بالدمع، والدم، والفكرة، والفكر، وقوفاً على محطات فكرية، منحت أحدهم ثقة رجل مر بنوافذ العمر المطفأة، نافذة، نافذة، حسب تعبيره. ليستمر الحديث عن الغد لساعات، وتمر لحظات من الصمت. نعم.. دون يا سلطان.. فلتدوينك آفاق واسعة.. سكبتها لنا عطراً مخبأ تحت غلاف ملطخ بالدماء، كما اخترت سكب صوت فيروز في ذلك الإناء ياباني الصنع. إنه دم، بل عطر الحب والحرب والحرية معاً.. ومجدداً.
ذلك العطر الذي منحتنا إياه في “عبث النسمات الباردة بشعر الجبال الأخضر على نحو موسيقي مدروس”، لتأخذنا إلى بعيد.. حيث “فالنسيا”، مدينة العشاق، واسمها مبتدأ في جملة حب لا تنتهي، هكذا تعلمنا معنى الحب لدى سلطان.. حب لا ينتهي.. كجملة ابتدت بها “فالنسيا”. فسلطان.. أمير لطالما مضى باحثاً عن “سندريلاه” تحت المطر، وكتب وسط فردوس صقلي، في ليلة غنى فيها مجلس اللوردات على سطح قلبه.
تنقل بنا في كل واد عميق.. وطرق أبواباً شتى في الفكر والروح معاً.. إنها سيمفونية العقل والقلب التي تفرد بها سلطان، لكونه شاباً يريد التغيير والعدالة، يريد أغنياء أكثر، وفقراء أقل. شاب يريد الإجابة على سؤال طالما أرقه، حول كيفية العيش بين وهج المبادئ وسطوة الحقائق. متأملاً خطراً محدقاً، “من أولئك الذين يشعرون أن ساعات المستقبل قد توقفت أمام أعينهم، وفرص الربح والخسارة واحدة، هذا إن كان هنالك شيء قد يخسرونه!!”.
آمن بمصطلح “الفوضى الخلاقة” في غير محل، واعتبر نفسه وحالته تجسيداً لذلك المصطلح، متحولاً بذلك إلى “إنسان تجارب” في هذا العصر، لاسيما مع تجارب عدة مرت به، هي أكثر طرافة وأكثر إيلاماً، أطلق عليها “مؤتمر إعدام الغرفة”، الذي كثيراً ما مررت به أنا أيضاً بعد فض انعقاده، وكنت أصعق كما يصعق سلطان، “واللهم لا اعتراض، ولا راد لقضائك..”.
لامس جراح كثير من الشباب الإعلاميين، ولكني أتصوره جرح خليجي غائر في وجه الصحافة، وبقلوب منسوبيها من الشباب، ويشمل بعض الكتاب والإعلاميين في البحرين والسعودية. في مقالته: “جريدة “الوطن” آخر القناديل التي سترحل من الجنوب”، أيقظنا على حقيقة مدهشة وغريبة.. علمنا كيف أن لفظة “الوطن” في أية صحيفة – وأجد الحال متمثلاً في البحرين- تؤسس لعلاقة متوازنة بين الشباب والشيوخ في المهنة، فالمشكلة التي يجدها صديقنا سلطان في الصحافة السعودية، أن كل جيل يحجب جيلين خلفه، ولا أعتقد أن وصفه ببعيد عن بقية دولنا الخليجية. ولعلها الفرصة المناسبة لإلقاء التحية على “صحيفة الوطن” أينما وجدت، في البحرين أو المملكة العربية السعودية، ولرفع القبعة احتراماً لقائد التجديد يوسف البنخليل رئيس تحرير “الوطن” البحرينية، الذي استقطب الأقلام الشابة إيماناً بها، وتأسيساً لصحافة الغد بمزيد من الرسوخ والثبات، بعيداً عن صحافة كتب على مستقبلها القريب ربما أن يكون في غياهب الجب. شكراً لأنه منح الفرصة التي كانت بمثابة “طوق نجاة لسباح واجه العواصف، ووصل إلى شط الأمان”، ويتعدى الطوق نجاة السباح لنجاة أكبر تنتشل مستقبل الصحافة من حتمية الغرق يوماً ما.
لمحات سريعة طرقت فيها أبواب الكتاب، وسلطت الضوء على أكثر ما أسرني فيه، ولعله كتاب آسر من الجلدة إلى الجلدة، أو من الغلاف إلى الغلاف، فإضاءاته عميقة تنم عن عقل حي وقلب نابض، يقتادانا لنوافذ، بل شرفات النور لدى سلطان الفكر “سلطان السعد القحطاني”.
قراءة ساحرة، وعوالم مختلفة، أتمناها لكم، مع كتابه الشيق.. “هكذا سقط الزعيم”.